بيروتُ خيمتُنا الوحيدة .. بيروتُ نجمتُنا الوحيدة.. كانت هذه أحد أبيات قصيدة “بيروت”، التي كتبها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، محاولًا أن يعبر بها عن حجم المعاناة التي تعيشها مدينة الجمال بيروت، من خراب بالإضافة إلى رائحة الموت التي تحيط بساكنيها طوال الوقت.

لبنان سنوات من العذاب يداويها الفن

لم تكن حروب لبنان ومعانتها وليدة اليوم أو أمس، بل أنها صراع سنوات بدأ منذ عام 1975 بحرب أهلية داخل دولة الأرز والجمال والتي استمرت لمدة 15 عام، 1975 والتي راح ضحيتها 150 ألف شخص تقريبًا، وهَجّرتْ مليونًا، ودفعتْ إلى الهجرة خارج حدود البلاد ما يقرب من 500 ألف شخص، وعوّقتْ وأصابت حوالي 180 ألف شخص، وانتهت باحتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 1978، ثم جاء الغزو الاسرائيلي الأوسع عام 1982.

خلال كل هذه السنوات، تعلم الشعب اللبناني المقاوم والصامد في وجه الحروب الأهلية والغزو الخارجي، أن يحب الحياة من كثرة مشاهدته للموت، فرائحة الوفاة التي أحاطت بهذا الشعب في كل مكان، خلقت منه الروح المُحبة للحياة والمعبرة عنه بالفن، ففي وسط صراعات السبعينات من القرن الماضي، كانت لدينا جارة القمر، فيروز، والتي لم تتوقف يوم عن الغناء حتى في أوج أزمات لبنان، بداية من الحرب الأهلية والتي تبعتها بأغنية “بحبك يا لبنان”، في أول حفل لها على مسرح دمشق عام 1976، وتبعتها بأسطوانتين آخرتين بأغانيها الرومانسية التي عاش على أحلامها الشعب اللبناني والعربي ككل، وكأنها تنادي في الشعب أننا لن نموت رغم ما يحاط بنا.

ومع دخول حرب الثمانينيات، بدأت ماجدة الرومي وجوليا بطرس أن يكونا أيضًا صوت لبنان الصارخ، في وجه الحروب سواء بأغنياتهم الوطنية أو الرومانسية.

ومع مرور السنوات لم يكن هؤلاء المطربات وحدهن أبدًا في ساحة الغناء والفن وحب الحياة ضد القصف والحروب التي تتلألأ فوق مسامع اللبنانيين يوميًا، بل أن المطرب اللبناني راغب علامة قال في أحد اللقاءات التلفزيونية، من اعتياد اللبنانيين على التعايش في وسط القصف، كانت الطائرات تضرب البلاد من السماء، ونحن نحيى الحفلات على الأرض، فنحن شعب يحب الحياة.

التغلب على الوضع في لبنان بالغناء

وفي ذلك قال الناقد الموسيقى محمد شميس، أنه رغم كل ما عانته لبنان على مدار سنوات تاريخها والتي استمر أكثر من 40 عام، إلا أنه ظل فنها صامد في مواجهة كل ما جرى لها ن اعتداءات خارجية وحروب أهلية.

وأضاف “شميس” أن الشعب اللبناني الذي اعتادت عليه دول العالم، كمحب للحياة، عاند ما واجهه من حروب عن طريق الفن والغناء اللذين لم يقفا يومًا رغم القصف اليومي الذي كانوا يعيشون فيه، بل وظهر لدينا أجيال من الفنانين المشهورين حاليًا والذي كانت أوج شهرتهم في أيام الحروب.

وأوضح، أن ما عاناه الشعب اللبناني أخرج لدينا فنانين يحملون جميعهم رأي فني، يستطيعون التعبير عنه في اي وقت وضد أي حكومة دون خوف أو خجل، ودائمًا ما ينحازون للشعب، وألغى طبقة الفنانين الموالين للحكام.

السينما في لبنان

رغم أن لبنان اشتهرت بخروج الكثير الفنانين المشاهير من أرضها، والذين استطاعوا أن يحققوا نجاحات كبيرة على أرض وطنهم  وخارجه إلا أن السينما في لبنان لم تعبر عن حال شعبها وما يعانيه من مأساة إلا بحلول عام 1982،وكانت البداية مع فيلم “الانفجار”، الذي قامت ببطولته مادلين طبر، وفيلم “حروب صغيرة”، وفيلم “لبنان رغم كل شيء” و تبعه بعام فيلم “وطن فوق الجراح”، ولم تقدم السينما اللبنانية منذ ذلك الحين وحتى عام 2007، والذي عادت به المخرجة نادين لبكي، معلنة عن ميلاد سينما لبنانية جديدة من خلال فيلم “سكر بنات” الذي ناقش قضايا اجتماعية في لبنان، وقد انتهى تصويره قبل 9 أيام فقط من الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006.

وتبعه عدد من الأفلام التي أثارت ضجة كبيرة في المهرجانات الكبرى، والتي كان منها “ورقة بيضا”، الذي تم عرضه عام 2016 للمرة الأولى في مهرجان دبي والذي اثار جدل الجمهور بسبب الجرأة في الموضوعات التي تناولها.

كما أن فيلم “كفر ناحوم” من الأفلام الذي حصل جائزة لجنة التحكيم في مهرجان “كانّ” الفرنسي، عام 2019، ويحكي الفيلم عن الواقع اللبناني والذي وصفت به المخرجة نادين لبكي أهوال الأطفال والأولاد المشرّدين والمهمشين والمقيمين في عذابات الحياة وتفاصيلها القاسية في لبنان.

وفي هذا الشأن قال الناقد الفني مجدي الطيب أن لبنان كان بها إنتاج سينمائي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ولكنه كان عدد محدود جدًا من الأعمال الفنية التي يتم طرحها خلال العام، والتي لم تعد في ذاكرة السينما اللبنانية وظل هذا الوضع كثير من السنوات، اللهم الفيلم الوحيد الذي يعتبر بصمة هو “بياع الخواتم” للمطربة فيروز.

وأضاف “الطيب” أن الوضع اختلف مع القصف الإسرائيلي على لبنان في بداية الثمانينات، لتحرك الصراعات والحروب الروح الفنية لدى الصناع لنجد أفلام تتحدث عن الحروب والقهر الذي عاش به الشعب اللبناني.

وأشار إلى أن الطفرة التي حدثت في الموضوعات المقدمة لدى السينما اللبنانية أصبحت أكثر جرأة وتأثير في المهرجانات الدولية وأصبحت ذات صدى واسع بما تقدمه وكان آخرها فيلم “كفر ناحوم” لنادين لبكي وفيلم “القضية رقم 23” لزياد دويري، لكن ما زال ينقص لبنان أن تطرح أفلام أكثر من ذلك، ولكن الازمات المتكررة التي تعانيها لبنان تقف حاجزًا بشكل دائم أمام الاستمرار في الإبداع السينمائي الذي يحتاج في المقدمة الكثير من الأموال.

وأنهى حديثه أنه رغم قلة ما يقدم سينمائيًا من أعمال لبنانية إلا أنها استطاعت أن تترك بصمة بمجرد طرحها عدد أفلام لا يتعدى أصابع الأيدي، بالرغم كل الظروف المحيطة بالشعب اللبناني، وهذه يدل على أننا أمام صناع فن حقيقيين إذا توافرت لهم الإمكانيات والظروف المتاحة سيكون في مصاف صانعي الفن في الوطن العربي.

قصيدة بيروت للشاعر الفلسطيني محمود درويش

بيروتُ خيمتُنا الوحيدة

بيروتُ نجمتُنا الوحيدة..

هل تمدَّدنا على صفصافها لنقيس أجساداً محاها البحر عن أجسادنا جئنا إلى بيروت من أسمائنا الأولى

نفتِّشُ عن نهايات الجنوب وعن وعاء القلبِ

بيروتُ شاهدةٌ على قلبي

وأرحلُ عن شوارعها وعنِّي

عالقاً بقصيدةٍ لا تنتهي

وأقولُ: ناري لا تموتُ…

على البنايات الحمامُ

على بقاياها السلام…

أطوى المدينةَ مثلما أطوى الكتابْ

وأحملُ الأرضَ الصغيرةَ مثل كيسٍ من سحابْ

أصحو وأبحثُ في ملابس جثتي عنّي

فنضحك: نحن ما زلنا على قيد الحياةِ