جاء انفجار مرفأ بيروت ليزيد من معاناة القطاع الطبي في لبنان، المثقل في الأساس بمواجهة فيروس كورونا المستجد، لتكشف الإحصاءات القادمة من العاصمة المنكوبة، عن حجم المأساة التي يعيشها هذا القطاع الحيوي، في وقت بالغ الحساسية.

نقيب أطباء لبنان، شرف أبو شرف، ذكر حجم ما تحمله القطاع الطبي جراء الانفجار، مشيرًا إلى سقوط 5000 مصاب في الحادث، فضلًا عن 154 شهيدًا، و50 حالة لا زالت مفقودة، بالإضافة إلى 150 إصابة خطيرة بالمستشفيات تحتاج إلى العلاج وإجراء عمليات جراحية.

يأتي هذا تزامنًا مع تعامل القطاع مع جائحة “كورونا”، حيث ارتفع عدد الإصابات بالفيروس إلى 6812 إصابة بعد تسجيل 295 إصابة جديدة خلال الساعات الـ 24 الماضية، فيما ارتفع عدد الوفيات إلى 80 حالة بحسب وزارة الصحة في البلاد.

خروج 5 مستشفيات عن الخدمة

“أبو شرف” ذكر أن هناك 5 مستشفيات في بيروت تضررت بشكل بالغ جراء الانفجار وهي “المستشفى الجامعي بالمان، والكرنتينا الحكومي، ومستشفى رزق، ومستشفى الراهبات الوردية، والمستشفى اللبناني الأمريكي”، كما تضرر جزء صغير من مخازن الأدوية بالوزارة بإبر الأمراض السرطانية الخاص بالأطفال”.

وأضاف أن كل الخدمات انقطعت بتلك المستشفيات، مثل المياه والكهرباء ومعدات التنظيم، مناشدًا الدول العربية والمجتمع الدولي بمساعدة بلاده في إعادة الإعمار، قائلًا: “لم يعرض علينا أحد المساعدة حتى الآن سوى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن ترميم المستشفيات، كما أن الإعانات التي وصلت لبنان قدرت بـ300 مليون دولار ولن يغطي هذا المبلغ إعمار المناطق المنكوبة بالكامل ولكن نستطيع أن نقول أن تلك البداية”.

جنود النكبة

وتابع “شرف” “أنه بالطبع كانت أطقم التمريض الاستشفائي، والأطباء هم جنود ذلك اليوم المنكوب، حيث ظلوا يمارسون عملهم بالميدان طيلة الليل وعالجوا 3000 آلاف مصاب في ضواحي بيروت، وعادت الأكثرية لمنازلها في نفس اليوم، ومنهم من استكمل الفحوصات المخبرية في صباح اليوم التالي”.

وأكد أن كل المستشفيات تحتاج إلى معدات طبية بدلا عن التي استنفذت ليل الحادث، مشيرًا إلى أن الطوارئ تحتاج إلى كل المستلزمات الطبية الخاصة بتضميد الجروح والتعقيم والتنظيف والعمليات الجراحية وعدد من اللقاحات.

استيعاب “كورونا”

وبالحديث عن أزمات القطاع الطبي، كان لـ”كورونا” النصيب الأكبر، حيث أكد “أبو شرف” أن أزمة كورونا تم استيعابها بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اللبنانية والقطاعات الصحية والاستشفائية، موضحًا أن أعداد الإصابات كانت قليلة جدًا رغم ذروة الوباء.

وأشار إلى أن الإعلام ساهم في هذا برفع التوعية والوقاية، ما تسبب في التزام جزء كبير من المواطنين.

وأبدى “شرف” انبهاره بوعي عدد من اللبنانيين، الذي فضلوا سلامتهم وارتدوا الكمامات في المواقع والمستشفيات المتضررة أثناء كارثة المرفأ، قائلًا: “إلا أن الكمامات كانت ظاهرة بشدة وسط الميادين، وكان لها هدفان خوفًا من كورونا وأيضًا خوفا من الانبعاثات المسممة من الانفجار”.

وأوضح أنه حتى الآن لم يشكو أحد من تأثير الانبعاثات، خاصة أن موقع الانفجار على البحر ساهم كثيرًا في خروجها تجاهه وليس صوب المدينة، مشيرًا إلى أن الدراسات التي قاموا بها على مدار الأيام الماضية عقب الحادث أظهرت أن الهواء نظيف، قائلا: “أعتقد أنها موجة وانتهت”.

هجرة الأطباء

مؤخرًا في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها لبنان، شهد القطاع الصحي تخفيضًا في رواتب العاملين، وتسريح عدد من الممرضات، بسبب عدم كفاية الموارد لدفع الرواتب، ما شكل تهديدًا واضحًا للمستشفيات الخاصة التي تقدم 85% من الخدمات الصحية في البلاد، وجرى الحديث عن إغلاق أبوابها.

وبحسب نقابة الأطباء، فإن نحو ثلث الأطباء، البالغ عددهم 15 ألفا، قد يهاجرون مع نهاية العام، بسبب سوء الظروف المعيشية.

وأوضح نقيب أطباء لبنان، أن الأطباء منقسمون إلى فريقين، “الأول أنه مهما حدث سيظل بالبلد وبالتضامن وتعاون الجميع سنستطيع الوقوف على قدمينا، والفريق الثاني يفكر بالهجرة لأن لديه التزامات عائلية ولا يستطيع في ظل الظروف الاقتصادية ثم كورونا ثم حادث المرفأ أن يستكمل عمله خاصة أن جزءً كبيرًا منهم ترك فرص عمل بالخارج وجاء من أجل وطنه.

خلية أزمة

وكانت عدة دول قد أعلنت تقديم مساعدات إغاثية وإرسال أطقم طبية دعما للبنان في مواجهة تداعيات الانفجار الذي أحدث دمارًا واسعًا بالعاصمة بيروت.

وأعلنت مصر تدشين جسر جوي لنقل المساعدات إلى لبنان كل 48 ساعة حتى الأربعاء المقبل.

وقال “شرف” إن نقابة أطباء لبنان شكلت خلية أزمة بالتعاون مع الجمعيات المعنية بالمستشفيات والقطاع الطبي بالدرجة الأولى.

وتابع “نطالب الدول التي تتمنى مساعدتنا أن تتواصل مع نقابة أطباء لبنان ونقابة المستشفيات حتى ننهض بالقطاع الطبي سريعًا ونعود لدورنا مع وباء كورونا الذي لم ينتهي”.

وأشار إلى “أنه غير متخوف من عدم وصول المساعدات لغير مستحقيها، أو أن يشوبها تهمة فساد لسببين، أولهما أنها تأتي عن طريق الجيش اللبناني الذي نقدره، والثاني أن الجهات الطبية هي التي تقوم بجمعها وهي مصدر موثوق”.

دور نقابي مصري

وكان للدور النقابي المصري ظهور ملحوظ، حيث تواصل نقيب الأطباء المصريين حسين خيري، مع جميع الجهات المختصة لبحث أوجه الدعم الممكن.

وأوضح الدكتور أحمد فتحي، رئيس لجنة “مصر العطاء” بنقابة الأطباء المصرية، أنه حدث وتواصلوا مع نقابة أطباء لبنان لإرسال المساعدات الطبية التي تحتاجها أو حتى أطباء مصريين، إلا أنها وافقت على الاقتراح الأول بشأن المساعدات.

وأضاف “فتحي” أن لجنة مصر العطاء تتواصل مع عدد من منظمات المجتمع المدني لإرسال شحنة مساعدات طبية للبنان، حيث تم تغطية أدوية الطوارئ وبقي النقص في أدوية الأمراض المزمنة والسرطانية.

وأشار إلى أن تجهيز المستشفيات الخمس التي تضررت جراء انفجار المرفأ، سيكون من ضمن اهتمامات اللجنة لتدشين مبادرة مع المجتمع المدني بشأن ترميمها.