“ابحث عن المرأة” مثل فرنسي شهير، له العديد من الدلالات التي تجتمع في معنى واحد، أن وراء كل أمر خيرًا كان أو شر، امرأة، سواء كانت مخطط له أو مجرد أداة لتنفيذه. وقد نجحت جماعة الإخوان في استخدام هذا المثل وتنفيذ محتواه، من خلال استغلال المرأة بكل الصور الممكنة، سواء كمربية لأجيال إخوانية تقوم على أسس السمع والطاعة، أو أداة استقطاب نساء جدد، أو مرسال تواصل مع المسجونين من عناصرها، أو سياسية تنطق بما يملى عليها، أو كصانعة لحالة تعاطف تفتقدها الجماعة.

وتعد الأخيرة من أهم صور استغلال المرأة في الإخوان، ورغم أن لها العديد من الصور والأشكال التي اختلفت باختلاف المواقف، إلا أن العالم الافتراضي كان ساحة استغلالها الكبرى مؤخرًا. 

لجان الإخوان

للجان الإلكترونية أهميتها الخاصة لدى جماعة الإخوان، خاصة عقب سقوط حكم الجماعة، وتحول العالم الافتراضي، إلى عالم وجودي، يتلاعب فيه الإخوان بعقول المستهدفين من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي

وعلى مدار أكثر من 10 سنين، كانت لجان الإخوان تعمل وفق استراتيجية محددة، وهى السيطرة على رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيس بوك،  بعد أن تخطى تعدادهم 10 مليون مستخدم في مصر وحدها، غالبيتهم في عمر الشباب، وهى الفئة التي لا تترك الجماعة فرصة للسيطرة عليها، إلا وقامت باستغلالها، ووضعت لذلك خطة محكمة، بداية من تشكيل اللجان الالكترونية للإخوان، وتخصيص تمويل كبير لها، مرورًا بإطلاق آلاف الحسابات الزائفة لاستخدامها في تحقيق أغراضها، وأصبحت بذلك متخطية المؤسسات الرسمية في التواصل مع الشباب من تلك الفئة، فاستطاعت الوصول إلى أفكارهم والتأثير فيها، وتوجيهها بما يخدم مصالح الجماعة، كما نجحت في ضم أعضاء جدد، ومع زيادة أعداد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، استخدم الإخوان تلك المنصات للنيل من أعدائهم وتشويههم أحيانًا ومقايضتهم أحيانًا أخرى، كما كشف إسلام الكتاتني القيادي المنشق عن الجماعة

ومع أهمية الدور النسائي في حياة الإخوان، عقب وصولهم للحكم، ظهرت اللجان الإلكترونية النسائية، وهو فرع استحدثه الإخوان، لمخاطبة النساء، وقياس أراءهن والتأثير فيها، وكانت تعمل لك اللجان في حدود ضيقة، حيث كان الدور الأكبر للعنصر الرجالي في تلك اللجان.

وتبدلت تلك الصورة عقب سقوط حكم الإخوان، حيث ظهرت العديد من الحسابات النسائية الإخوانية، والتي تدار تحت قيادة اللجان الإلكترونية للإخوان، وكانت تعتمد منذ تكوينها، على الجانب العاطفي، وجذب أكبر عدد من المتعاطفين مع الجماعة، مستهدفين النساء فقط، سواء في “المجموعات النسائية” أو الصفحات النسائية المختلفة، وتم نشر اللجان النسائية الإخوانية بألاف الحسابات المزيفة التي يشرف عليها نساء، حيث يتلقون تعليماتهم من قادة الجماعة بالخارج، ويقومون بتنفيذها هنا، وكانت تعتمد على إثارة مشاعر التعاطف مع الجماعة، في العديد من الملفات الهامة، على رأسها ملف عودة محمد مرسى للحكم وذلك قبل وفاته، وملف التصالح مع الدولة، وملف المعتقلين من عناصر الجماعة، سواء النساء أو الرجال.

وعقب وفاة محمد مرسى انخفض نشاط اللجان الالكترونية للنساء، خاصة مع حدوث أزمة كبيرة هزت الجماعة بالخارج، وهي انشقاق بعض الشباب الهاربين للخارج عن الجماعة، ومطالبتهم بالعودة لمصر، واستعدادهم للمحاكمة، عقب تخلى قادة الجماعة عنهم، وتركهم لمصائر مجهولة أدت لطردهم من مساكنهم، وهو ما حدث في السودان وتركيا، وكذلك نقص التمويل للمجموعات المتواجدة هنا في مصر، ما أثر كثيرًا على نشاط اللجان الالكترونية للجماعة، وذلك بالتزامن مع وجود خلافات بين قادة الجماعة بالخارج، والحديث عن مصالحة مع الدولة

عودة اللجان وكشف المستور

مع بداية 2020، ظهرت اللجان الإلكترونية النسائية للإخوان مرة أخرى، بنشاط كبير تخطى فترة ظهورها الأولى، ولكنها اسُتغلت هذه المرة لتنفيذ دور محدد، وهو إثارة المشاعر ضد تحركات الدولة المصرية، مع زيادة الاستخدام النسائي لمواقع التواصل الاجتماعي، وعدم اقتصاره على الشباب، وإنما مختلف المراحل العمرية، ما جعله بيئة خصبة لتوجيه أكبر فصيل ممكن نحو أفكار الجماعة.

وكانت تظهر اللجان الالكترونية النسائية في بوستات موحدة يتم نشرها من أكثر من حساب وفى مجموعات وصفحات مختلفة، وكانت تركز على القضايا القومية، مثل الأزمة الليبية وكان من أبرز المنشورات المتعلقة بهذا الشأن ” خطيبي مسافر مع الوحدة بتاعته ليبيا وصواني على والدته واخواته الصغيرين دعواتكم يابنات” ” أخويا مجند وسايبنا ورايح ليبيا دعواتك يرجع بالسلامة”، ومن خلال تلك المنشورات كان يتم مهاجمة موقف مصر من الأزمة الليبية، ومهاجمة القوات المسلحة، وتشويه صورتها، مع تعظيم الدور التركي والحديث عن محاسن الخلافة العثمانية، إثارة المشاعر لدى النساء ضد الجيش، وتكوين رأى عام قائم على العاطفة التي يشتهر بها المصريون ضد ما تقوم به الدولة، وبهذا يحقق الإخوان أهدافهم، خاصة مع استخدام بعض الحسابات لصور حقيقة لأصحابها لإضفاء نوع من المصداقية على ما يتم تداوله من مناقشات  

وتم كشف الأمر، عقب قيام رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر، بحصر عدد من تلك المنشورات وتجميعها وإعادة نشرها، ليكشف الستار عن تحركات اللجان الالكترونية النسائية التابعة للإخوان، وكذب ما يتم تداوله على تلك الحسابات، وهو ما تم في وقت سابق مع اللجان الالكترونية للإخوان والتي يديرها رجال

نساء الإخوان الأكثر “حقدًا”

لم يكن اختيار النساء لتولى مهام لها خصوصيتها بالجماعة، مثل المشاركة في فاعليات مواقع التواصل الاجتماعي، من قبيل الصدفة، أو الاضطرار كما يظن البعض، ولكن لأن المرأة الإخوانية، ليست كغيرها من نساء التيارات المتطرفة، بل تم إعدادها بصورة محددة، جعلتها الأكثر كراهية وحقدًا لغير الإخوان

الأمر الذي كشفه الباحث في الإسلام السياسي، وليد البرش، قال إن المرأة الإخوانية تحمل بداخلها حقدًا وغلًا كبيرًا ضد الدولة المصرية، ما جعلها مؤهلة للمشاركة في اللجان الإلكترونية للجماعة، ونجحت في أداء دورها، وإن كان تم كشفه فيما بعد

أضاف “البرش” أن المصريين شعب عاطفي بطبعه، يميل إلى القصص الإنسانية، ويتجاوب معها بسهولة، لذا تقوم المرأة الإخوانية التابعة للجان الإلكترونية بسرد تلك القصص، ومنحها الجانب الإنساني الذي يجذب المتعاطفين، وهى قطعًا قصص كاذبة ومختلطة، يتم استغلال لتأليفها، مستغلين قدرة المرأة بطبيعتها على سرد الحكايات بشكل مؤثر وجاذب

وأشار “البرش” إلى أن الإخوان عقب 30/6، عملوا على ضخ أموال ضخمة في أشخاص غير معروفين، لتكوين اللجان الإلكترونية بصورة أكثر كثافة، وكل منهم أصبح مسئولًا عن عدد من عناصر تلك الإخوان، ويتم منح كل عنصر مجموعة من الحسابات الوهمية التي يكون مسئولًا عنها، لضمان عدد معين من المنشورات يوميًا، ما يجعل الجماعة في تواجد مستمر، مؤكدًا في الوقت نفسه أن تلك اللجان، يتم إدارتها من مصر، ويبقى دور القادة بالخارج قاصرًا على تحديد سياسات المنشورات المرغوب فيها على السوشيال ميديا، وتحديد الأفكار والتوجهات

واستطرد “البرش” أن اللجان الإلكترونية في الإخوان لا تفرق عادة بين الرجل والمرأة، فلكل منهم دوره، مثل أن المرأة تتولى إثارة العاطفة، ويكون هدف اللجان اتجاهين لا ثالث لهما، الأول نشر الشائعات، والثاني بث روح الاكتئاب والإحباط، بحيث يفقد المواطن ثقته في القيادة السياسية، وفى الوطن، بالتالي يصبح صيدًا سهلًا للإخوان، ويكون مهيًا نفسيًا لعملية التجنيد، وهو ما الهدف الأسمى للجماعة التي تبحث عن إعادة التواجد بعد ان تم القضاء عليها

ورغم كشف حقيقة تلك المنشورات والتغريدات بعد تجميعها، إلا أن لجان النساء الإخوانية عادت للنشاط مؤخرًا في ظل الحديث عن عودة الخلافة العثمانية، على يد ابيهم الروحي رجب طيب أردوغان، واتخذت عدة مسارات منها التهليل لعودة حكم “الإسلام” التركى، أو تحقيق حلم الخلافة والخلاص من الأنظمة الحاكمة الحالية، كما تم استغلالها في أزمة سد النهضة من خلال منشورات ساخرة ضد تحركات الدولة وعدم جدواها وتعرض مصر للجفاف في وقت قصير، لتظل اللجان النسائية سلاحًا هو الأخطر بين يدي جماعة الدم الإخوانية.