كيف أصبح البابا شنودة رقم 117 في تاريخ الكنيسة المصرية؟
القصة بدأت بعد انتقال البابا كيرلس السادس، اجتمع المجمع المقدس لانتخاب قائمقام بطريركي ليدير شئون الكنيسة، فتم اختيار الأنبا انطونيوس مطران سوهاج وسكرتير المجمع المقدس، فبدأ فى عقد اجتماعات للمجمع المقدس للتفكير في طريقه انتخاب البطريرك الجديد، فساد في المجتمع رأيان:
الرأي الأول، أن يتفق الجميع على مرشح واحد.
والرأي الثاني، هو إجراء انتخابات حسب لائحة انتخاب البطريرك الموضوعة سنة 1957 والتي تم بها انتخاب البابا الراحل.
وبدأ المجمع المقدس، اتباع الرأي الأول اختصارًا للوقت الذي تستغرقه الانتخابات، وعُمٍل اقتراع سري بين أعضاء المجمع، وتمت تصفية عدد المرشحين، وأجريت انتخابات سرية بين الأعضاء، وجاءت نتيجة الانتخابات الأولية حصول الأنبا شنودة أسقف التعليم على أعلى الأصوات.
وبعد إعلان النتيجة اعترض بعض أعضاء المجمع المقدس على هذه الطريقة، لأن بعض المرشحين الآخرين حصلوا على الأصوات القليلة، فلم يصل المجمع إلى الإجماع.
وتقرر إجراء الانتخابات، وبدأت سلسلة اجتماعات.
الاجتماع الأول 22 مارس 1971 برئاسة القائمقام البطريركي، وحضره أعضاء المجمع المقدس، وأعضاء هيئة الأوقاف القبطية، وأعضاء لجنة إدارة الأوقاف البطريركية، وشكلت لجنة من المطارنة لدراسة الأسماء التي رشحها المجمع المقدس، وهي 16 مرشحًا، واستبعدت اللجنة أربعة منهم واحد اسمه الأب كيرلس السرياني ولا يوجد راهب بهذا الاسم، واثنان لا ينطبق عليهما أحد الشروط وهو ألا تقل مدة الرهبنة عن 15 سنة، وواحد استبعدوه لأنه محب للوحدة، وبقى بعد ذلك 12 مرشحًا، وأجرى أعضاء المجمع المقدس اقتراعًا سريًا فحصل 5 على أعلى الأصوات، كان الأنبا شنودة منهم.
وقرر المؤتمر أن يتم اختيار البابا طبقًا لنصوص الرئحة بحذافيرها.
“أعجبني البابا شنودة وما وجدت فيه كلمة تُخالف الإسلام”.. الشيخ الشعراوي
بكاء البابا شنودة
“بكيت لأني شعرت بالمسئولية العظيمة التي ستقع على كاهلي”.. يتذكر البابا شنودة- لحظة إعلانه بطريركًا للقرازة المرقسية.
وسار موكب يضم عشرات السيارات تتسابق: من يصل أولاً ليستقبله البابا الجديد؟
وصل البابا شنودة صلاة الشكر في كنيسة الكاتدرائية مع الوفود التي حضرت.. ورتل الشمامسة ألحان الفرح.
وتناول الجميع طعام الغداء في الدير.
وجاء حفل التنصيب يوم الأحد 14 نوفمبر. وأذيع الاحتفال بالراديو والتلفزيون على الهواء مباشرة.
ولبس الأنبا شنودة تاج البابوية وسط تراتيل المرتلين وتسليم الصليب وعصا الرعاية.. مع كلمات كبير الأساقفة: “تسلم عصا الرعاية- من يد راعي الرعاية الأعظم يسوع المسيح لترعى شعبه وتغذيه بالتعاليم المحيية، فقد ائتمنك على نفوس رعيته ومن يديك يطلب دمها”.
فيقول المرتلون: اكسيوس- مستحق.
وينطلق البخور..
ثم يصعدون به إلى كرسي الرياسة..
ويقول البابا شنودة:
كان احتفال التنصيب يمثل وحدة شعب مصر.. لم يحضره الأقباط وحدهم ولكن حضره المسلمون أيضًا.. في كل مناسبة نحن والمسلمون معًا لا نفترق.
علاقة البابا والشعراوي
“علاقتي به بدأت بالاختلاف.. سمعت أنه يثير الأقباط في أحاديثه في التلفزيون.. وعرفت بعد ذلك أنه مريض يرقد في مستشفى في لندن، ووجدت مشاعري معه وأحسست بالقلق عليه، فاتصلت ببعض الكهنة المصريين في لندن وطلبت منهم أن يقوموا بزيارته بالنيابة عني، واتصلت بالطبيب المعالج وهو مصري قبطي أعرفه جيدًا وأوصيته أن يبذل أقصى ما يستطيع ويتفرغ لعلاج الشيخ الشعراوي.. وعندما عاد بالسلامة إلى مصر زارني وقال ليّ: أولادك هناك طوقوا عنقي”.
هكذا بدأت علاقة البابا بالشيخ الشعراوي.
لقاءات كثيرة جمعتهما، ويذكر منها البابا شنودة، لقائهما في القصر الجمهوري لتهئنة الرئيس مبارك بنجاته من مؤامرة أديس أبابا، وقال ليّ الشعراوي: لقد قرأت كتابك كله – نسخة من ديوان “انطلاق الروح” الذي يضم بعض أشعار البابا.
وأضاف الشعراوي: أعجبني وما وجدت فيه كلمة تخالف الإسلام.
وقال شنودة: المحبة دائمًا تنتصر وليس العداوة.
“المسيحية ليس فيها تنظيم سياسى وليس لها دعوة سياسية”.. البابا شنودة
المسيحية السياسية
هل هناك تيار “المسيحية السياسية” في مواجهة “الإسلام السياسي”؟
يقول البابا شنودة:
ليس هناك شئ اسمه المسيحية السياسية.. فالمسيحية ليس فيها تنظيم سياسى وليس لها دعوة سياسية.. هي دعوة روحية في الأساس والكنيسة المصرية تاريخيًا منذ إنشائها تحرص على الصلاة من أجل رئيس الدولة وقياداتها، ونحن ندين بالولاء دائمًا للوطن، وندعو في صلواتنا أن يمد الله رئيس الدولة بروح النصر ويلهمه الحكمة والسداد.. إخلاصنا للحاكم أمر عقيدي يوصينا به الكتاب المقدس.. نحن لايمكن أن نكون معارضة للحكم.. ونحن نرفض المعارضة ونرحب بالحوار واختلاف الآراء وتعدد الاجتهادات من أجل الصالح العام.
وعن إنشاء حزب سياسي للأقباط، يقول البابا: في فبراير 1998: “ظهر إعلان في بعض الصحف عن تأسيس حزب قبطي من مجموعة تربط معظم أفرادها صلة قرابة، وفي الإعلان أنهم حزب السلام الاجتماعي وصيانة الوحدة الوطنية، وقد حدث ذلك قبيل ثورة 1919 حينما قام أخنوخ فانوس، بإنشاء حزب قبطي باسم “الحزب المصري”.
وحين دعين لندوة في نقابة الصحفيين في يونيو 1990، قلت: “إننا لا نوافق على قيام حزب ديني مسيحي في مصر.. الأقباط باستمرار يعملون داخل الأحزاب العامة متعاونين مع إخوتهم المسلمين في العمل السياسي، ولا ننسى أن مسيحيًا كان مرشحًا لعضوية مجلس الشعب على رأس قائمة التحالف الإسلامي ونجح”.
السادات ودولة الأقباط
هل تعاطف البابا شنودة مع الذين طالبوا بإنشاء دولة للأقباط في مصر؟
يجيب: هذه الفكرة الغريبة كان أول من أثارها هو الرئيس أنور السادات في خطابه عام 1980، وأعلن أن البابا كيرلس السادس حينما زار إثيوبيا عرضت عليه هذه الفكرة فغضب وعاد مباشرة إلى مصر، وبمجرد أن استمعت إلى هذه القصة أعلنت بكل الوسائل أن فكرة إنشاء دولة قبطية تدخل في باب الدعاية أو الخرافة أو اللامعقول، ومع ذلك ناقشت بالفكرة بالعقل.
قلت أولاً: هل من المعقول أن الأقباط يتركون جميع مقدساتهم في القطر المصري كله لكي يتوقعوا في أسيوط؟.. يتركون أديرة وادي النطرون والبحر الأحمر أقدم أديرة في العالم.. يتركون أماكن زارتها العائلة المقدسة في أنحاء مصر.. يتركون الكاتدرائية في العباسية ومقر الكرسي المرقسي في الإسكندرية ومقر مارمرقس ورفات القديسين.. يتركون الاحتفالات الضخمة التي يقيمونها في بلقاس، وسنباط، وميت دمسيس والرزيقات، وفي كل مكان لكي يحشروا أنفسهم في منفى؟
“مشاكل العرب لا حل لها بغير وحدة عربية”.. البابا شنودة
عروبة الأقباط
يقول البابا شنودة عن عروبة الأقباط في مصر: العروبة جزء رئيسي في تكوين كل الشعب المصري، والثقافة العربية والحضارة الإسلامية عنصر رئيسي فاعل في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، عروبتنا لاشك فيها.. نحن مصريون عرب أقباط.. ونحن نرى أن مشاكل العرب لا حل لها بغير وحدة عربية.. والتفكيك العربي على مدى التاريخ لا يستفيد منه إلا أعداء العرب.
وقال البابا:
أن أول شهيد في حرب 6 أكتوبر لم يكن شهيدًا واحدًا، ولكن كان هناك شهيدان سقطا معًا، في لحظة واحدة، وهما متعانقان أحدهما المقاتل غريب أحمد، والتوأم الثاني هو شنودة.. وهذه الواقعة تجسيدًا لكل ما يمكن أن يُقال.
وأضاف:
في معارك 1967 استشهد اللواء شفيق متري سدراك، ونشرت الصحف عن المقاتل جورج الذي رفع العلم مع زملائه.. والشهيد نشأت بخيت الذي اختيرت والدته الأم المثالية لمصر في عيد الأم عام 1974 تكريمًا لبطولة ابنها، وسأظل أذكر العبارة التي كتبها الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل في الأهرام في نوفمبر 1973، وقال فيها: “لقد استطاع أحمد وجرجس، وعويس ومرقص، أن يواجهوا موشيه وحاييم وآري..”.
“لأا أثق في حكومة إسرائيل ولا أثق في نوايا إسرائيل ولا أثق في صدق رغبتها في السلام”.. مثلث الرحمات
العلاقة مع إسرائيل
“حكومة إسرائيل تقتل وتشرد وتسجن الفلسطينين.. وتحرمهم من الوطن.. ولقمة العيش.. والكرامة.. ثم يدعون في إسرائيل أن هذه الحكومة تحقيق لنبوءة التوراة”.
البابا شنودة، الذي خرج في شبابه المبكر في المظاهرات المطالبة بالحرية ومحاربة الاستعمار، والذي عاش في مدرسة الوطنية تلميذًا مخلصًا، ثم معلمًا كبيرًا، ما زال على موقفه يرفض دخول المدينة المقدسة وهي تعيش تحت الحصار.. مدينة الله أسيرة العدوان.. فلا يدخلها المؤمنون إلا رافعي الرؤوس.. ولن يدخلها الأقباط إلا مع المسلمين.. كنيسة القدس والمسجد القدسي تحيط بها الدبابات الإسرائيلية معًا.. والجرح ينزف من المسلمين والمسيحيين معًا.
“لا أثق في حكومة إسرائيل، ولا أثق في نوايا إسرائيل، ولا أثق في صدق رغبتها في السلام.. ولا أثق في أمانتها على المقدسات المسيحية والإسلامية”.. كانت حيثيات البابا لرفضه دخول تل أبيب.