مع شروق شمس الخامس عشر من أغسطس، تتزين الكنائس بصور العذراء مريم، وتجوب الطوائف المسيحية الشوارع والطُرقات حاملة تمثاليها، إحياءً لذكرى انتقالها، أو صعود روحها وجسدها للسماء، وفقًأ لما تتبعه كل طائفة مسيحية، حيث يشارك الآلاف ليس فقط من أبناء الديانة المسيحية، ولكن من محبي العذراء والمُتباركين بها في إحياء ذكرى انتقالها.
مريم القديسة التي لم يُكشف عن أسرار موتها
رغم احتفال المسيحيين ومحبي العذراء مريم بذكرى انتقال روحها، إلا أن وفاتها لا تزال تُمثل علامة استفهام كُبرى، حاول الباحثون الإجابة عنها دون جدوى، كونها لم تُذكر في الكتب المقدسة سواء المسيحية، أو القرآن الكريم الذي خصص سورة كاملة للسيدة مريم.
وكما كانت مريم، مثار جدل وخلاف، في تحديد هويتها، من كونها قديسة أنجبت المسيح، أم كونها جزء من الثالوث وتحمل صفات الألوهية، وكذلك حول عذريتها، فهي مُثيرة للجدل في موتها أيضًا، والذي تختلف فيه الروايات وتتعدد، فيما لم يتم التأكيد من الصورة التي ماتت عليها العذراء البتول.
لم يكن انتقال السيدة مريم، مُثبتًا في نصوص رسمية، حتى عام 1950، عندما قام البابا بيوس الثاني عشر باعتماد وفاتها كعقيدة إيمانية، للكنيسية الكاثوليكية، وقال وقتها: “إنها لحقيقة إيمانية أوحى الله بها، أن مريم والدة الإله الدائمة البتولية والمُنزهة عن كل عيب بعد إتمام مسيرة حياتها على الأرض، نقلت بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي”.
وتعددت الأقاويل حول طريقة انتقال السيدة العذراء، فيقول القديس يوحنا الدمشقي: “كما أن الجسد المقدس النقي، الذي اتخذه الكلمة الإلهي من مريم العذراء، قام في اليوم الثالث هكذا كان يجب أن تُؤخذ مريم من القبر، وأن تجتمع الأم بابنها في السماء”، أما القديس بطرس دميانوس فيقول: “في صعودها جاء ملك المجد مع أجواق الملائكة والقديسين لملاقاتها بزفة إلهية“.
وتختلف الكنائس في رؤيتها لموقف انتقال العذراء مريم، فالكنيسية الأرثوذكسية وبعض الكنائس الكاثوليكية الشرقية، ترى أن العذراء توفيت في بستان الزيتون، حيث كان ينازع المسيح عيسى، وشهد الواقعة بعض من بقى على قيد الحياة من التلاميذ الـ 12، وتقول تلك الرؤيا أن جسدها بعث بعد ثلاث أيام من جديد حيًا وانتقلت نفسها وجسدها إلى السماء، فيما ترى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن الانتقال تم بعد عدة أشهر من وفاتها وليس 3 أيام، ولكن بعض الكنائس الأخرى ترى أن جسدها انتقل للسماء دون البعث حيًا من جديد، أما الكنيسة الإنجيلية فترى أن جسد العذراء لم ينتقل للسماء، ولكن روحها ذهبت مباشرة إلى الجنة على عكس باقي البشر الذين ينتظرون حسم أمرهم يوم القيامة، أما البروتوستانت فلا يهتمون بتفاصيل انتقال العذراء ولا يقيمون لها ذكرى.
مراسم الاحتفال بانتقال الروح الطاهرة
تشهد ذكرى انتقال السيدة مريم العديد من المراسم والاحتفالات التي تحييها الكنائس بمختلف الدول، خاصة في سوريا ولبنان، حيث تقيم كل الكنائس احتفالًا كبيرًا بذكرى انتقال الجسد والروح، والتي يسبقها صيام 14 يوم، تبجيلًا للعذراء البتول، ويتم خلال الاحتفال ترديد الترانيم الخاصة بالسيدة مريم، وإقامة ما يشبه المهرجان داخل الكنائس
الأمر نفسه بالنسبة لفرنسا وإيطاليا، حيث يتم الاحتفال بذكرى انتقال العذراء، مع اعتبار هذا اليوم أجازه رسمية، احترامًا وتقديرًا لمكانة البتول بين محبيها
وفى محافظة أسيوط المصرية، يقام احتفال كبير بذكرى انتقال العذراء، حيث توجد مغارة مريم، والتي يعتقد أنها المغارة التي قصدتها السيدة مريم مع المسيح عند هروبها خوفًا من الرومان واتجاهها إلى مصر، حيث يحتشد الآلاف من المسيحيون والمسلمون للاحتفال الذي يجوب جميع القرى وصولًا للمغارة، التي تشهد تقديم الامنيات مكتوبة للعذراء طلبًا في تنفيذها، ويكتب لها المحتشدون رسائل ورقية تحمل طلباتهم، ويتميز الاحتفال برفع صورة كبيرة للعذراء تتقدم موكب القادمين للمشاركة في الاحتفال، مع تبادل تماثيلها وصورها للتبرك بها، مع ترديد الترانيم الخاصة بالسيدة مريم.
فيما تُقيم باقى الكنائس احتفالات كبيرة، وتردد الترانيم، وترفع الصور الضخمة أمام الكنائس وتستقبل الحشود من غروب الشمس وحتى الساعات المتأخرة من الليل.
الرموز المرتبطة بالانتقال
تعود بداية الاحتفال بذكرى انتقال السيدة مريم، إلى القرن الخامس الميلادي، رغم أنه لم يعتبر انتقالها اعتقادًا دينًيا سوى عام 1950، بعد اعتبار الكنيسة الكاثوليكية له كعقيدة.
ويتخذ هذا اليوم مكانة خاصة لدى العامة، ممن يعشقون البتول ويرونها نموذجًا للطهر والعفة والحنان والنور والأمومة، ويرغبون في سماعها لشكواهم، فيما تظهر السيدة مريم بالعديد من الصور في ذكرى انتقالها، وفقًأ لكل طائفة، ففي الأرثوذكسية تُظهر انتقال العذراء، في صورة لها والمسيح يجلس منتظر روح والدته ويحيط بهم الأتقياء، أما الكاثوليك فيكون انتقال مريم مصورا بجسدها وهو يُسحب إلى السماء وسط نظرات تلاميذ المسيح للجيد، فيما تظهرها صورا أخرى وهى تلقي حبلًأ دليل على صعودها للسماء، أما البروتاستانت فلا يشاركون في الاحتفال الذي يرفعه الأرثوذكس والكاثوليك ويحرصون عليه كل عام.