لازالت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، تثير الجدل في الدول العربية منذ اعتمادها في العام 1979، إذ تُعد الورقة الحقوقية العالمية الأكثر شمولاً لمفاهيم حقوق المرأة الحديثة، ووقعت الدول العربية على الاتفاقية، باستثناء السودان والصومال، فيما وقعت باقي الدول العربية على الاتفاقية لكنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد.

وأبدت الدول العربية المنضمة للاتفاقية، بعض التحفظات على الاتفاقية، والتي استندت إلى ذريعتين الأولى “تعارض المواد المتحفظ عليها مع أحكام الشريعة الإسلامية”، والثانية “مُخالفة هذه المواد لأحكام القوانين الوطنية”.

“سيداو”، هي اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة

عن اتفاقية سيداو

“سيداو”، هي اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، على أنها مشروع قانون دولي لحقوق المرأة، وتتألف من مقدمة و30 مادة وضعت لتحديد ما يشكل تمييزًا ضد المرأة.

وبعد اعتماد الجمعية العامة للاتفاقية، تم التوقيع عليها في احتفال عقد في يوليو 1980 في كوبنهاغن من جانب 64 بلدًا، ودخلت حيز التنفيذ بعد عام واحد في 3 سبتمبر 1981، بعد أن صدقت عليها 20 دولة، وكانت الولايات المتحدة من الدول الموقعة على الاتفاقية، إلا أنها ظلت حتى القرن الحادي والعشرين دون المصادقة عليها، حيث يُعتبر توقيع الدول موافقة ضمنية على بنود الاتفاقية أما المصادقة فتعني إقرارها بهذه البنود والالتزام بالعمل بها، وبلغ عدد الدول الموقعة على اتفاقية “سيداو” 190 دولة، منهم ما يقرب من 20 دولة عربية.

تنص الاتفاقية، على المساواة بين الرجل والمرأة، وحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، أو أي ميدان آخر.

كما تحث الدول الأعضاء، على اتخاذ بعض الإجراءات، وتشمل أحكامها ما يأتي: “تتخذ جميع الدول الأطراف أو الأطراف الموقعة على الاتفاقية جميع التدابير المُناسبة لتعديل أو إلغاء القوانين والممارسات القائمة على التمييز ضد المرأة، إلى جانب منع الدول الأطراف من التجارة بالمرأة واستغلالها”.

كما تنص، على تمكين المرأة من التصويت في الانتخابات على قدر المساواة مع الرجل، والمساواة في الحصول على التعليم، بما في ذلك المناطق الريفية، والمساواة في الحصول على الرعاية الصحية، والمعاملات المالية، والحقوق الملكية.

لا تمنح المرأة العربية أولادها جنسيتها العربية التي تحملها إذا تزوجت من رجل أجنبي

تحفظات مشتركة

اتفاقية سيداو لمناهضة التمييز ضد المرأةلا تمنح المرأة العربية أولادها جنسيتها العربية التي تحملها إذا تزوجت من رجل أجنبي، وفي المُقابل يمنح الرجل العربي الجنسية لأبنائه في حال زواجه من أجنبية، حفاظاً على هذا التمييز بين الرجل العربي والمرأة العربية في حق الجنسية اعترضت السعودية، والعراق، ومصر، ولبنان، وسورية على المادة التاسعة من اتفاقية حقوق المرأة، التي تنص على المساواة بين الرجل والمرأة في منح الجنسية للأولاد.

كما تعترض غالبية الدول العربية على المادة 16 في الاتفاقية، المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة في معاملات الزواج، إذ تُميز قوانين الأحوال الشخصية العربية الذكر عن الأنثى في قدرته على الزواج بأكثر من امرأة “4 نساء”، بالإضافة إلى ممارسة العقود الإدارية الخاصة بالزواج والطلاق، فلازالت تحظى بالتميز بين الرجل والمرأة في الدول العربية. فبينما يستطيع الرجل العربي القيام بالعقود وحده، تحتاج المرأة العربية إلى وصيّ أو وكيل لإبرام عقود الزواج.

في الوقت الذي تُقنن فيه الاتفاقية، حُرية المرأة للتعامل مع جسدها، يُعد الإجهاض جريمة في قوانين الدول العربية التي تنص تشريعاتها على موانع لرغبة المرأة الحامل في التخلص من الجنين، فيمه تتجه بعض الدول العربية في توقيع عقوبات على المرأة التي تجهض تصل للسجن ما يعتبر انتهاكاً لحرية التعامل مع جسدها.

من أخطر مظاهر التمييز في المجتمعات العربية، “جرائم الشرف”، في القوانين الجزائية، إذ تسمح قوانين مثل القانون السوري واللبناني والأردني والعراقي، بتخفيف العقوبة عن الرجل الذي يرتكب جرم القتل أو ما دونه في حق امرأة من أفراد أسرته، بذريعة الحفاظ على سمعة العائلة ومكانتها الموروثة، ويخفف القانون العقوبة على الرجل بذريعة أنه وجد قريبته في وضعية جعلته يدخل في “ثورة من الغضب”.

وتُطبق أغلب الدول العربية، التشريع الذي ينص على أن للذكر مثل حظ الأنثيين في مجال الميراث، بينما يُطبق في بلدان مثل لبنان وسوريا، مبدأ أن “لكل طائفة دينية مرجعيتها الخاصة في مجال الأحوال الشخصية، وفي الميراث يُطبق على كل امرأة قانون الطائفة التي تتبع لها”، وفي الحالتين تُعد هذه الأحكام تمييزية في حق المرأة، فيما أقرت تونس في السنوات الأخيرة مبدأ المساواة في توزيع الميرات الأمر الذي تسبب في حالة جدل في أغلب الدول العربية.

حذرت العشائر السُلطة الفلسطينية بضرورة الانساحب من الاتفاقية وإلغاؤها والدعوة إلى إغلاق جميع المؤسسات النسوية

“سيداو” وجدل في فلسطين

في نوفمبر من العام الماضي، بدأ الجدل في المجتمع الفلسطيني فيما يتعلق بـاتفاقية “سيداو”، وازدادت حدة الجدل عقب إعلان عشائر الخليل، ورفضها الكامل لتطبيق الاتفاقية وكل ما يترتب عليها بحسب ما نشره بيان أصدره ديوان “آل تميمي”.

وحذرت العشائر، السُلطة الفلسطينية بضرورة الانسحاب من الاتفاقية وإلغاؤها، والدعوة إلى إغلاق جميع المؤسسات النسوية، وفي نفس الشهر كان محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، قد أقر قانونًا يحدد سن الزواج للجنسين بـ 18 عامًا مع استثناءات لحالات فردية ومحددة من قبل المحكمة، واستفز هذا القانون الذي أصبح معمولًا به مجموعة من الفلسطينيين الذين يعتبرون أن الاتفاقية لا تتوافق مع الأعراف الإسلامية السائدة.

وتُطالب المؤسسات الحقوقية والمدنية، السلطة الفلسطينية منذ سنوات بسن قوانين وتشريعات أكثر صرامة تعمل على حماية المرأة من العنف والتمييز التي تخضع له بسبب عجز قانون العقوبات السائد في الضفة الغربية وقطاع غزة.

إحدى أبرز المشاكل التي تواجهها المرأة في قطاع العدالة الفلسطينية، ما يعرف بـ “جرائم الشرف” إذ قتلت أكثر من 28 امرأة فلسطينية خلال عام 2019 و35 امرأة عام 2018 وفقاً لحراك “طالعات” الذي أسس للدفاع عن النساء المعنفات.

العديد من المؤسسات الدينية غير البعيدة عن الحكومة السودانية ما تزال ترفض رفضًا باتًا أي حديث عن تبني “سيداو”

السودان أكثر تطرفًا

اتفاقية سيداو لمناهضة التمييز ضد المرأة

يُعد السودان، علي المستويين الرسمي والتشريعي من أكثر الدول الإسلامية تطرفًا تجاه التوقيع على اتفاقية “سيداو”، إذ يُشاركه في الرفض من الدول العربية الصومال فقط، ومن غير العربية ترفضها دولة إيران أيضاً، فيما يرى البعض أن الدولة على المستوى الرسمي بدأت في التزحزح عن موقفها القديم تجاه الاتفاقية، وبدأت تتحدث عن تحفظات وليس رفض، إلا أن العديد من المؤسسات الدينية غير البعيدة عن الحكومة ما تزال ترفض رفضًا باتًا أي حديث عن تبني “سيداو” أو المصادقة عليها.

وفي أكتوبر من العام الماضي، أثارت دعوة رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، وزارة العدل، بالتصديق على اتفاقية “سيداو” حالة من الجدل في الشارع السوداني، حيث تم تشكيل مبادرة نسوية تحت اسم “سودانيات ضد سيداو”، وسلمت احتجاجا إلى وزارة العدل، بشأن نيتها التوقيع على الاتفاقية.

تعتبر الدول الرافضة للاتفاقية، أن “سيداو” تُخل بأحد مبادئ قيامها

تبريرات

التحفظات على الاتفاقية، جاءت على العديد من مواد الاتفاقية، إلا أن بعض تلك التحفظات كان اعتراضًا على “سيداو” بشكل عام، ورفض قاطع لأهداف الاتفاقية.

تعتبر الدول الرافضة للاتفاقية، أن “سيداو” تُخل بأحد مبادئ قيامها، فعلى سبيل المثال موريتانيا أعربت عن تحفظ واضح تجاه كل الاتفاقية موضحة موفقها كالتالي “أنها توافق على كل مبادئ الاتفاقية التي لا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية”، ولذلك العديد من هذه التحفظات وخصوصًا الصادرة من قبل الدول الإسلامية لاتزال محل الكثير من الجدل.

المادة 28 من الاتفاقية توضح التالي أن “أي تحفظ على الاتفاقية لا يتوافق مع موضوع الاتفاقية في شكلها الحالي أو الغرض منها لن يُسمح به”، ونتيجة لذلك فإن العديد من الدول سجلت اعتراضها على مثل هذه التحفظات، وكمثال واضح ومحدد لمثل هذه الحالة نجد أن دول شمال أوروبا، أبدت قلقها من أن بعض هذه التحفظات يؤدي إلى إضعاف سلامة النص، وتم التنازل وسحب العديد من هذه التحفظات مع مرور الوقت.

“لتبرير حرمان النساء من بعض الحقوق، واستمرار التميز ضدهن في الدول العربية وإقرار القانون”، هكذا يتحدث البعض عن أن المجتمعات العربية تختلف عن الغربية، وأنه لا يمكن الخروج عن خصوصية المجتمع والشريعة، وفي مقال بعنوان “إشكاليات تنموية للمرأة العربية”، قال أستاذ علم الاجتماع والفكر التنموي في جامعة فيلادلفيا سالم ساري، إن الخصوصية، أكانت ثقافية أو دينية أو مذهبية أو عرقية أو إثنية “ليست تفسيرًا لأي شيء، وإنما هي تبريرًا لكل شيء”.

ورأى ساري، أن المجتمع لا يُصر كثيرًا على الخصوصيات الثقافية إلاّ حينما لا يجد ما يُغلف به عجزه عن السيطرة على مجريات الواقع، أو حينما يلجأ إلى تبرير انسحابه من مواقف التفاعل والاندماج، أو حسابات المواجهة والإنجاز.