دخلت المرأة المصرية مجالات العمل في المهن المختلفة التي تنظمها نقابات مهنية، سواء كانت تلك المهن تعتبر القيد في النقابة شرطا أساسيا لمزاولة المهن كالمحاميين والأطباء وغيرها، أو مهن أخرى التي لا تشترط القيد في النقابة، ورغم الأدوار القيادية التي شغلتها المرأة سواء في المجالات العملية أو النقابية خلال السنوات الماضية، إلا أن تبوؤها مناصب قيادية داخل تلكم النقابات بنوعيها لم تنضح بعد.
وخلال السنوات الماضية اتضح أن تمثيل المرأة في مجالس النقابات كان محبط للغاية، وتغيبت المرأة عن مجالس النقابات حتى التي تتمتع فيها بأغلبية العضوية.
في دراسة بعنوان الواقع العملي ودور المرأة في النقابات المهنية، أعدتها جمعية الحقوقيات المصريات، أوضحت أنه علي مدار السنوات الماضية كان عدد السيدات اللاتي نجحن في الحصول علي مقاعد في عضوية النقابات المهنية كان لا يتعدى 10 حالات، رغم أن النقابات تضم في عضويتها قرابة 3.9 مليون عضو في 24 نقابة، وفقا لإحصاء الجهاز المركزي للمحاسبات عام 2000 ،والنسبة الأكبر لعضوية المرأة في نقابة المهن التعلمية بنسبة 28.4% ، تليها نقابة المهن الزراعية بنسبة 17.7% ، ثم نقابة التجاريين بنسبة 16.1% وقد وصلت أعداد النساء في النقابات المهنية 26 ألف عام 1981 وارتفع إلى 36 عام 1999، ولكن نسبة المساهمة الإجمالية انخفضت من 25% من جملة الأعضاء عم 1981 إلى17% عام 1999.
كما أوضحت الدراسة أن ضعف تمثيل المرأة في النقابات المهنية ليس مرجعة القانون، فالواقع أن القوانين المنظمة للنقابات المهنية المختلفة لا يوجد بها عوائق قانونية في التشريعات الحاكمة للعمل النقابي لكل نقابة، حيث تساوي هذه التشريعات بين المرأة والرجل فيما يتعلق بالتصويت أو الترشيح، ولكن في نفس الوقت لا توجد آليات معنية لتشجيع التمثيل النسائي بهذه النقابات، حيث تلعب القوائم الخاصة بالقوي السياسية المختلفة، بالإضافة إلى المؤثرات والتقاليد الاجتماعية دور اساسيا في غياب هذا التمثيل او محدوديته.
الصحفيين وغياب للمرأة
منذ 79 عاما وهو عمر تأسيس نقابة الصحفيين في عان 1941، لم تشهد نقابة الصحفيين مناصب قيادية للمرأة داخل مجلسها سوى 9 سيدات فقط، كان أبرزهم نوال مدكور التي انتزعت عضوية مجلس النقابة في 1968. ومنذ أوائل السبعينات حتى 1999 اُنتُخِبت الصحفية أمينة شفيق عضوًا بمجلس النقابة، لتصبح هي الأطول مدة في تولي هذا المنصب على الإطلاق.
ومنذ 1973 حتى 1981، انتخبت فاطمة سعيد وبهيرة مختار، لتلتحقا بأمينة شفيق، ليضم المجلس ثلاث سيدات لأول مرة. وكانت الكاتبة الصحفية حنان فكري أخر تمثيل نسوي داخل مجلس نقابة الصحفيين في عام 2013.
وفي دراسة أعدتها مركز نظرة للدراسات النسوية بعنوان أوضاع النساء بين مجال مغلق ووعود لم تحقق:” قالت:” أن غيــاب تمثيــل النســاء عــن المجلســين المنتخبيــن للتجديــد النصفــي، المجلــس الأول فــي 24 مارس 2017 ترشــحت 14 صحفيــة، والمجلــس الثانــي المنتخــب فــي 15 مــارس 2019 ترشــحت 11 صحفيــة، ولــم تمثــل الصحفيــات فــي المجلســين رغم أن نســبة الصحفيــات العضــوات أكثــر مــن 35% مــن إجمالــي أعضاءالجمعيــة العموميــة للنقابــة.
من جانبها، قالت الصحفية إيمان عوف، المرشحة السابقة لعضوية مجلس نقابة الصحفيين:” أن غياب تمثيل النساء في مجلس نقابة الصحفيين مرتبط بشكل أساسي بوجود ثقافة منتشرة وقديمة في النقابة، بوجود سيدة واحدة فقط في المجلس، وهذا يحدث على مدار السنوات الماضية، رغم أن النساء في الجمعية العمومية فارقين جدا في اتخاذ القرارات، وهذا جزء من سياق عام في المجتمع الذي يرفض تمثيل النساء لقطاعات كبيرة، وعلى مدار السنوات القليلة الماضية لم تصعد أكثر من امرأة إلى مجلس نقابة الصحفيين سوى مرة واحدة، حيث ضم المجلس حينها امرأتين وهما عبير السعدي وحنان فكري.
وتابعت:” ثقافة اختيار امرأة واحدة فقط داخل مجلس النقابة، وضحت بشكل كبير خلال الانتخابات الماضية، فبدلا من امرأة مرشحة تنافس 12 رجلا، أصبحت امرأ مرشحة تنافس أخرى مرشحة، لأن الصحفيين الناخبين مترسخ لديهم فكرة وجود امرأة واحدة فقط داخل المجلس لا غير، وبالتالي تم تشكيل المجلس دون تمثيل نسائي”.
ووصفت “عوف” الوضع بالكارثي وخاصةأن الجمعية العمومية التي عددهم ما يقرب 12 ألف و800 ما يقرب من نصفهم نساء، وبالتالي من الواضح أن التقسيم ليس فقط كنساء ورجال، لكن من الواضح جدا أن هناك حقوق مهدورة للسيدات داخل المؤسسات الصحفية، وهذا لأن عددا المناصب القيادية التي تتقلدها السيدات داخل تلك المؤسسات نادرة جدا.
وأشارت إلى أن النساء داخل المجتمع الصحفي لديهم العديد من المشاكل التي تواجههم مثل التحرش، وإجازات الوضع، والتميز في المناصب القيادية وبالتالي الحديث عن تلك المشكلات لم يأتي سوى من سيدات مثلهم، وبالتالي غياب تمثيل السيدات عن مجلس النقابة وفي المؤسسات الصحفية يؤكد ضياع الحقوق.
وأكدت أهمية وضرورة وجود لجنة مرآة أو غيرها من الاسماء، من المهم ان تقودها النساء وتضع خطة عملها، وتكون جزء مكمل لمجلس نقابة الصحفيين ويكون لها دور في رسم سياسات مواجهة التحرش بالصحفيات داخل المؤسسات الصحفية، بالإضافة إلى دورها الاشرافي في إقرار مدونات السلوك داخل المؤسسات الصحفية، وإجراء لجان التحقيق الخاصة بشكاوى التحرش والاعتداءات الجنسية.
المحاميين مجلس بـ”امرأة” واحدة
بعد غياب دام لسنوات لتمثيل المرأة، استطاعت فاطمة الزهراء محمد المحامية بالاستئناف الحصول على مقعد في مجلس نقابة المحاميين في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في مارس من العام الجاري، حيث شهدت السنوات الماضية غياب ممثلات فــي مجلــس نقابــة المحاميــن.
حيث جــاء تعديــل رقــم 147 لسنة 2019 لقانــون المحامــاة بتعديــل بعــض أحــكام قانــون المحامــاة الصــادر بقانــون رقــم 17 لسنة 1983، كان مــن بينهــم تعديــلات خاصــة بالعضويــة وتشــكيل مجلــس النقابــة المنتخــب ولــم يتضمــن أي تدبيــر إيجابــي لضمــان تمثيــل المحاميــات فــي مجلــس النقابــة.
ويلاحظ بشــكل عــام ضعــف تمثيــل النســاء فــي مجالــس النقابــات المهنية رغم ارتفــاع أعدادهن فــي الجمعيــة العموميــة للنقابــات، ممــا يعكــس وجود خلــل فــي مــدى عدالــة النظــم الانتخابيــة داخــل النقابــات، بالإضافــة إلــى أغلــب النقابــات لا يوجــد بهــا لجــان نوعيــة متخصصــة للقضايــا النســاء، ممــا يؤثــر ســلبا علــى طــرح السياســات العامــة الخاصــة بالمهنة وطرح قضاياهــن في العمل، ممــا يجعــل النقابــات تفقــد مبــادئ العمــل النقابــي الأساســية وهــي الديمقراطيــة والتمثيليــة، والمســاواة وعــدم التمييــز.
وفي منتصف سبتمبر من عام 2018، شهدت نقابة المحاميين حالة من الجدل على خلفية قرار نقيب المحاميين السابق سامح عاشور بتجميد نشاط لجنة المرأة، بعد تصاعد وتيرة المشادات بين عدد من المحاميات العضوات باللجنة، على أن يستمر التجميد حتى انتهاء التحقيقات، وهو ما ترفضه بعض المحاميات باعتباره حلقة جديدة في سلسلة التمييز التي تواجه المحاميات.
وكانت مؤسسة قضايا المرأة قد أعلنت في بيان صحافي إدانتها لقرار النقيب بشأن تجميد لجنة المرأة بنقابة المحامين، مشيرةً إلى أن هذا الموقف ليس الأول ولن يكون الأخير في إطار النهج التمييزي الذي يتبعه مجلس النقابة تجاه المحاميات. كما ذكر البيان أنه على الرغم من أن نقابة المحامين هي الأجدر في مصر بتطبيق مواد الدستور والاتفاقيات الدولية والقانون إلا أنها في قراراتها تخالفها بشكل واضح وصريح.
من جانبها قالت المحامية الحقوقية عزيزة الطويل:” في الانتخابات الأخيرة تم انتخاب الزميلة فاطمة الزهراء لمجلس النقابة وذلك بعد سنين عجاف لم يشهد فيها مجلس نقابة المحاميين نساء، وهذا يعود إلى أن قيادة النقابة ” النقيب” لا يوجد بها التعددية، وهذا يضعنا أمام فكرة أهل الثقة لدى النقيب وكان يتمثلون في الرجال وليس النساء المحاميات”.
بالإضافة إلى انه لا يوجد في النقابة تشجيع حقيقي للمحاميات سواء للاستمرار في امتهان المهنة أو حتى في عمل نقابي حقيقي داخل النقابة، وهذا له أكثر من بعد مثل الأجور فأجر المحامية يختلف عن أجر المحامي، ودائما هناك تمييز لصالح المحامي عن المحامية، إلى جانب ثقافة المواطن بان المحامية ليست كفء عن المحامي حتى لو حصلت على دراجات علمية أعلى، كما أنه لا يوجد داخل النقابة اعداد كوادر حقيقة سواء من المحاميين او المحاميات وهذا يؤكد على فكرة أهل الثقة التي ذكرتها.
وتابعت:” مؤخرا تم تقديم مقترح تعديل قانون المحاماة من النقابة، وكان يتضمن كسر هذا التابوه بعمل كوته تصويتية للمرأة داخل المجلس، وكنت أرى أن هذا حل مناسب على المدى القصير ويساعد في البناء على المدى الطويل بوجود كوادر حقيقية وتمثيل حقيقي للنساء داخل مجلس النقابة، لكن مع الأسف أن التعديل لم يتم الموافقة عليه، وتم الموافقة على باقي المقترحات، وبالتالي انتخابات نقابة المحامين تتم بدون كوته وعلى المرأة خوض الانتخابات في أجواء مشحونة بالمصالح والتربيطات الانتخابية، إلى جانب نظرة عدم احترام المرأة في المجتمع والنقابات جزء من المجتمع غير منفصل عنه”.
وأكدت المحامية الحقوقية ضرورة إعادة تفعيل لجنة المرأة ويكون تمثيلها حقيقي من أفراد مهتمين بحقوق المرأة ومدافعين عنها، بالإضافة إلى تشجيع المحاميات في خوض الانتخابات واستمرارهم في المهنة، كما أكدت على ضرورة تكاتف المحاميات للدفاع عن حقوق المرأة والتميز لصالح الرجل ضد المرأة رغم المساواة في الواجبات في دفع الاشتراك وظروف وضغوط العمل، فهناك ضرورة لخلق مجتمع نسوي داخل نقابة المحاميين لحل مشاكل المحاميات داخل النقابة والعمل على تمثيل حقيقي للمرأة دون تمييز خلال السنوات القادمة”.
يذكر أن المجلس القومي للمرأة قد طالب في وقت سابق، بمراجعة أوضاع النساء داخل النقابات المهنية والاشتباك فــي التعديــات الخاصــة بقوانيــن تلــك النقابــات، والعمــل علــى إقــرار سياســة مناهضــة العنــف والتمييــز الموجــه ضــد النســاء، والعمــل علــى تخصيــص نســب للنســاء فــي الهيئــات العليــا لمجالــس النقابــات المهنيــة لضمــان وضــع قضايــا النســاء النقابيــات.