رغم اختلاف المُجتمعات العربية، عن بعضها البعض في العادات والتقاليد، إلا أنها تتفق على شيء واحد، ظل عاملًا مشتركًا بين تلك الدول، وهو ما يحيط بالنساء من أزمات ومشكلات مجتمعية.

تتعرض النساء بوجه عام في الدول العربية، للعديد من وقائع التمييز الجندري وكافة أشكال التفرقة، ولكن المرأة الأرملة والمطلقة تُعدان الأكثر معاناة من غيرهما.

تنطلق مأساة الأرملة، من عائلة الزوج المتوفى أحيانًا، فالبعض يُجبرها على الزواج من شقيق زوجها المتوفي، وفقًا للعادات والتقاليد، أو بسبب رفض أهلها لاستقبالها مع أطفاها، وخوفًا من مراقبة حياتها وأنفاسها، مُعتبرين أن أي محاولة منها للخروج من دائرة السواد التي تُحيط بها، والتفكير بزواج آخر، جريمة يُعاقب عليها القانون.

الأمر نفسه مع المرأة المُطلقة، التي تعيش في نفس دائرة السواد، مع بعض الاختلافات، لكنها تظل مُحاطة بالمحدقين والمراقبين لأنفاسها وأفعالها، ولا يخشى أحدهم أن يتدخل في حياتها بشكل سافر ولا يخشي آخر أن يُلاحقها وكأنها مستباحة للجميع.

أجساد مستباحة

تختلف مُعاناة النساء المطلقات عن الأرامل، وإن تشابهت بالقاعدة الأساسية التي تنطلق منها عقليات المجتمعات الذكورية تجاه دور المرأة وجسدها وحريتها، وكذلك حقّها في الاختيار، هذه القاعدة تعود إلى منظومات اجتماعية في بعض المجتمعات ترى الأبوية الوصي على المرأة، حتى في روحها وجسدها.

بالتالي تصبح المرأة التي اختارت الطلاق، في مرمى المُراقبة والقمع الذي يحرمها من ممارسة حياتها كبقية البشر، وإحدى طُرق مواصلة هذه الحياة هو الشعور الطبيعي والإنساني بالحبّ والارتباط العاطفي واحترام حقها في اختيار حياتها الجديدة، دون أن تعيش تحت مجهر الممنوع والتعنيف بأشكاله.

تروي “ليلى إبراهيم”، رحلتها مع الطلاق بعد زوج دام لـ3 أشهر، قائلة: “بعد الطلاق بدأت الأسئلة من المحيطين سواء الجيران أو زُملاء العمل، وكانت الأسئلة دائمًا تتمحور حول أسباب الطلاق، لكني دائمًا ما كنت أرى في أعينهم نظرات شفقة غير مفهومة”.

تتابع “ليلى”: “مع الوقت فهمت سبب تلك النظرات، فمرأة مطلقة يعني مستباحة للرجال وللعروض الجنسية، بالإضافة إلى مراقبة دخولي وخروجي من المنزل الأمر الذي جعلني أخشى ارتداء الملابس الذي كنت قد اعتدت عليها منذ الصغر وبدأت أميل للملابس الأكثر اتساعًا وطولًا لتلاشى نظراتهم”.

حرمان الأرملة من الزواج

تصطدم المرأة الأرملة، بعدة مفاجآت و أزمات، تظهر بالتناوب مع انتهاء مراسم العزاء، فتبدأ أزماتها بالإرث العالق الذي يحتاج إلى  كثير من الجهد لنزعه كما تنزع بقية الحقوق رغم التشريعية لتسوية الوضع.

ومن ثم تبدأ مُعاناة الترصد والملاحقة، وإقبال آخرين على التدخل في شؤونها الخاصة، من منطلق الخوف على مصلحتها والحماية من نظرات المجتمع، ذلك المجتمع الذي ينصب من نفسه إلهًا على المستضعفين، مما يجعله يُلقي باللوم الشديد على المرأة الأرملة إذا حاولت الزواج مرة أخرى.

الأمر الذي يقابل غالبًا بالرفض من الأبناء، ومن ثم العائلتين سواء عائلة المرأة أو عائلة الزوج المتوفي الذين يبادرون أحيانًا بتهديدها بضم حضانة الأطفال في حالة زواجها، وهو ما يجعلها بين مطرقة الوحدة وفناء العمر وسندان الأمومة ولوم المجتمع.

ترى إلهام عيداروس الناشطة النسوية ووكيل مؤسسة حزب العيش والحرية، أن هناك تمييز مجتمعي في حال المترملين والمترملات، ففي حالة المترملين نرى أن هناك ترحيب مجتمعي لزواج الرجل الذي تتوفى زوجته، بل وهناك من يهتم من العائلة بأن يحدث هذا بشكل سريع، خاصة إذا كان لديه أولاد بحجة تربيتهم ورعايتهم.

تضيف عيداروس: “أما الزوجة التي يتوفى زوجها، يُلقى عليها اللوم وتقع فريسة للوم والضغط المجتمعي، إذا فكرت في الزواج بعد وفاة زوجها، وكأنها لابد أن تفني حياتها لمجرد وفاة أبو العيال”.

معاناة الأرامل

وترى عيداروس، أن ارتفاع حالات الطلاق وتزايد قضايا الخُلع في المجتمع جعلت المجتمع ينظر للطلاق بطريقة أقل تميزًا عن السنوات السابقة، فهناك تطورًا مشهودًا في تقبل المجتمع للمرأة والمطلقة لكنه ببطيء شديد، وهذا يعود إلى الجهود التي تقوم بها الجمعيات والمؤسسات النسوية في تحسين أوضاع هؤلاء، واستجابة الدولة لبعض الأشياء وإن كانت تأتي ببطء وعلى فترات طويلة لكنها في النهاية تتحدث.

وكانت نتائج تعداد سُكان مصر، كشفت في عام 2017، أن إجمالي نسبة المتزوجين في مصر من جملة سكانها بلغ 68%، بينما نسبة المتزوجين الذكور بلغت 65.9% من إجمالي السكان، مقابل 70.2% إناث، مشيرة إلى أن 10.7% من الإناث في مصر أرامل.

حضانة الأطفال

تحت عنوان “جوازي ميمنعش حضانتي لأولادي”.. أطلقت مؤسسة قضايا المرأة المصرية حملة لصون حقوق النساء والأطفال في عام 2018، والتي تهدف إلى تغيير الوضع القانوني والقضائي الحالي من إسقاط حضانة المرأة لأطفالها عند زواجها من آخر.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأمر يدفع العديد من النساء إلى التخلي عن فكرة الزواج مرة ثانية خوفًا من إبعاد أبنائهن عنهن؛ وهو الأمر الذي لا يعاني منه الأب حيث يمكن له الاحتفاظ بحضانة أطفاله إذا تزوج بأخرى.

الأمر الذي ترى المؤسسة، أنه يكرس نوعًا من عدم المساواة بين المرأة والرجل؛ ويزيد من حدّة المشاكل بينهما دون الالتفات إلى مصلحة الأطفال.

و تقول المؤسسة، إن سقوط الحضانة عن الأم عند زواجها، لا يستهدف بشكل مباشر مصلحة الطفل، على قدر ما هو تكريس لدور المرأة في المجتمع، وللنظرة المجتمعية لضرورة تفانيها في تربية أطفالها بعد الطلاق دون أن تفكر في نفسها، فاستهداف مصلحة الطفل يتطلب أن يقوم القاضي بمراجعة كل قضية على حدة، وتقدير مصلحة الطفل، ولكن تكريس أحكام القضاء على مدار سنوات لسقوط الحضانة بصورة أصبحت “اوتوماتيكية” عن الأم بعد زواجها، يدلل على تمسك القضاة بهذا المنطق، دون أية رغبة منهم في البحث عن سبل تطوير النص أو الالتجاء لتطور المجتمع أو لمصلحة الطفل لتقرير عكس ذلك.

ووفقًا لقانون الأحوال الشخصية، فحضانة الأطفال تسقط عن الأم سواء كانت مطلقة أو أرملة في حالة زواجها ثانية، بحسب المحامية الحقوقية انتصار السعيد رئيس مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون.

حضانة الأطفال

وتضيف السعيد: “تسقط الحضانة في الحالتين التي تم ذكرهما بالفعل لكنها لا تنتقل للأب في حالة الطلاق، فسواء حالة الطلاق أو وفاة الزوج فحضانة الأطفال تنتقل للجدة من الأم ومن ثم شقيقة الأم وتأتي حضانة الأب في المرتبة الأخيرة في حالة زواج ثانية بعد طلاقها”.

وتتابع: “أما في حالة ما كانت المرأة أرملة فلا يتم إسقاط الحضانة عنها إلا بعد رفع عائلة الزوج المتوفاة دعوى ضد الأم بسبب زواجها، وبالتالي ترتيب الحضانة أيضًا يتم كما ذكرنا من قبل”.

الجدير بالذكر أن مكاتب التسوية رصدت مأساة 963 زوجة خلال عام 2019، لم يستطعن استخدام حقهن الطبيعى فى الزواج، خوفًا من نزع حضانة أبنائهن، فاضطروا للجوء للزواج العرفى كبديل، بحثا عن حلم الاستقرار الأسرى برفقة زوج.