“يروج لمعلومات مضللة” جملة تُعتبر محور صراع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يتابعه نحو 80 مليون مستخدم مع موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في الآونة الأخيرة وتمحور هذا الصراع حول تغريدتين للرئيس الأمريكي زعمت الأولى منهما تدخل “تويتر” في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والثانية أكدت تزوير الانتخابات على نطاقٍ واسعٍ حال الاعتماد على التصويت بالبريد وهو ما جعل “تويتر” يُضيف إخطار على شكل علامة تعجب زرقاء تحت التغريدتين مما ينعى الترويج لمعلومات مضللة.
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية نشر دراسة لتفاصيل صراع “دونالد ترامب” تحت عنوان ” هل يقود “ترامب” معركة خاسرة ضد وسائل التواصل الاجتماعي؟”.
سياق الصراع وخلفيته
دعا موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” إلى تقصي الحقائق حول الاقتراع بالبريد”، ليتم توجيه المستخدمين إلى صفحةٍ تحتوي على مقالات ومعلومات تحت اسم “ما تحتاج إلى معرفته”، وهي الصفحة التي تضم ملخصًا للحقائق والمقالات المنشورة في الصحافة الأمريكية حول هذا الأمر، ومنها -على سبيل المثال- أن ولاية كاليفورنيا ترسل بطاقات الاقتراع للناخبين المسجلين فحسب لا جميع سكان الولاية. كما صحّح “تويتر” ادعاءات ترامب عبر عبارة: “ترامب يُدلي بادعاء لا أساس له بأن الاقتراع بالبريد سيؤدي إلى التلاعب بأصوات الناخبين”.
وفي 28 مايو الماضي، وعقب اتهامه بنشر معلومات مضللة ومغلوطة من ناحية، وفي إطار حربه المستمرة على منصات التواصل الاجتماعي من ناحية ثانية، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًّا يستهدف كبرى شركات وسائل التواصل الاجتماعي (مثل: تويتر، ويوتيوب، وفيس بوك، وإنستجرام)، ليجردها من الحماية والحصانة القانونية التي تتمتع بها على صعيد المحتوى المتداول على منصاتها، ويُمكّن السلطات الفيدرالية من فرض مزيد من القيود الحكومية عليها.
بموجب القسم 230 من قانون آداب الاتصالات، تتمتع الشركات التكنولوجية حاليًّا بحصانة واسعة من الدعاوى المدنية على نحو يحول دون مقاضاتها، ولا يحملها مسئولية المشاركات والصور ومقاطع الفيديو التي يشاركها المستخدمون على صفحاتهم. وفي المقابل، يسعى الأمر التنفيذي إلى تغيير ذلك القانون الاتحادي لتحقيق الشفافية والمساءلة، لكنه يلاقي معارضةً واسعةً من قبل “وادي السليكون”، باعتبار ذلك تهديدًا لحرية التعبير.
وقد جاء ذلك على خلفية تهديد ترامب بتنظيم أو إغلاق شركات وسائل التواصل الاجتماعي بعد تهديد “تويتر” له بتقييد حسابه إذا تكررت المخالفات، كما اتهم ترامب منصات التواصل الاجتماعي بالتحيز عبر تغريدتين، قائلًا: “يشعر الجمهوريون أن منصات التواصل الاجتماعي تعمل على إسكات أصوات المحافظين تمامًا”. وأضاف: “سننظمها بقوة أو سنغلقها قبل أن نسمح لها بذلك.. نظفوا أفعالكم الآن”. وقال “ترامب في تغريده سابقة له إن “تويتر” يتدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وأضاف: “إنه يخنق حرية التعبير بالكامل، وبصفتي رئيسًا لن أسمح له بأن يفعل ذلك”.
أبرز نقاط الأمر التنفيذي لـ “ترامب“
لا يمكن السماح لعدد محدود من المنصات الإلكترونية باختيار الخطاب الذي يُمكن للأمريكيين الوصول إليه ومشاركته عبر الإنترنت. فهذه الممارسة معاديةٌ للديمقراطية وغير أمريكية؛ إذ تملك شركات وسائل التواصل الاجتماعي الكبيرة والقوية قوةً كبيرةً تُمكّنها من فرض الرقابة على الآراء التي تختلف معها.
تملك وسائل التواصل الاجتماعي قوة هائلة غير مسبوقةٍ لتفسير الأحداث العامة، وفرض الرقابة على المعلومات وحذفها، والتحكم فيما يراه الناس أو لا يرونه؛ إذ تمارس تلك المنصات رقابةً انتقائيةً تَضُر بالخطاب الوطني الأمريكي.
تضع تلك المنصات علامةً على المحتوى باعتباره غير لائقٍ دون أن تنتهك أي شروطٍ معلنةٍ للخدمة، بما يخولها حذف المحتوى الذي تختاره، بل وحسابات كاملة دون سابق إنذارٍ أو سبب منطقي. إذ يُقرر تويتر بشكلٍ انتقائيٍ وضع علامة تحذيرية على تغريدات معينة على نحو يعكس بوضوحٍ التحيز السياسي.
تستدعي تلك المنصات تبريرات غير متسقة وغير منطقية لتقييد خطاب الأمريكيين في الوقت الذي تُروّج فيه لأكاذيب الحكومات الأجنبية مثل الصين. على سبيل المثال، سمحت بعض الشركات بإخفاء البيانات غير المواتية للحزب الشيوعي الصيني، وسمحت لمسئولي الحكومة الصينية باستخدام منصاتهم لنشر المعلومات الخاطئة فيما يتعلق بأصل جائحة (كوفيد-19)، وتقويض الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في هونج كونج.
يجب تعزيز وحماية وجهات النظر المتنوعة في بيئة الاتصالات الرقمية، حيث يملك كلُ أمريكي صوتًا. ويجب السعي للشفافية والمساءلة وتشجيع المعايير والأدوات لحماية نزاهة وانفتاح الخطاب الأمريكي وحرية التعبير والحفاظ عليها.
وفي غضون 60 يومًا من تاريخ الأمر التنفيذي، سيتوجب على وزير التجارة التشاور مع المدعي العام والعمل من خلال الإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات (NTIA) على تقديم عريضة لوضع اللوائح التوضيحية لقواعد الحكومة الاتحادية بالتنسيق مع لجنة الاتصالات (FCC). وفي غضون 30 يومًا من تاريخ الأمر التنفيذي، سيرفع رئيس كل وكالة نتائجه إلى مدير مكتب الإدارة والميزانية. وتُقيّم وزارة العدل موقف منصات التواصل الاجتماعي من الخطاب الحكومي، مع مراجعة الأفعال أو الممارسات غير العادلة أو الخادعة. كما يضع النائب العام اقتراحًا للتشريع الاتحادي لتعزيز الأهداف المرغوبة.
أبرز الدلالات
يُشير أمر “ترامب” التنفيذي إلى إيمانه العميق بتآمر وسائل التواصل الاجتماعي ضده. كما يؤكد أن صوته هو الصوت الوحيد الذي يمكن لمؤيديه الوثوق به. ولذا دفع كثيرون بتسييسه لأنه يُغيّر القانون الفيدرالي الحالي، ويشتت الانتباه بعيدًا عن سوء إدارة “ترامب” لأزمة كورونا. إذ يطال الأمر التنفيذي بعض المدونات وعمالقة وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا الحصانة التي تملكها فيما يتعلق بإزالة أو تقييد المنشورات التي تُعد “فاحشة أو بذيئة أو فاسدة أو قذرة أو شديدة العنف أو غير مقبولة”.
فإذا قيدت تلك المنصات الوصول إلى محتوى الآخرين بسوء نية أو تجاوزت في إزالة المحتوى المفصل في القانون، فيجب اعتبارها ناشرًا لا منصة محايدة، وبالتالي تفقد حصانتها القانونية. وهو ما قد يثبط تلك المنصات عن القيام بدورها النشط في تنظيم المحتوى الضار. ومن ثمّ يختبر الأمر التنفيذي حدود سلطة البيت الأبيض في الحد من قوة تلك المنصات من خلال إعادة تفسير قانون عام 1996 الذي يحميها -بجانب المواقع الإلكترونية- من الدعاوى القضائية، في أحدث جولة من معارك ترامب المحتدمة مع تلك المنصات بالتزامن مع سعي الأخيرة لمجابهة ظاهرة المعلومات المضللة.
مواقف الشركات العملاقة
في تغريده لها قالت شركة “تويتر” إن “الأمر التنفيذي هو نهجٌ رجعيٌ ومُسيّسٌ لقانونٍ تاريخي”، وأضافت: “يحمي القسم 230 الابتكار الأمريكي وحرية التعبير، وتدعمه القيم الديمقراطية. وتُهدد محاولات تقويض الحصانة القانونية مستقبل الإنترنت وحرية التعبير”، وقال الرئيس التنفيذي للشركة جاك دورسي، إن لنظام الأساسي سيواصل تحذير المستخدمين من التشوهات الموجودة عليه”. كما كتب “دورسي” على “تويتر” إن “هذا لا يجعلنا حكامًا على الحقيقة، نيتنا هي ربط التصريحات المتضاربة وإظهار المعلومات المتنازع عليها حتى يتمكن الناس من الحكم بأنفسهم. مزيد من الشفافية أمرٌ بالغ الأهمية حتى يتمكن الأشخاص بوضوحٍ من معرفة السبب وراء أفعالنا”.
وقالت ليز بورجوا، المتحدثة باسم “فيس بوك” في بيانٍ لها، إن الشركة تؤمن بحماية حرية التعبير إلى جانب حماية المستخدمين من المحتوى الضار هذه القواعد تنطبق على الجميع. سيسفر إلغاء أو تقييد القسم 230 عن آثارٍ عكسيةٍ سوف يُقيد مزيدًا من الكلام على الإنترنت”، وأضاف آندي ستون، إن “إنهاء درع المسئولية لشركات وسائل التواصل الاجتماعي سيجعلها مسئولة عما يقوله مليارات المستخدمين حول العالم”. وقال: “من شأن ذلك أن يُعاقب الشركات التي تسمح بالخطابات المثيرة للجدل، ويشجعها على فرض رقابةٍ على أي شيٍء قد يُسيء إلى أي شخص”.
وقالت ريفا شيوتو، المتحدثة باسم جوجل في بيانٍ لها، إن “تقويض القسم 230 يمكن أن يُضر بالاقتصاد ودور الولايات المتحدة في حرية الإنترنت، لدينا سياساتٌ واضحةٌ للمحتوى نُطبقها بغض النظر عن وجهة النظر السياسية، لقد عَملت منصاتنا على تمكين مجموعةٍ واسعةٍ من الأشخاص والمنظمات على اختلاف أطيافهم السياسية، ومنحتهم صوتًا وطرقًا جديدةً للوصول إلى جماهيرهم”.
بين التأييد والمعارضة
رَحّب بعض الجمهوريين بهذه الخطوة، مؤكدين ضرورة تحمل “فيس بوك” وتويتر مسئولية المحتوى المتداول على منصاتهما، من ذلك “نيويورك تايمز” وغيرها من الصحف الكبرى. وفي هذا السياق، قال السيناتور “جوش هاولي” إن إضافة ملصقات تحذيريةٍ إلى تغريدات الرئيس هو قرار تحريري يُظهر أن منصات التواصل الاجتماعي تتصرف وكأنها ناشر، ولذا يجب رفع الحماية التي تحظى بها.
كما قال السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس، تيد كروز، إن “التكنولوجيا الكبيرة لم تعد قادرةً على التوقف لفترةٍ طويلةٍ اختبأت منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر خلف خوارزمياتها الغامضة وحصانة القسم 230”. وأضاف: “هذا لا يؤدي إلى خنق حرية تعبير الأمريكيين فحسب، إنه يحدد ما يراه الأمريكيون ويسمعونه ويفكرون فيه في نهاية المطاف في مختلف القضايا الرئيسية التي تواجه بلادنا، بما في ذلك كيفية معالجتها ومن يجب أن ينتخب لمعالجتها”.
وقال مدير حملة ترامب “براد بارسكال” إن “وسائل الإعلام الاجتماعية عملت دون رادع لسنواتٍ مع التمتع بحماية القانون الفيدرالي. لقد نَصّب عمالقة وادي السليكون أنفسهم حكامًا للحقيقة، واضعين علامات على ما يختلفون معه، لكنهم أظهروا أنه لا يمكن الوثوق بهم ليكونوا صادقين وعادلين”.
في المقابل، أثار الأمر التنفيذي معارضةً واسعةً دارت بالأساس حول انتهاك ذلك الأمر التنفيذي لحرية التعبير والتعديل الدستوري الأول، وهشاشة أساسه القانوني، واحتمالات تدخل الحكومة في المحتوى الخاص، وتجاوز المحاكم للتوصل إلى فهمٍ مختلفٍ لقانون آداب الاتصالات، والتحايل على الكونجرس، وغياب الصلاحيات التي تخول “ترامب” تفسير القانون الاتحادي، ومعاقبة شركات وسائل التواصل الاجتماعي على ما يثير استياء الرئيس.
وفي السياقٍ نفسه، قال رئيس رابطة صناعة الكمبيوتر والاتصالات مات شرورز، إنه “إذا اختفت هذه الحماية، ستزداد عدوانية شركات وسائل التواصل الاجتماعي عند الإشراف على المحتوى وغلق الحسابات”.
كما قال الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية تكنولوجيا المستهلك “غاري شابيرو” إن “الأمر التنفيذي غير دستوري وغير مدروس. إن حماية حرية الكلام في القسم 230 من قانون آداب الاتصالات هي الأساس القانوني لاقتصادنا الأمريكي النشط عبر الإنترنت والقيادة الرقمية العالمية لأمتنا. إن شركات الإنترنت الأمريكية تقود العالم ومن غير المعقول أن يسعى قادتنا السياسيون لفرض الرقابة عليها لأغراضٍ سياسية. يقوم هؤلاء السياسيون أنفسهم بالإعلان عليها على نطاق واسع”.
وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إنها تدعم مبادرة “تويتر” للإبلاغ عن التغريدات التي تحتوي على أكاذيب. وأضافت: “إن أمر ترامب يوجه الحكومة الفيدرالية إلى تفكيك الجهود لمساعدة المستخدمين على التمييز بين الحقيقة والخيال. وهي قضية أساسية في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، ومن المتوقع أن تكون مؤثرةً في نوفمبر المقبل، إن ما يفعله الرئيس هو عبارة عن تشتيتٍ يائسٍ من فشله في تطبيق استراتيجيةٍ وطنيةٍ لهزيمة كوفيد-19″.
وفي بيانٍ أرسلته إلى الصحفيين قالت كبيرة المستشارين التشريعيين في اتحاد الحريات المدنية الأمريكية كيت روان، إن “ترامب ليست لديه سلطة لإعادة كتابة قانون الكونجرس بأمرٍ تنفيذيٍ يفرض تفسيرًا خاطئًا للقسم 230 الذي يحفز المنصات على استضافة جميع المحتويات دون خوفٍ من تحملها المسئولية، إنها تمكن الكلام، لا الرقابة”.