من يمكنه أن يسمع أنات  المرضى الآن، من بمقدوره أن ينتزع هذا الألم الذي ينخر عظامهم، فالعالم لا يزال مشغولًا بمواجهة وباء كورونا، والمستشفيات العامة والحكومية، لن تستأصل هذا الألم جراحيًا، طالما ترى أن الحالة ليست طارئة أو حرجة، أي وضع حرِج أكثر من الألم، أليس الوجع طارئ، ألم تعد للصرخات صداها، إلى أين يذهب الموجوعون في زمن “الآي آي.

شهادات المرضى، ممن تحتاج حالاتهم لتدخل جراحي، كانت واضحة لتجسيد معاناة العديد من المواطنين منذ انتشار فيروس كورونا المستجد، في ظل توجه المستشفيات العامة والجامعية لتأجيل العمليات الجراحية للحالات غير الطارئة.

“حالتك غير طارئة”

من 3 شهور حسيت بألم شديد في جنبي الشمال، كشفت عند دكتور خاص طلب مني أشعة، ظهر فيها حصوتين على الكلى، وكتب لي على علاج، لكن نصحني بعمل عملية بسرعة علشان حجمهم كبير وصعب ينزلوا بالعلاج، قالي العملية هتتكلف 10 آلاف جنيه، وممكن يعملها لي عنده في العيادة، ما كنتش أقدر على تكاليف العملية، فمشيت وما رجعتلوش تاني”.. هكذا يروي شريف عبد الله، 44 سنة، سائق “توك توك”، مُعاناته مع الوباء.

يستكمل شريف: “مشيت على المُسكنات لمدة أسبوع كل يوم حقنة فولتارين، لكن في ليلة تعبت جامد بليل فروحت مستشفى الفيوم العام، في الطوارئ عطوني محاليل ومسكنات، وطلبت من الدكتور يحولني للجراحة، فقالي، علشان ما اضحكشي عليك، مفيش دلوقت تحويل للعمليات غير للحالات الطارئة، علشان ظروف كورونا ومش هيعتبروا حالتك طارئة”.

يتابع شريف: “اضطريت أبيع حلقان البنات واستلفت المبلغ الباقي وعملت العملية،  أنا راجل على باب الله ما املكشي حاجة، اللي زيي يعمل إيه يعني يموت من المرض”.

الطبيب بقسم الطوارئ بمستشفى الفيوم العام، والذي فضل عدم ذكر اسمه يقول :”قبل كورونا كنا نحرر للمرضى الذين يعانون من حصوات سواء على الكلى أو المرارة أو في الحالب، أو أي مرض آخر يستدعي تدخل جراحي غير عاجل، استمارة دخول للمستشفى، بعد إعطاءه علاجات مُسكنة، ليراه الطبيب المختص مباشرة أو في الصباح إذا دخل المريض المستشفى ليلًا، وفي الغالب كان يحدد له عملية جراحية في خلال أيام أو أسابيع قليلة على الأكثر.

ويضيف طبيب الطوارئ، منذ انتشار فيروس كورونا لم نُجري أية عملية غير طارئة بالمستشفى، والحالات التي تأتي إلى قسم الطوارئ يتم إعطائها العلاجات اللازمة ثم تنصرف.

وعن تحديد الجراحات الطارئة يقول الطبيب: “في الحقيقة لم نعد نعتبر الكثير من العمليات طارئة، ونُقصر هذا التعريف في ظل كورونا على حالات النزيف أو خطر فقد أحد الأطراف، أو حالات المصران الأعور، وغير ذلك من الحالات المهددة بالخطر في حالة عدم التدخل الجراحي.

مستشفى الفيوم العام

“سيب رقمك وهنتصل بيك”

تقول “دنيا علي”، موظفة بمحليات القاهرة: “توجهت مع والدتي في شهر أبريل الماضي إلى مستشفى القاهرة الفاطمية بالدراسة، للكشف على عينها اليمنى، فهي لا ترى بها جيدًا منذ فترة وتؤلمها بشدة، بعد الكشف أجرت أشعة وتحليل للعين، وقال الطبيب إن العين مصابة بالمياه الزرقاء، وأن عصب العين متأثر بشكل كبير ولا بد من إجراء عملية جراحية، سُجلت الحالة، وأخذوا رقم الهاتف وأخبرونا أنهم سيتواصلون معنا لتحديد موعد العملية، لكن حتى شهر يوليو لم يتواصل معنا أحد، فاضطررنا لإجراء عملية في مستشفى خاص تكلفت 15 ألف جنيهًا.

تضيف “دنيا”: “أخذت سلفة بضمان المرتب، واستكملت الجزء الباقي من اختي المتزوجة، لم أتحمل أن أرى  أمي تخسر عينها، فلم يعد لها غيري بعد وفات والدي وزواج أختي الكبرى.

“فوت علينا بعدين”

“فرح”، 58 سنة، تقول: ” ماشية على العلاج من سنيين علشان القولون، لكن في شهر 6 حسيت بألم شديد في فُم المعدة، فنصحوني أروح مستشفى أسيوط الجامعي، قالوا إنها كويسة والدكاترة عندهم رحمة، روحت وكشفت، وتعاملوا معايا بشكل محترم أوي، الدكتور قال إني محتاجة عملية منظار، وإنهم سجلوني، وابقى أخلي حد يعدي يسأل.

تتابع “فرح”: “كل أسبوع ابني يعدي على المستشفى، يقولوا له مفيش عمليات دلوقت غير للحالات الطارئة، أصبر شوية وابقى تعالى اسأل.

تستكمل “فرح”: “سألنا على العملية بره قالوا هتتكلف 5 آلاف جنيه، واحنا ناس غلابة، ابني شغال في مصنع رُخام ومعاه 3 عيال، هو بيقولي هاتصرف واعملهالك، بس انا بقولوا أنا بقيت كويسة ومرتاحة على العلاج بس في الحقيقة تعبانة.

مستشفى أسيوط الجامعي، أصدر بيانًا، بعد تردد شائعات عن غلق قسم الجراحة بالمستشفى قال فيه: “إن هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة، وما حدث أن المستشفى أصدر قرارًا مع  بداية انتشار فيروس كورونا بتأجيل أية عمليات اختيارية أو غير عاجلة للمرضى، لحين إشعار آخر، وهو نفس الإجراء الذي تم تطبيقه في عدد من الأقسام الطبية ضمن خطة موسعة تتضمن عدد من الإجراءات الاحترازية التي تهدف للحد من الكثافة العددية للمرضى المترددين على المستشفيات الجامعية ومنع انتشار العدوى بينهم.

وأضاف البيان: ” المستشفى الجامعي طوال تلك الفترة وحتى اليوم لم يتوقف عن إجراء العمليات الجراحية العاجلة والطارئة للحالات الحرجة والتي يلزمها تدخل جراحي فوري سواء بقسم الجراحة العامة أو أي قسم طبي آخر“.

بيان المستشفى الجامعي بأسيوط، لم ينفي في الحقيقة كلام “الست فرح”، بل إنه يؤكد ما قالته، فاقتصار العمليات الجراحية على الحالات الطارئة هي الأزمة التي يواجهها المرضى ممن أدلوا بشهادتهم في هذا التقرير.

معاناة المرضى

تضييق قائمة الجراحات الحرجة

الأزمة تنحصر في تضييق قائمة الجراحات الحرجة، وفقًا لطبيب الطوارئ بمستشفى الفيوم العام، والذي اقترح أن يؤخذ في الاعتبار الحالات التي قد يؤثر عدم التدخل الجراحي عليها بالسلب على المدى المتوسط، مثل جراحات العيون، أو تلك التي يستوجب التعايش معها ألم دائم يحتاج باستمرار إلى مسكنات ستؤثر حتمًا مع الوقت سلبيًا على المريض، مثل حالات الإصابة بالحصوات.

الحل في قوائم الانتظار

الدكتور فؤاد إسكندر، استشاري جراحة المسالك البولية، يرى ضرورة تسجيل كافة الحالات التي تحتاج لعمليات جراحية غير عاجلة، كما كان يحدث في قوائم الانتظار، والتي يُعتبر التسجيل فيها شبه متوقف، في أغلب المستشفيات، منذ انتشار فيروس كورونا المستجد.

يقترح إسكندر، تكوين لجنة في كل مستشفى من المستشفيات العامة والجامعية، والمُتخصصة التي تتبع الدولة، لبحث كافة الحالات التي تحتاج لعمليات جراحية غير عاجلة، والتي ستؤثر سلبًا على صحة المرضى في حال عدم إجرائها، وتحديد مواعيد لها، خاصة مع نقص الضغط الذي كانت تعاني منه المستشفيات في بداية أزمة كورونا.

يشير إسكندر، إلى أن أغلب المستشفيات لم تعد تعاني من ضغط الحالات المشتبه في إصابتها بفيروس كورونا، والتي كانت تحول من بعض الأطباء أو تأتي من تلقاء نفسها، بسبب انتشار الوعي نسبيًا بالأعراض، وطرق مُعالجة الأعراض البسيطة.

وذكرت دراسة أجريت في 11 دولة، ونشرت في “المجلة البريطانية للجراحة”، أن تأجيل العمليات الجراحية بسبب فيروس كورونا، يُمكن أن يُعرض حياة عدد كبير من الناس للخطر.

عملية جراحية

تدهور البقاء على قيد الحياة

وقال أنيل بانجو، جراح استشاري في وحدة أبحاث الصحة العالمية بالمعهد الدولي للجراحة في جامعة برمنجهام البريطانية، إن تدهور حالة المرضى، من الممكن أن يؤدي إلى تدهور إمكانية البقاء على قيد الحياة أثناء انتظارهم لإعادة جدولة مواعيد عملياتهم الجراحية.

وبحسب المجلة، فإن الدراسة بُنيت على معلومات من جراحين في 359 مستشفى من 11 دولة.