زيارة الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إلى السودان، أثارت العديد من التساؤلات حول توقيت الزيارة، ومدي تأثيرها علي المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة، والتي من المقرر أن تستأنف خلال الأسبوع الجاري، فيما اعتبر آخرون أن مدلول الزيارة يحمل في طياته الكثير بالنسبة لقضية السد.

وتوجه رئيس الوزراء، صباح اليوم السبت، إلى السودان، على رأس وفد رفيع المستوى يضم وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة، والموارد المائية والري، والصحة والسكان، والتجارة والصناعة، وعدداً من مسئولي الجهات المعنية، في زيارة تستغرق يومًا واحدًا.

العلاقات المصرية السودانية

حسام عيسى، السفير مصر لدى الخرطوم، أكد أن زيارة  “مدبولي” للسودان ستناقش كافة الملفات المتعلقة بالعلاقات الثنائية والربط الكهربائي والسكة الحديد وتسهيل حركة المرور عبر المعابر وتنظيم التجارة والتنسيق بين الأجهزة والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بحسب وكالة الأنباء السودانية “سونا”.

وشدد عيسي، على دعم مصر للسودان على كافة المستويات لكونه من أكثر الدول أهمية لها، مشيرًا إلى أن الفترة المُقبلة ستشهد المضي قُدمًا في تنفيذ العديد من المشروعات الاستراتيجية في مجالات المواصلات والكهرباء والتجارة والزراعة والصناعة والرعي وإنتاج اللحوم، لاستغلال الفرص الضخمة غير المستغلة.

وأشار عيسى، إلى أنه من المقرر وصول فريق طبي مصري عالي يتكون من 14 طبيبًا، يوم الإثنين المُقبل، للمساعدة في مكافحة الأوبئة والأمراض المتعلقة بالكوارث الطبيعية والسيول.

يعقد الجانبان المصري والسوداني، برئاسة رئيسي وزراء البلدين، جلسة مشاورات موسعة تتناول أوجه التعاون بين القاهرة والخرطوم في مختلف المجالات، ومن المقرر أن يلتقي مدبولي، بقيادات مجلس السيادة السوداني.

كما تهدف الزيارة التي تستمر ليوم واحد، إلى مُناقشة الأوضاع الحالية في السودان والرؤية المصرية حولها، وتفعيل الاتفاقيات الثنائية، فضلا عن ملف سد النهضة.

ومن المقرر أن تصل عددًا من الطائرات المصرية، الثلاثاء المُقبل، تحمل مساعدات إنسانية بها أكثر الأجهزة تطورًا في مجال الكشف عن الأوبئة والفيروسات مثل “بي سي آر”، بالإضافة إلى أدوية خاصة بالفيروسات، منوهًا إلى أن رئيس الوزراء المصري يحمل معه هدية من الأدوية والأجهزة كمساعدات للسودان.

فيما أرجعت تقارير بوسائل إعلام سودانية، أن الزيارة تهدف إلى تنشيط عدد من المشاريع والبروتوكولات بين البلدي، منها مشروع الربط الكهربائي، الذي تم تدشينه في إبريل الماضي بنقل 60 ميجا واط من الجانب المصري، إذ يبلغ حجم الكهرباء المتفق عليها 300 ميجا واط.

بلغ نمو حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2019 نحو 648 مليون دولارًا

التبادل التجاري بين مصر والسودان

بلغ نمو حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان، خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2019، نحو 648 مليون دولارًا، بنسبة 6% مقارنة بذات الفترة من عام 2018، وفقًا لتقرير صادر عن وزارة الصناعة والتجارة.

وأعلن مكتب التمثيل التجاري المصري في الخرطوم، أن قيمة الصادرات المصرية إلى السودان ارتفعت أيضًا لتصل إلى نحو 328 مليون دولار بنسبة زيادة 15% عن الفترة نفسها من عام 2018 .

السفير المصري بالسودان
السفير المصري بالسودان

سد النهضة

إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن زيارة رئيس الوزراء إلى السودان، في هذا التوقيت، “مهمة للغاية”، وتأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، في وقت تتعرض المنطقة فيه لبعض الاضطرابات والتوترات حول قضايا عدة، علي رأسها ملف سد النهضة والخلاف الدائر بين دولتي المصب وإثيوبيا .

ويوضح أستاذ العلوم السياسية، أن قضية سد النهضة هي “كلمة السر” وتأتي علي رأس المُباحاث الثنائية بين البلدين، بالإضافة إلى مُباحثات في ملفات عدة كمشروع الربط الكهربائي وطريق بري مفتوح، وقضايا المنطقة العربية، وقضية الإرهاب، مستبعدًا أن يتطرق اللقاء لملف النزاع على حلايب وشلاتين.

“مصلحة واحدة”

تأتي زيارة مدبولي، تزامنًا مع إعلان السلطات الإثيوبية، استعدادها لاستئناف مفاوضات سد النهضة، الإثنين المُقبل، بعد طلب السودان تأجيل الاجتماعات لمدة أسبوع لاستكمال التشاور الداخلي، نظرًا للتطورات التي شهدتها المفاوضات في الآونة الأخيرة، والخطابات المُتبادلة بين الأطراف المشاركة في المفاوضات.

من جهتها، أعلنت مصر ترحيبها باستئناف مفاوضات سد النهضة بعد تعليقها خلال الأيام الماضية، شرط الالتزام بمخرجات القمة الإفريقية المصغرة، التي قضت بالتفاوض حول اتفاق ملزم لقواعد ملء وتشغيل السد.

وصرح وزير خارجية إثيوبيا، جيدو أندارجاتشو، أن بلاده مُلتزمة بمواصلة مفاوضات سد النهضة “بحسن نية” لمعالجة القضايا المعلقة بطريقة لا تعرض التشغيل الأمثل للسد إلى الخطر ولا تقيد حق أديس أبابا في استخدام النيل الأزرق.

رئيس وزراء السودان، الدكتور عبد الله حمدوك، شدد على تمسك الخرطوم بالتوصل لاتفاق شامل ومُلزم حول الملء الأول للسد وتشغيله والمشاريع المستقبلية باعتبار أنه: “لا خيار سوى مسارات التفاوض بين الدول الثلاث لحلحلة القضايا القانونية والفنية العالقة”.

وحول دور زيارة مدبولي، للسودان في ملف سد النهضة، أوضح “بدر الدين”، أن مصلحة دولتي المصب واحدة وموقفهم واحد، لذا قد تكون الزيارة، لاسيما بالنظر لتوقيتها، ورقة رابحة لمصر في المفاوضات المقبلة.

“وقف السودان المُتضارب منذ انطلاق مفاوضات سد النهضة لا ينتقص من أهمية الزيارة”.. إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

رئيس الوزراء الإثيوبي

رئيس الوزراء الإثيوبي
رئيس الوزراء الإثيوبي

وأضاف بدر الدين: “توحيد موقف دولتي المصب تجاه إثيوبيا، هو ما يجب أن نراه، نظرًا لأن معاناتهم واحدة، رغم ذلك فإن الزيارة في مضمونها وبجانب أهميتها فهي رسالة لإثيوبيا علي مدي قوة ومتانة العلاقات الثنائية بين البلدين”.

وأشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أن  موقف السودان المُتضارب منذ انطلاق مفاوضات سد النهضة لا ينتقص من أهمية الزيارة في الوقت الراهن، إذ لابد أن يدرك الجانبين أنهم في خطر مما يفعله الجانب الإثيوبي، ففي النهاية مصلحة البلدين مشتركة، فهما دولتي مصب.

“إدارك مصر والسودان لخطر إثيوبيا بعد استكمال المرحلة الأولى لملء السد دفعهن للتحرك وتوحيد مواقفهم”.. محمد صالح مطر

“فات الآوان”

بينما يعتقد محمد صالح مطر، متخصص في الشأن السوداني، أن إدارك مصر والسودان لخطر إثيوبيا بعد استكمال المرحلة الأولى لملء السد، دفعهن للتحرك وتوحيد مواقفهم، إلا أنه رغم ذلك وبحسب المراقبين: “فالأوان قد فات”.

ويشير المتخصص في الشأن السوداني، إلى أن زيارة مدبولي تكشف أن الجانب السوداني بدأ ينضم إلى مصر، ويأخذ خطوات جادة، بعد مواقفه المتباينة خلال الفترة الماضية، والتي كانت تؤل لصالح إثيوبيا في شكل كبير.