على أبواب محاكم الأسرة المصرية، تجلس السيدات بمرافقة محاميها في انتظار بدء الجلسات ودورها، بين قضايا الطلاق والخُلع والنفقة ومواجهة النشوز، يقضي عدد كبير من النساء شهور تصل لسنوات في رحلة البحث عن الراحة وبر الأمان.
ورغم وجود ما يسمى بدعوى الطلاق للضرر، التي تحفظ حق المرأة في جميع مُستحقاتها المالية، إلا أن البعض يلجأن لقضايا الخُلع، لتحقيق حلم الحرية والخلاص بشكل أسرع، ولكن دون حقوق سوى “قائمة المنقولات”.
في الوقت الذي يلجأ فيه الأزواج إلى دعاوى النشوز “بيت الطاعة”، تستنجد الزوجة بقضية الخُلع هربًا من تلك الدعوى، لتكون مباراة بين الزوج والزوجة، يكون فيها الخلع سلاح للزوجة في مقابل إنذار الطاعة للزوج، كل هذا ضمن قصص عديدة تعكس ما آل إليه حال الأسرة المصرية.
اللجوء للخُلع
“هالة عبد النور”، فتاة في بداية العقد الثالث من العمر، قررت اللجوء لمحكمة الأسرة لرفع قضية طلاق للضرر، بعد العنف والمعاملة السيئة التي تعرضت لها على يد زوجها، لكن بعد عام ونصف قررت استبدال قضية الطلاق بالخلع.
تركت “هالة”، منزل الزوجية وعادت إلى أحضان الأسرة، وقررت رفع قضية طلاق للضرر حفاظًا على مستحقاتها كما أخبرها المحامي، لكن القضية ظلت في ساحة قضاء محكمة الأسرة ما يقرب من عام ونصف دون جدوى، الأمر الذي سهل تزايد الأزمات بينها وبين زوجها، لتعود هالة بعد هذه المدة وتقرر استبدال الطلاق بالخلع والتنازل عن المهر والمؤخر والنفقة مقابل الانفصال عن زوجها.
روت “هالة” قصة تطليقها قائلة: “بعد عام ونصف قررت رفع دعوى خلع بدلًا من الطلاق للضرر والتنازل عن بعض مستحقاتي مقابل الخلاص من المشاكل، وبالفعل بدأت جلسات قضية الخلع التي استمرت ما يقرب من العام حتى حصلت على الطلاق، وبعد ذلك رفعت دعوى بقائمة المنقولات”.
تتابع “هالة”: “للأسف استلمت منقولاتي في حالة سيئة للغاية بعد أن سرق بعضها واستبدل البعض الآخر، وطول فترة التقاضي دفعني لدعوى الخلع بعدما علمت أن حكمها أسرع من الطلاق للضرر”.
هربًا من النشوز
وصلت عدد دعاوى النشوز والطاعة حتى عام 2014، إلى 62 ألف دعوى وترتب عليها حرمان 22 ألف سيدة من حقهن في النفقة الشهرية، بسبب أنها ناشز.
ووفقًا لإحصائيات صادرة من جمعيات حقوق المرأة، نجد أن محاكم الأسرة تنظر أكثر من 3 ملايين و500 ألف دعوى تتعلق بالأسرة سنويًا، معظمها يرتبط بدعاوى الطلاق والخلع والنفقة والتعليم، وتُشير الإحصائيات إلى إن حالات الخُلع المتداولة في المحاكم اقتربت من 700 ألف حالة سنويًا أما الرؤية فتعدت الـ5 ملايين حالة.
“ليلى عمر”، بعد زواج دام لشهور قليلة، قررت الفرار من العُنف الذي تعرضت له، فطلبت الطلاق إلا أن زوجها هددها بـ” إنذار الطاعة” ومن ثم دعوى للنشوز، ما تسبب في لجؤها لدعوى الخُلع بعدما أخبرها المحامي أن قضية الخلع يحكم فيها قبل النشوز.
روت “ليلى”، قصتها قائلة: “الخلافات تزايدت ووصلت إلى حد الضرب والحبس بالمنزل، وعرفت بعد الزواج إنه مُدمن، ومع تزايد المشاكل طلبت الطلاق إلا أنه رفض وهددني برفع دعوى نشوز، لذلك قررت التوجه إلى محامي العائلة في اليوم التالي وسألته عن الحل، فأخبرني بأن الخُلع أسرع”.
وتابعت “ليلى”: “طلبت منه يكون طلاق للضرر بدلًا من الخلع، لكنه أكد لي أن قضايا الطلاق تطول مدة التقاضي فيها، وأن الخلع أسهل وأسرع حتى لا يحكم عليَّ بدعوى النشوز، وبالفعل قابلت وتنازلت عن حقوقي المادية في مقابل الطلاق”.
بيت الطاعة
“ياسمين عبد الحكيم”، فتاة في العقد الثاني من العمر، تزوجت في الـ 20 من عمرها، أثرت الخلافات بينها وبين حماتها على حياتها الزوجية، حتى وصلت إلى الأفق، فقرر زوجها أن ينحاز إلى والدته، بينما كانت زوجته في الشهور الأخيرة من الحمل.
روت “ياسمين”، قصتها قائلة: “اندلعت الخلافات بيني وبين زوجي، وتركت منزل الزوجية، لفترة طويلة ولم أكن أنوي الطلاق حتى فوجئت بإنذار الطاعة بعد عام من تركي للمنزل، وبالفعل نفذته، لكني وجدت إنه أخلى شقتي القديمة، واشترى شقة أخرى بمنطقة شعبية، رغم أن شقتي الأولى كانت بأحد المناطق الراقية، لأني من عائلة ثرية، رفضت الوضع وتوجهت لعمل رفض للإنذار مُلحقة بمذكرة قانونية عن ما حدث، ورفضي للمكان الجديد، ومن هنا قررت رفع دعوى للطلاق، لكن أكثر من محامي نصحني باللجوء للخلع.”
وتضيف “ياسمين”: “بالفعل رفضت دعوى الخلع التي فصل فيها بعد أشهر، وبعدها اتخذت إجراءات استلام قائمة منقولاتي، لكن زوجي قرر يسلمني منقولاتي داخل قسم الشرطة، وكانت في حالة سيئة للغاية، استلمتها وقررت طوي هذه الصفحة، والبدء من جديد مع طفلتي التي لم يعلم عنها والدها شيئًا حتى الآن”.
النشوز للرجل والطلاق للمرأة
لا يُنكر أحد، أن قانون الخُلع الذي تم إقراره عام ،2000 كان له الفضل الكبير في إنقاذ سيدات كُثر من جحيم الحياة الزوجية، ووفقًا لما رأته الناشطة النسوية إلهام عيداروس؛ أعاد القانون رسم موازين القوة بين الأسرة الواحدة، وجعل للزوجة منفذ ومخرج للهروب من الجحيم، فلم يعد قرار الانفصال حكرًا على الرجل وحده.
إلا أن قانون الأحوال الشخصية، ظل حبيس القرون الوسطى، وظلت دعاوى الطاعة شبحًا في قانون الأحوال الشخصية، وتنص المادة 11 مكرر من القانون المذكور الصادر عام 1929، المعدَّل بالقانون رقم 100 لعام 1985، على أنه إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج، توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع، وتعد ممتنعة دون حق، إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة، بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها، وللزوجة الاعتراض على هذا أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يوماً، وعليها أن تكتب في صحيفة الاعتراض الأوجه الشرعية التي تستند إليها في امتناعها عن طاعته، وإذا تراءى للمحكمة أنّه لا أسباب شرعية تمنعها عن الطاعة تُقبل دعوى الطاعة، وإن لم تعد الزوجة لمنزل الزوجية تُعد ناشزًا.
يرى المحامي بقضايا الأسرة رضا الدنبوقي، أن دعاوى النشوز قانونًا تسبقها ما يسمى بإنذار الطاعة، ويُمكن للمرأة الاعتراض عليه خلال 30 يومًا من استلامه، متابعًا: “مع الأسف توجد بعض الأساليب التيتوقع السيدات في أزمات عدة ومنها أن يُملي الزوج عنوان الزوجة خطأً، ما يترتب عليه اعتماد المحكمة على استلام الزوجة للإنذار وهي في واقع الأمر لم تسلمه”.
ويوضح الدنبوقي، أن الخلع أسهل من الطلاق، إلا أن به بعض العراقيل التي تقف أمام المرأة فإذا لم يثبت بقسيمة الزواج مقدار المهر والمؤخر، فهذا يسمح للزوج التلاعب، فيمكن أن يأتي بشهود ليؤكد أنه دفع مهر يصل لعشرات الآلاف، وللأسف المحكمة في هذه الحالة لا تحكم بالخلع إلا إذا ردت الزوجة المهر الذي ذكره الزوج أمام القاضي.
وأضاف المحامي بقضايا الأسرة، هناك نوع أخرمن النساء يلجأن للخلع ليست لسرعته وإنما إنتقامًا من الرجل، فبما أن المجتمع ذكوري بطبعه و يقدس الرجل، وبالتالي الكثير من الرجال يرون أن الخلع إهانة شيدة في حقه، وفي هذه الحالة تكون المرأة بادرت بالخلع فقط للإهانة ليس أكثر.
إهانة المرأة على أعتاب القضاء
المحامية الحقوقية انتصار السعيد، أكدت أن دعاوى النشوز وإنذار الطاعة، مُهينة للغاية، خاصة ونحن في القرن الـ21، وهو الوقت الذي تحاول فيه المرأة أن تحصل على حقوقها في المساواة بالرجل، لتجد نفسها في وضع إذلال ومهانة، في وجود مثل هذه الدعاوي.
وتضيف السعيد، أن أغلب الرجال الذين يلجأون لدعوى النشوز، يكون هربًا من دفع النفقة الخاصة بها، لأن هذه الدعوى في حالة الحكم فيها تسقط عن الرجل دفع نفقة زوجته.
وتوضح السعيد: “في باديء الأمر يختصر الموضوع في إنذار طاعة للزوجة، والتي من حقها أن ترفضه خلال 30 يومًا، وفي حالة عدم رد الزوجة يكون من حق الزوج رفع دعوى نشوز، لكن في حقيقة الأمر ما يحدث غير ذلك، وخصوصًا أن معظم الأزواج الذين يوجهون إنذار الطاعة على عنوان خاطيء حتى لا تتمكن المرأة من استلامه والاعتراض عليه، خصوصًا أنه مجرد إنذار على يد محضر”.
وتتابع السعيد: “لذلك يلجأن الزوجات للخلع لقطع الطريق على إنذار الطاعة سواء بعلمها أو بدون”.
وتؤكد السعيد، أن قانون الأحوال الشخصية يحتاج للكثير من التعديل حتى نصل به إلى صورة أخيرة تحترم النساء وحقوقها أكثر من ذلك.