تجسد الفيوم، صورة متكاملة/مصغرة من مصر النيلية كلها، فـ”بحر يوسف” بواديه، بالنسبة للفيوم، يُشبه ما يمثله النيل وواديه ودلتاه بالنسبة لمصر، فعند مدينة الفيوم يتفرع “بحر يوسف”، مكونًا دلتا في قلب الفيوم هي دلتا بحر يوسف، مماثلة إلى حد كبير لدلتا النيل الكبرى.

وكما تنحدر دلتا النيل نحو الشمال، ينحدر حوض الفيوم على شكل مدرجات عديدة، وكما تنتهي دلتا النيل إلى بُحيرات الشمال ثم البحر المتوسط، تنتهي الفيوم إلى بُحيرة قارون في الشمال الغربي، حيث تعتبر بُحيرة قارون بحرها المتوسط، كما يصفها الدكتور جمال حمدان في كتابه “شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان”.

تتمتع الفيوم، بمقومات متعددة، بيئية وزراعية وصناعية وتراثية، تجعلها تقفز إلى مستويات عالية من التنمية، وتُساعدها في الخروج من ترتيب المحافظات الأكثر فقرًا.

وصلت المساحة المنزرعة بالنباتات الطبية والعطرية بالفيوم إلى 15 ألف فدان بنسبة  22% من إجمالي المساحة المنزرعة في مصر

التنمية الزراعة

منذ تنفيذ مشروع منخفض وادي الريان كمصرف إضافي للفيوم، إلى جانب بُحيرة قارون، خلال فترة السبعينيات، تخلصت الفيوم إلى حد كبير من أزمة تصريف فائض مياه الزراعة، وهي الأزمة التي منعت ضخ كميات مياه كبيرة إلى بحر يوسف، خوفًا من مشكلة التصريف، ما كان يمنع بدوره  زيادة مساحة الأراضي المنزرعة في الفيوم.

زالت المشكلة، نسبيًا بالتصريف في منخفض وادي الريان، فمنذ ذلك الحين انفتح أمام الفيوم ليس فقط إمكانية توسيع الرُقعة الزراعية واستصلاح أراضي جديدة، بل التوسع في أنواع جديدة من الزراعات.

تغير التركيب المحصولي في الفيوم، خلال الثلاثة عقود الأخيرة بشكل كبير، فعلى الرغم من إبقاء الفلاحين على بعض الزراعات التقليدية خاصة القمح، إلا أن تلك الزراعات تقلصت لصالح زراعات جديدة أشهرها النباتات الطبية والعطرية.

قفزت زراعة النباتات الطبية والعطرية في الفيوم، خلال السنوات الماضية، بشكل كبير، خاصة البردقوش والنعناع الفلفلي وحشيشية الليمون، حيث وصلت المساحة المنزرعة بالنباتات الطبية والعطرية إلى 15 ألف فدان، بنسبة  22% من إجمالي المساحة المنزرعة بالنباتات الطبية في مصر، ويبلغ الإنتاج الشتوي من النباتات العطرية في الفيوم  20 ألف طن، والصيفي 10 آلاف طن، وتحتل الفيوم المرتبة الأولى في تصدير النباتات الطبية والعطرية على مستوى مصر.

للفيوم تاريخ طويل في زراعة الموالح والعنب، لكن هذه المحاصيل تدهورت نظرًا للزحف العمراني، أو تحويل “جناين الفاكهة” لأراض زراعية ومحاصيل موسمية، لسهولة الإنتاج وارتفاع أسعار تلك المحاصيل، ولعدم احتياجها لتكاليف ومقاومة طويلة المدى مثل التي تحتاجها أشجار الفاكهة، لكن لا زالت هناك مساحات كبيرة، يمكن من خلال دعم الدولة لأصحابها وتوفير الإرشاد الزراعي وتسويق منتجاتهم، أن تعود لمكانتها في الإنتاج، خاصة مع زيادة صادرات مصر من الموالح خلال السنوات الماضية.

الزراعة في الفيوم
الزراعة في الفيوم

 

يعيش نحو 6 آلاف صياد على مهنة الصيد ببحيرة قارون، والتي كانت تنتج نحو 3 آلاف طن سنويًا قبل أن تواجه العديد من المشكلات، منذ 2014

الثروة السمكية

تقع بُحيرة قارون، في الجزء الشمالي الغربي لمحافظة الفيوم، وهي من أقدم البُحيرات الطبيعية في العالم، وهي الجزء الباقي من بُحيرة موريس القديمة، وتبلغ مساحتها الحالية 53 ألف فدان، تتغذى من مصرفين زراعيين رئيسيين هما: البطس والوادي إضافة لـ 12 مصرفًا فرعيًا، ويعيش بالبحيرة العديد من أنواع الأسماك مثل “البلطي، البوري، الدنيس، القاروص، الموسى والجمبري الأبيض”.

يعيش نحو 6 آلاف صياد، على مهنة الصيد ببحيرة قارون، والتي كانت تنتج نحو 3 آلاف طن سنويًا، قبل أن تواجه العديد من المشكلات، منذ 2014، منها  زيادة الملوحة الناتجة عن عملية البخر، والصرف الزراعي المُحمل بالأملاح، ما أدى إلى تغيير بيئة البحيرة فانقرضت بذلك أنواع الأسماك النيلية مثل “القرموط، الثعابين والبياض، البني واللبيس”، كما زاد تلوث مياهها نتيجة الصرف الصحي غير المُطابق للمواصفات.

تأثر الصيادين، بشكل بالغ بعد تراجع إنتاج البُحيرة، ما أدى لهجرة الكثير منهم للعمل في بُحيرة ناصر بأسوان، بينما حافظ آخرون على عملهم، ورغم تعدد أشكال التنظيم لصيادي البُحيرة، إلا أن هذه التنظيمات كان تأثيرها ضعيفًا ما غيبها عن المشاركة الفعالة في مُناقشة وتنفيذ خطط تنمية البحيرة المعدة من السلطات المُختصة.

الوضع أفضل حالًا بالنسبة لبحيرة وادي الريان أو مسطحات وادي الريان، والتي تُعد جزءً من محمية وادي الريان بالفيوم، وتبلغ مساحتها 50.9 كم2، وتتكون من بُحيرتين تربطهما منطقة شلالات، وتعتبر مصدرًا هامًا من مصادر الثروة السمكية، وتتمتع بمياه شبه عذبه، لذا فمعظم إنتاجها من الأسماك النيلية ماعدا العائلة البورية والقاروص، تُنقل للبُحيرات في صورة زريعة تُجلب من سواحل مصر البحرية، وتنتج مسطحات وادي الريان آلاف الأطنان من الأسماك في الموسم.

وضعت الجهات المشرفة على البحيرة، خططًا لتنمية البحيرة وحل مشكلاتها كان من بينها، الاستعانة بـ 5 كراكات لتطهير قاعها ووضع مخطط لإنشاء حزام آمن وفلتر ميكانيكي وحوض تهدئة أمام مصب مصرف البطس، للحد من تلوث البُحيرة.

كافة المُخططات،لم يُنفذ منها سوى أعمال التكريك، إضافة لإلقاء 5 ملايين من زريعة الجمبري في شهر أغسطس من العام الماضي 2019 داخل بُحيرة قارون.

وتحتاج بحيرة قارون، إلى خطط طموحة تتبناها الدولة للعودة إلى إنتاجها القديم من الأسماك، وعودة الصيادين الذين هجروا ُقراهم للعمل في بُحيرات أخرى مثل بحيرة ناصر.

الصيادين
الصيادين

 

تتركز صناعة الفخار والخزف بالفيوم في قرية النصارية ومجمع كوم أوشيم لإنتاج الفخار وقرية تونس صاحبة الشهرة الفنية والسياحية الأكبر

الصناعات والحرف اليدوية

صناعة الفخار في الفيوم، امتدادًا تراثيًا لقرون طويلة احترف فيها أهلها هذه الصناعة، وأضافوا إلى ما ورثوه أبعادًا فنية جديدة خلقها فنانون عفويون، عشقوا المهنة واحترفوها لسنوات طويلة.

تتركز صناعة الفخار والخزف بالفيوم، في قرية النصارية ومجمع كوم أوشيم لإنتاج الفخار، وقرية تونس صاحبة الشهرة الفنية والسياحية الأكبر، والتي أنشأت فيها الفنانة السويسرية إيفلين بوريه مدرسة لتعليم صناعة الفخار والخزف، أسهمت في تعليم أجيال جديدة من فتيات وشباب القرية فنون الصناعة، وتحويل القرية لمقصد سنوي للعديد من فناني العالم ومسوقي الخزف والفخار بعد تأسيس المهرجان السنوي للخزف والفخار.

الصناعات والحرف اليدوية
الصناعات والحرف اليدوية

 

تضم المنتجات الخزفية، أطباق وبولات وأطقم شاي وفازات وتُحف، أما الأدوات الفخارية فمنها طواجن الطعام والفخار الكبير كزلع الزينة والفازات والأباجورات والنافورة، إلى غير ذلك من المنتجات الخزفية والفخارية، التي أخذت سمعة محلية وعالمية كبيرة بسبب جودتها العالية، ويُصدر المنتجون وأصحاب الورش منتجاتهم للعديد من الدول الأوروبية.

صناعة الفخار والخزف، تمر بأزمة كبيرة، نتيجة إهمالها من قبل الحكومة، رغم أهميتها الكبيرة وما يمكن أن تضيفه من تنمية اقتصادية بالمحافظة، ويمكن ضرب مثالًا بدولة تونس، والتي دعمت هذه الصناعة وطورتها، ما زاد من التصدير وساهم في التنمية السياحية.

من بين الصناعات التُراثية الهامة أيضًا في الفيوم، صناعة السلال من الخوص، والأثاث من جريد النخيل، وتُعد حرفة قديمة غير معروف تاريخ دخولها الفيوم، لكن المصريين القُدماء استخدموها في حفظ الأطعمة، وتعتمد الصناعة على نباتات تنمو على أطراف البرك والترع، والبُحيرات.

منتجات السلال، تضم السبت، بأنواعه المُختلفة، والقُبعات، والزُهريات، والشُنط، وغير ذلك من المنتجات، إضافة لصناعة الأثاث من جريد النخيل، وجميعها مُنتجات صديقة للبيئة، يمكن أن تحل بديلًا لمئات المُنتجات البلاستيكية المُستخدمة بكثرة داخل البيوت المصرية، حيث يبلغ حجم المنتجات البلاستيكية المستخدمة للاستهلاك الشخصي 4 مليارات جنيه سنويًا.

العديد من الدول الآسيوية والإفريقية، تبنت خططًا طموحة لتنمية هذه الصناعة، ونجحت في غزو الأسواق الأوروبية، وبعض الدول الخليجية استبدلت المنتجات البلاستكية بمنتجات من الخوص وجريد النخيل، وحققت نجاحات كبيرة في هذا الاتجاه.

شهدت الفيوم، العديد من التجارب الفردية لتصدير مُنتجات الخوص الـ”هاند ميد” لدول أوروبا، لكنها لا يُمكن أن تُساعد في ازدهار تلك الصناعة التراثية والتي تحتاج إلى خطط تتبناها الجهات الرسمية بالمحافظة.

كانت المياه تُغطي منخفض الفيوم بأكملها منذ حوالي 30 مليون سنة

بقايا الحيوانات
بقايا الحيوانات

التراث وصحراء الفيوم

كانت المياه تُغطي منخفض الفيوم بأكملها منذ حوالي 30 مليون سنة، وبعد ذلك بعشرين مليون سنة أصبح شاطئ البحر المتوسط  قريبًا من وضعه الحالي، وفي هذه الأثناء تكونت دلتا الفيوم القديمة والتي تحتوي الآن على بقايا حيوانات فريدة من بينها أقدم القردة الإنسانية، وبقايا لهياكل حيتان وسلاحف وثعابين بحرية، وأفيال ترجع لـ 40 مليون سنة، والموجودة في محمية وادي الحيتان والتي أعلنتها “اليونسكو” محمية طبيعية ومنطقة تُراث عالمي.

وتضم محميات الفيوم الطبيعية فى بحيرتى قارون ووادى الريان، آلاف الأنواع من الطيور المُقيمة والمُهاجرة، مثل طيور الغر، والبلاشون، والكوهية والفلامنجو  والخضراوي والكوركي والزرقاوي والبجع والبلسان والصقور النادرة، وهو ما يتيح سياحة مراقبة الطيور وسياحة صيد الطيور، غير الجائر.

صحراء الفيوم، غنية بالنباتات الخاصة وتكويناتها الجيولوجية والجبال والتلال والعيون الطبيعية كعيون السليين ووادي الريان، والحيوانات البرية النادرة، وأعلنت الصحراء الواقعة شمال بحيرة قارون وحول بحيرات وادى الريان محميات طبيعية نظرًا لاحتوائها على مكونات بيئية وطبيعية نادرة .

وتتيح الصحراء الفيوم، سياحة السفاري والسياحة الرياضية والعلاجية والبيئية، إضافة للسياحة الثقافية لزيارة مواقع الحفريات القديمة لآثار ما قبل الإنسان، إضافة  للآثار الفرعونية واليونانية والرومانية، وهو ما يحتاج خططًا طموحة لتسويق هذه الإمكانيات البيئية والتراثية المهدرة.