بدأ شعاع من النور يحمل بصيصًا من الأمل يتسرب للمرأة السعودية بعد مجموعة من القرارات خلال السنوات الماضية، والتي تهدف لرفع القليل من القيود عنها، إلا أنه لا زالت توجد بعض القوانين التي تُكبّل أوضاعها.
وهناك عدد من الناشطات في سجون المملكة، خضن معارك وحملات ضمن الحراك النسوي في تسعينيات القرن الماضي، للتخفيف من وطأة تلك القيود.
سفر مشروط
أصبحت المرأة في السعودية مسموح لها التقدم بطلب الحصول على جوازات سفر دون موافقة ولي الأمر الذكر، ولا تحتاج إلى إذن لعبور الحدود السعودية على عكس ما كان يحدث في الماضي، وفقًا لتعديلات اللائحة هذا العام.
وألغيت المادة الثالثة من النظام والتي كانت تنص على “يجوز أن يشمل جواز السفر زوجة حامله السعودية وبناته غير المتزوجات وأبنائه القصر، وفقًا لما تحدده اللائحة التنفيذية”.
وتُمنح النساء 21 عامًا فما فوق، نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجال، وقديمًا كان لدى النساء فقط صفحة في جواز السفر تخص موافقة ولي الأمر، كما كانت اللائحة تنص على أن مكان إقامة الزوجة هو مكان إقامة زوجها، لكن تركيزها الآن ينصب على وجود القاصرين مع والدهم، أو ولي أمرهم.
وهذا يعني أن النساء دون سن الـ21، ما زلن خاضعات لنظام الوصيّ، وتشير العديد من التقارير إلى فرار نساء دون هذه السنّ من المملكة سنويًا، ما يعني أنه رغم التغيير، ما تزال السيدات بحاجة إلى إذن من الذكور لمغادرة البلاد.
وتأتي هذه التغييرات بعد تعرض نظام السفر في السعودية للانتقاد، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التقارير التي نشرتها INSIDER، والتي سلطت الضوء على كيفية تقييد النظام للنساء اللائي يحاولن الفرار من البلاد.
وكانت الناشطة السعودية مضاوي الرشيد من مركز الشرق الأوسط في لندن، قالت عبر حسابها في “تويتر”: “عظيم أن تتمكن النساء السعوديات من الحصول على جواز سفر من دون وصيّ، وهذا يمكن أن يكون بداية للهجرة الاقتصادية التي تخفف الضغط على محمد بن سلمان، ولي العهد، لخلق وظائف للنساء المتعلمات في اقتصاد متحرر مع فرص أقل في القطاع العام”.
وأضافت عبر صفحتها:” “ستبدأ الهجرة الطوعية، لكن لن تختفي الهجرة القسرية تمامًا بعد تعديل القانون والسماح بإخراج جواز سفر بدون ولي أمر، وسنلاحظ هجرة اقتصادية للنساء تخرجهن من إحصاءات البطالة”.
الإبلاغ عن المواليد
كان في السابق لا يحق للمرأة السعودية التبليغ عن حالات الوفاة أو المواليد وكذلك الطلاق، ولكن وفقًا لتعديلات الأحوال المدنية التي تمت في أغسطس من العام الماضي، ألغي نص “محل إقامة المرأة المتزوجة هو محل إقامة زوجها إذا كانت العشرة مستمرة بينهما”، من المادة 30 لتصبح “محل إقامة القاصر، هو محل إقامة والده أو الوصي عليه”.
وغيرت المادة 33 لتشمل السماح للمرأة بالتبليغ عن المواليد، مثلها مثل الرجل، وإضافة المرأة للتبليغ عن حالات الوفاة في تعديل للمادة 53، وحذفت نص “الأقرباء الذكور لتكون “الفقرة ب” من المادة “أصول أو فروع أو زوج المتوفي، أو أي من أقربائه البالغ من العمر 18 عامًا”.
وأضافت التعديلات الجديدة الزوجة ضمن من يبلغون عن حالة الزواج أو الطلاق أو المخالعة، في حين كان ذلك مقتصرًا على الزوج.
وأصبحت المادة 47 تنص على أن “على الزوج أو الزوجة التبليغ عن حالة الزواج أو الطلاق أو الرجعة أو التطليق أو المخالعة، ويجوز لوالد الزوج أو الزوجة أو أحد أقاربهما القيام بواجب التبليغ”.
وشملت التعديلات المادة 91 من النظام، إذ أصبح “يُعد رب الأسرة هو الأب أو الأم بالنسبة إلى الأولاد القصر”، وعدلت المادة 50 لتنص على أن “لأي من الزوجين حق طلب الحصول على سجل الأسرة من إدارة الأحوال المدنية، وتقع المسؤولية على الزوج إذا لم يتقدم بطلب استخراجه خلال 60 يومًا من تاريخ عقد الزواج”.
فيما علق الناشط السعودي فارس أبا الخيل، بالإشارة إلى المناضلات اللائي دفعن ثمنًا غاليًا، بسبب جهودهن، وقال في تغريدة عبر صفحته على “تويتر”: “هناك نساء تعرضن للقمع والإقصاء بسبب مطالبتهن المحقة بإلغاء قانون الولاية الجائر على النساء في السعودية، ودفعن ثمنًا مرتفعًا، الآن وبعد إقرار إلغائه الجزئي من قبل الدولة، تستحق هؤلاء النسوة الشكر وقبله الإقرار بدورهن الأساسي في المطالبة وتوعية المجتمع”.
حقوق متأخرة
كانت المملكة العربية السعودية، الدولة الوحيدة التي تمنع النساء من حق التصويت والترشح للانتخابات، أي انتخابات حتى عام 2015، إذ صدر أمر ملكي قضى بأن تكون المرأة عضواً في مجلس الشورى، وأن تشغل نسبة 20% من مقاعد العضوية كحد أدنى.
كذلك، أصبحت المرأة السعودية تشارك في البلدية وفي مجلس الشورى.
وفي فبراير عام 2019، عينت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز، أول سفيرة للمملكة في الولايات المتحدة الأمريكية.
قيادة السيارة
أصدر الملك سلمان قراراً انتصر فيه للمرأة في 24 يونيو 2018، بتطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة للذكور والإناث على حد سواء، والسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة.
ورغم أن اعتقال الناشطة السعودية لجين الهذلول جاء بسبب مطالبتها بتمكين النساء السعوديات بقيادة السيارة، إلا أنه لم يتم الإفراج عن لجين رغم القرار الملكي الذي أصبح نافذًا بالفعل في المملكة السعودية.
دراجات للترفيه
استنادًا إلى “نظرة 2030” التي أدرجت ضمنها مشكلة البدانة في البلاد وسبل علاجها، سمحت وزارة التربية السعودية للفتيات بممارسة الرياضة، غير الإجبارية، في المدارس الحكومية على أن يبدأ تطبيقها مطلع العام الدراسي الحالي، حيث تم إدراج الرياضة والألعاب الترفيهية في النشاطات الاجتماعية.
لكن الأمر أيضًا يعود إلى تحكم ولي الأمر بها، كما أن ممارسة الرياضة تكون في قاعات رياضية خاصة بالنساء، فيما تبقى الرياضة في الأماكن العامة حكراً على الرجال.
ورغم سماح المملكة للنساء بركوب الدراجات الهوائية والنارية منذ عام 2013، لكنها تبقى نشاطاً محصوراً بالترفيه والنزهة وليس للرياضة، مع إلزامية وجود محرم برفقتهن، وأن يرتدين اللباس الشرعي الكامل.
وفي إبريل 2013 نشرت صحيفة “تايم” الأمريكية مقالة بعنوان: “يمكن للنساء السعوديات الآن ركوب الدراجات النارية والدراجات الهوائية، إن قيادة الدراجات تتم في المناطق المقيدة والترفيهية وليس لأغراض التنقل، ولكن يجب أن يصحبهن قريب من الذكور، ويرتدين الزي الشرعي الكامل”.
وكانت النساء تمنع من الدخول إلى ملاعب كرة القدم بحجة أن هذا حرام لأن فيه اختلاط بين الجنسين.
وفي عام 2014 حددت السلطات، شروطًا لدخول النساء إلى الملاعب، وهي أن يكون حضورهن عائليًا وليس فرديًا، وأن تجهز لهن أماكن منفصلة مع عدم الاختلاط مع الرجال، وتخصيص مداخل ومخارج لهن ومواقف سيارات منفصلة.
ومع بداية العام الماضي أعلنت المملكة عن تنظيم دورة كرة قدم للسيدات للمرة الأولى في تاريخها، وفي فبراير الماضي، قالت لين معلوف، مديرة البحوث في برنامج الشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية، تعليقاً على هذا الامر: “إن إطلاق دوري كرة القدم للسيدات في المملكة العربية السعودية هو بلا شك خطوة سوف يرحب بها المواطنون السعوديون، ولكن كما هو الحال مع الإصلاحات الأخرى المتعلقة بالمرأة في المملكة، فهي أيضاً تذكير مؤلم بالوضع المروع للنساء والرجال أنفسهم الذين ناضلوا من أجل هذا التغيير”.
“ففي الأشهر الأخيرة، بذلت السعودية جهداً كبيراً في استخدام الرياضة كوسيلة لـ تطهير سمعتها وذلك في محاولة لاستخدام بريق الرياضة كأداة علاقات عامة لتحسين صورتها الدولية”.
“فلا يمكن الترحيب بهذه الحملة لتحسين الوضع العام للمرأة في السعودية إلا عندما تسير جنبًا إلى جنب مع إدماج الأفراد الشجعان الذين ناضلوا لعقود من أجل هذا إحداث التغيير. بدلاً من ذلك، لا يزالون رهن الحبس، ويخضعون للمحاكمات كشكل من أشكال القمع، بينما مازال المسؤولون عن تعذيبهم رهن الاحتجاز طلقاء دون عقاب.”
“وإذا كان ولي العهد محمد بن سلمان صادقاً بشأن حقوق المرأة، فسوف يفرج فوراً ودون قيد أو شرط عن جميع الذين ما زالوا محتجزين بسبب عملهم السلمي في مجال حقوق الإنسان”.
خطوة نحو إسقاط التغيب
في منتصف يوليو الماضي، قضت محكمة سعودية برد دعوى تغيّب تقدم بها ولي أمر ضد ابنته، التي قال إنها “تغيّبت عن البيت مرارًا، وسافرت إلى الرياض دون إذنه، مطالبًا بالحكم عليها “بعقوبة تعزيرية تزجرها وتردع غيرها”.
وقالت المحكمة إن ما فعلته المرأة “ليس فيه جرم يستوجب عقابا” وإنها استقلت بالسكن باعتبارها “امرأة عاقله بالغة لها حق تقرير المكان الذي ترغب الإقامة فيه” حسب نص القرار.
الأمر الذي وصفه المحامي “عبد الرحمن اللاحم”، الذي تولى القضية، بـ”الحكم التاريخي” وقال إنه:”ينهي قصصا مأساوية للنساء بسبب قضايا التغيب”.
ولا يعني القرار الصادر عن المحكمة إسقاط قانونية دعاوى التغيب، فقد رأى قانونيون سعوديون أن الحكم الصادر خاص بالقضية المذكورة فقط، فلازالت قضايا التغيب قانونية ودار الرعاية للفتيات الغائبات مفتوحة.
ويرى حقوقيون، أن الوضع الخاص ببلاغات التغيّب يتعارض بالأساس مع تعديلات نظام الأحوال المدنية المتعلقة بالمرأة، التي أقرها مجلس الوزراء السعودي في 30 يوليو عام 2019.
ويبرز التضارب خاصة في التعديل الذي يقر السماح للمرأة بالحصول على جواز سفر، والسفر إلى الخارج دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من “ولي الأمر”.
ويوجد في السعودية ما يعرف بـ”بلاغ التغيب”، الذي يقدمه أولياء أمور إلى السلطات الأمنية في حال تغيب ابنتهم عن البيت، وليس من الضروري أن يكون تغيب البنت اختفاء، وإنما يقبل بلاغ التغيب حتى لو كان مكانها معلومًا، مثلاً في حال انتقالها للعيش فيه مستقلة بقرارها، وقد يؤدي البلاغ إلى إعادة المرأة أو إلى اعتقالها وقد تودع في “دار رعاية”، وهي “مؤسسة إصلاحية” للنساء اللاتي يظهرن تمردًا.
يذكر أن إحصائية أعدتها وزارة العمل السعودية ونشرتها جريدة عكاظ المحلية، رصدت 1750 حالة هرب تشكل نسبة المعنفات فيها 35% خلال عام واحد فقط.