هل سرحت بخيالك ذات مرة، وتمنيت حضور حفلاً غنائيًا لسيدة الغناء العربي أم كلثوم من المسرح؟.. أو وضعت نفسك بين الحضور في أحد حفلاتها المُذاعة عبر شاشات التلفاز وأنت في حالة انسجام مع أغنيتها ولكنّك بالألفية الجديدة؟.. ثم استفقت من ذلك الإبحار العميق في خيالك على واقع محبط فنيًا نعيشه بكل آسى في وقتنا الحالي ونترحم كثيرًا على أيام فن كوكب الشرق والعمالقة في زمن الفن الجميل كما يلقب.

لا تيأس سنحاول هنا من خلال السطور القادمة، أن نصحبك على بساط الريح عبر الخيال لتحضر الحفل شخصيًا منذ بدايته، بمعايشة كاملة لكل تفاصيله عن طريق المُحاكاة لحفل الست الشهري.

فقلما يجود الزمن بمطربة أو فنان عمومًا بحجم موهبة أم كلثوم وذكاؤها واختياراتها، حتى كونت مسيرة فنية غنية لم يسبقها أحد إليها ومن الصعب أن تتكرر ثانية في قادم الزمان، لما قدمته من فن عظيم راقٍ قيم يرتق بالنفس ويسمو بالمشاعر والأحاسيس إلى عنان السماء، ويطلق هرمون السعادة في جسم الإنسان بشكلٍ متزايد يجعله في نشوة خاصة قد تغنيه عن باقي ملذات الدنيا بأكملها، في ليلة ساحرة من ليالي سيدة الغناء العربي أم كلثوم.

حجز التذاكر مبكرًا

سنعود بالزمن إلى منتصف ستينيات القرن الماضي، قبل حفل أم كلثوم آخر كل يوم خميس من الشهر الميلادي، إذ تطرح تذاكر الحفل قبل أسبوع واحد فقط من الحفل بعدة منافذ في مسرح دار قصر النيل بوسط القاهرة المستضيف للحفل، وطرحت له 2000 تذكرة سعر الفئة الأغلى منها 2 جنيه والأدنى تصل إلى 75 قرشًا، وعادة ما تنفد التذاكر قبل ساعات فقط من الحفل للتزاحم الشديد عليها.

تذكرة الحفل

استعدادات خاصة

أنت على موعد مع الحفل الأهم في العالم العربي حينها، ستكون في حضرة أم كلثوم التي ينتظرها الملايين عبر الإذاعات المختلفة بالعالم أجمع وأنت تشاهدها وتسمعها وجهًا لوجه، فعليك بالاستعدادات الخاصة قبل يوم من تلك الحفل الاستثنائي، تجهيز البدلة الخاصة بك مبكرًا، والتجهز تمامًا لذلك اليوم بالبُعد عن أي أمور تعكر صفوك لكي تكون على أهبة الاستعداد للاستمتاع بيوم فريد بجوار كوكب الشرق.

استعداد خاص لاستقبال أم كلثوم

قاعة المسرح

عندما تصل إلى المسرح من الداخل ستسلم التذاكر الخاصة بك في الساعة الثامنة مساءً لمفتش الدخول، قبل ساعة ونصف الساعة من انطلاق الحفل، ثم سيصطحبك ومن معك إلى الكراسي الخاصة بكم ويجلسك عليها في نظامٍ تام، وستجد نفسك وسط تحفة معمارية عملاقة وعريقة وهي قاعة مسرح دار قصر النيل لما يتمتع بها من مساحة عملاقة، إذ يعد أكبر المسارح عددًا للكراسي واستقبالاً الجمهور بوقته حينها، وكذلك يتمتع بلمسات فنية تراثية مميزة تثير الانتباه وتلمس المشاعر والأحاسيس.

أجواء استثنائية

قبل دقائق قليلة من بدء الحفل الساهر لسيدة الغناء العربي، ستجد نفسك وسط 2000 مستمع حاضر بجوارك في كل أرجاء المسرح، في مشهد وتجمع مهيب لن تراه كثيرًا في أي حفل آخر لم لا وهو للست أم كلثوم، وستجد نفسك وسط أجواء استثنائية مميزة تجمع كل أطياف الشعب من الأثرياء إلى محدودي الدخل، لا فرق بينهما سوى في توزيع الكراسي، وكلهم جاءوا ليستمتعوا وينصتوا فقط لصوت وشدو كوكب الشرق، هذا الجمهور الحافل الذي لا يترك كرسيًا واحدًا دون أن يملئه سيشعرك بأجواء مميزة لن تشعر بها مطلقًا إلا وأنت في حضرة الست.

جمهور الحفل

فقرة الإذاعة وتقديم الست

آخر المراسم قبل رفع الستار وقبل خروج أم كلثوم على الجماهير، بربع الساعة عادة أو أكثر قليلاً في المناسبات العامة والوطنية، تنقل الإذاعة المصرية الحفل على الهواء مباشرة لكل العالم العربي والعالم أجمع، ويبدأ الإذاعي في تقديم الست وسرد ما ستغنيه الليلة ومن أصحاب الكلمات والألحان، وربما يجمعه لقاء صغير مع أحد العمالقة زكريا أحمد، أو رياض السنباطي، لشرح لحنّهما وتفسيره للناس من المقام الغنائي والآلات وخلافه حتى يرفع الستار وتخرج أم كلثوم على الحاضرين والمستمعين عبر الأسير.

رفع الستار والوصلة الثانية

بعد رفع الستار يُحيي جميع الحضور كوكب الشرق بحميمية شديدة وحب عظيم يظهر على الوجوه والأيدي المصفقة تقديرًا وإجلالاً لها ولفنها ومكانتها ولفرحتهم أيضًا لأنهم في حضرتها الليلة، ثم يصمت الجميع وتبدأ الفرقة الموسيقية في العزف للمقدمة الخاصة بالأغنية ثم تشدو الست بأعذب النغمات ويتفاعل معها الكل بجنون حتى انتهاء وصلتها الأولى بعد 40 إلى 50 دقيقة ويُسدل الستار حتى ظهورها في الوصلة الثانية عقب فترة راحة حوالي 15- 20 دقيقة، يرتاح الجميع ويستجمع شغفه وتركيزه وذهنه للأغنية الثانية في حفل الليلة الساهر.

وتخرج الست عادة ما تغني أغنية جديدة تمامًا في هذا الحفل وأغنية أخرى تختارها من تراثها الكبير والغني ويكون متفق عليها ومعلن حتى ربما في التذاكر نفسها للحفل، وبعد نهاية الحفل يقف الجميع من حولك لتحية كوكب الشرق على إمتاعها لهم وسموها بمشاعرهم وأحاسيسهم لعنان السماء، وترقي بأرواحهم وأفئدتهم لأقصى درجة، وتُسدل الستار لآخر مرة ويخرج الجميع من قاعة المسرح في حالة من الانتشاء والسعادة الغامرة تكفيهم حتى موعد قريب آخر.