فصول دون سقف، جدران من الخوص، فرش من الحصير، هنا يتلقون العلم، لا يتعلمون القراءة والكتابة، بل كيفية الحفاظ على محاصيلهم الزراعية، وكيفية التعامل معها والاهتمام بها وأيضًا تسويقها، فكل هذا يتم بالمدارس الحقلية التي تنتظم بمختلف المحافظات المصرية، والتي تعتمد في الأساس على الزراعة.

التعلم بالممارسة

منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، عرفت المدراس الحقلية بأنها “نهج يشجع على التعلم بالممارسة، تُختبر خلاله التجارب ميدانيًا، في سياق نظام إيكولوجي محلي وأطر اجتماعية واقتصادية، كما أنها تعالج مشاكل التربة، وإدارة المحاصيل والمياه، وإكثار البذور واختبار الأصناف، والمكافحة المتكاملة للآفات، والزراعة المختلطة بالمراعي، وتربية الأحياء المائية، والحراجة الزراعية، والتغذية”.

و”تتيح المدرسة الحقلية للمزارعين مجالاً للتعلّم العَملي الجماعي، كما يتعلم المشاركون بها كيفية صقل مهاراتهم من خلال المراقبة والتحليل واختبار أفكار جديدة في حقولهم، مما يساهم في تحسين الإنتاج”.

الدكتور محمد الشربيني، الخبير الزراعي والمشرف على المدارس الحقلية، قال إن المدارس الحقلية في المحافظات المصرية لها أسس وقواعد، فهي تضم ما يقرب من 25 مزارعًا، وهناك مدارس تجمع بين السيدات والرجال، ومحافظات أخرى تقوم بالفصل بينهم، وتخصص مدارس للرجال وأخرى للسيدات.

ومن شروط المدرسة، أن تكون في وسط الأرض الزراعية، ويُشترط أن تكون الأرض المقام عليها المدرسة بعيدة عن الطريق العام، حتى يتمكن المزارعون من تبادل الخبرات والمعلومات بعيدًا عن الضوضاء، فبها يجتمع المزارعون من أعمار متقاربة تقريبًا، ينصتون للمعلومات التي تُطرح عليهم، كما يتشاركون بالتجربة والأسئلة أيضًا.

فصول تقوية

داخل المدرسة الحقلية، الجميع يجلس في صمت، ينصت للمعلومة التي يلقيها عليه المهندس الزراعي، ويتم عقد المدارس مرة واحدة كل 15 يومًا، ومدتها تصل لساعتين، بها يُقسم الوقت لنصفين، النصف الأول عنوانه الموضوع الرئيسي، وبه يتناول المرشد الزراعي محصولا معين للتحدث عنه، يبدأ من كيفية زراعته وصولا لوقت الحصاد.

أما النصف الثاني من الوقت، فيحمل عنوان الموضوع الإضافي، وبه يتلقى المرشد الزراعي أسئلة المزارعين ويرد عليها، كما ينقل تجاربهم الزراعية، ومن الممكن أن يحدد المزارعون الموضع الذي يناقش بهذا الوقت، فشعار المدارس الحقلية دومًا التعلم ومشاركة الخبرات.

النظام سيد الموقف داخل المدارس الحقلية، كما أن التجربة ميدانية، فعقب تلقى الدرس يخرج المزارع لتنفيذه فعليًا بالأرض الزراعية، وعقب الدروس النظرية، يقسم المزارعون لمجموعات يتجولون بالحقل بصحبة المرشد الزراعي، لتطبيق التجربة فعليا كما يقول “الشربيني”.

وزارة الزراعة تعمل على توسيع وانتشار فكرة المدارس الزراعية بمحافظات عدة، لتصبح تلك المدراس بديلًا للمناهج التقليدية للإرشاد الزراعي، فبدأت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أسلوب المدارس الحقلية للمزارعين في أوائل التسعينيات في مجال المكافحة المتكاملة للآفات في منطقة جنوب شرق آسيا، وامتد ليصل لدول عديدة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا ومنها مصر في مجال المكافحة المتكاملة من خلال المشروع المصري – الألماني للمكافحة المتكاملة عام 1996.

تدريب المرشد الزراعي

المهندس ماهر غريب مدير عام بالإدارة المركزية للإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة، قال إن المدارس الحقلية منتشرة بالمحافظات لنقل الخبرة والمعلومات، ويتم إقامتها على أرض زراعية واسعة بعد موافقة صاحبها، وإقامة جدرانها من الخوص، والمرشد الزراعي الذي يقوم بنقل المعلومات للمزارعين يجب أن يتمتع بصفات عدة، أولها قدرته على توصيل المعلومة للمزارعين بسهولة ويسر، وقدرته أيضًا على إدارة الحوار.

وأضاف “غريب” أنه نظرًا لأهمية تلك المدارس، فإنه يتم اختيار المرشد الزراعي بعناية خاصة، كما أنه لا يمكنه التدريس أو نقل المعلومات للمزارعين قبل اجتيازه الدورات التدريبية التي تؤهله لذلك من قبل وزارة الزراعة، ويساعده التدريب في التعامل مع المزارع، وإيصال المعلومة له.

دور المرأة

المرأة لا تغيب عن المدارس الحقلية، فالسيدات لهن أدوار عدة في الأراضي الزراعية، يُشاركن أزواجهن في جني المحصول وموسم الحصاد، كما يشاركن أيضًا في تلك المدراس للتعرف على أحدث الطرق والأساليب الزراعية، كما يتعرفن على كيفية التعامل مع المحاصيل الزراعية، حتى يصلن لموسم حصاد ناجح دون خسائر في المحاصيل.

وللتكنولوجيا دور هام أيضًا، فبحسب حديث “الشربيني”، فإن الحصص المدرسية الحقلية تتضمن مساعدة الفلاحين والمزارعين على الاطلاع على الوسائل الحديثة والتكنولوجية في الزراعة، أو كيفية البحث عن معلومات خاصة بمحصوله عبر شبكة الإنترنت إن كان مستخدمًا لها، كما تساعده المدرسة أيضًا في عمليات التسويق الإلكتروني للمحصول، من أجل الحصول على أفضل نتائج ومكاسب.

شعار المدارس الحقلية في مصر، تعلم الأساليب الزراعية الحديثة، وزيادة الرقعة الزراعية، والاهتمام بجودتها، وموادها الدراسية المشاركة والتجربة الفعلية ونقل الخبرات بين طلابها من المزارعين.