الأمل دائمًا في الشباب لتغيير الواقع الأليم، وكل طُرق التغيير تبدأ بخطوة ثم خطوات أكبر، وبحماس شديد قد يخفت، ولكنه لا ينقطع، هذا ما يُميز شباب “الوحدات المُتنقلة” التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، وهم مجموعة شباب أخصائيين نفسيين واجتماعيين يجوبون الشوارع بحثًا عن الأطفال بلا مأوى، لإنقاذهم من الشوارع.

17 وحدة مُتنقلة لمبادرة أطفال وكبار بلا مأوى، والتي بدأت عام 2016، في تجول محافظات مصر، بحثًا عن الحالات التي تتخذ الشوارع محلًا للإقامة، لتوفير الدعم النفسي والصحي لهم، وإلحاقهم بدور الرعاية التابعة للوزارة، جميعهم شباب يمتلكون الطاقة ويؤدون رسالتهم العملية في تغيير المجتمع.

يعمل البرنامج بالتنسيق بين وزارة التضامن الاجتماعي، وصندوق “تحيا مصر”، ويستهدف 16 ألف طفلًا في 13 محافظة هي الأعلي كثافة في وجود الأطفال، وذلك بحسب المسح الذي أجراه فريق عمل البرنامج والمكون من 3500 فرد.

83% من أطفال الشوارع في مصر ذكور و17% مهم إناث.. إحصائية لوزارة التضامن

أطفال الشوارع

“أطفال الشوارع”، كان هو المسمى الرائج للأطفال بلا ماوى، في الثمانينيات، وعرفتهم منظمة “يونيسيف”، بأنهم أي طفل ذكر كان أو أنثى، اتخذ من الشارعِ محلًا للحياة والإقامة دون رعاية أو حماية أو إشراف من جانب أشخاص راشدين.

وبحسب إحصائيات وزارة التضامن الاجتماعي، فإن 83% من أطفال الشوارع في مصر ذكور، و17% مهم إناث، ويُعد سوء الحالة المالية للأسر سببًا رئيسيًا لنزول هؤلاء اﻷطفال للشوارع، وفقًا لما قاله 38.7% منهم، و21.4% قالوا إنهم يرتاحون أكثر فى الشارع، فى حين يوجد 11.6% هاربين من أسرهم، و8.3% ليس لديهم سكن.

وأوضحت الإحصائية، أن 21.7% من أطفال الشوارع متسولون، و25.2% بائعون، و20% يعملون بمهن مختلفة، و36.9% منهم يدخنون السجائر، و20% يتعاطون موادًا مُخدرة مختلفة من بينها الكُلة والحشيش والبرشام والحقن والبانجو، كما أن 9% من الأطفال الإناث متزوجات، و2.8% منهن يبعن أبناءهن، و12.4 يتسولن بهم.

واللافت للنظر، أن  21.5% من أطفال الشوارع يرفضون العودة لأسرهم، و18.5% يرغبون فى توفير مسكن لهم، و5.8% ليس لهم أهل.

تلقى برنامج حماية أطفال وكبار بلا مأوى  614 بلاغاً خلال الفترة من 1 يناير حتى 31 يوليو 2020

أطفال بلا مأوى
أطفال بلا مأوى

614 بلاغ خلال النصف الأول من 2020

تلقى برنامج حماية أطفال وكبار بلا مأوى،  614 بلاغاً خلال الفترة من 1 يناير حتى 31 يوليو 2020، وقالت وزارة التضامن، إنه تم استقبال 211 بلاغًا من منظومة الشكاوى التابعة لمجلس الوزراء، وتم تنفيذ 205 بلاغًا، وجاري تنفيذ 6 بلاغات بمعدل إنجاز 97%.

وتعمل منظومة البلاغات بالبرنامج منذ 25/5/2020، حيث تم تلقى 1270 بلاغ من عدة مصادر أهمها منظومة الشكاوي الحكومية، المواطنين، وسائل التواصل الاجتماعى.

تصدرت القاهرة، عدد البلاغات بإجمالى 259 بلاغًا، ثم مُحافظة الجيزة بـ 136 بلاغًا، تليها الإسكندرية بـ103 بلاغات، ثم المنيا بـ42 بلاغ، والشرقية بـ13، والقليوبية بـ35، والغربية بـ7بلاغات، وبلغ عدد بلاغات الكبار بلامأوي 343 بلاغًا، والأطفال 271 بلاغ.

الوحدات المتنقلة والطفل

تُنفذ وزارة التضامن الاجتماعي، برنامجًا متكاملًا للحد من ظاهرة الأطفال بلامأوى يتكون من 17 وحدة متنقلة تجوب 13 محافظة هي الأعلى كثافة للأطفال “القاهرة، الجيزة، القليوبية، الاسكندرىة، المنوفية، الشرقية، الغربية، بورسعيد، السويس، بني سويف، اسيوط، المنيا”.

وتتكون الوحدة المتنقلة لوزارة التضامن، من منسق عام وأخصائي نفسي وأخصائي اجتماعي وأخصائي إدارة حالة ومسعف، جميعهم مُدربين على التعامل مع الأطفال والكبار وخضعوا لدورة إسعافات أولية”.

في رحلتنا مع وحدة الجيزة المتنقلة، كان لنا حديثًا مع منسقها العام ماهر صادق، والذي أكد أن الوحدة تبدأ عملها من العاشرة صباحًا حتى العاشرة مساءً بفريقين نهاري ومسائي، وتتنقل ما بين عدد من المناطق للبحث عن فئات الأطفال المستهدفة ما بين فيصل والهرم والمريوطية وأكتوبر والحصري وما في نطاق جنوب الجيزة.

ويقسم “صادق”، الأطفال بلا مأوى في الشارع إلى 3 أقسام أطفال يتخذون من الشارع مأوى لهم وهم بلا أسر، وأطفال يعملون بالشارع لفترات طويلة ثم يعودون ليلاً لأسرهم أو قد لا يعودون ويندرجوا تحت مسمى “عمالة الأطفال” ويندمجون مع ثقافة الشارع، وفئة ثالثة هم أطفال يعيشون مع أسرهم بالشارع.

وأشار إلى أن الوحدة تتلقى بلاغات من المواطنين أيضًا، قائلًا: “أوقات بيجيلنا بلاغ وننزل المنطقة للبحث عن الطفل وقد نجده أو لا وفي هذه الحالة نزور المنطقة كل فترة للبحث عنه أثناء خط سيرنا العادي”.

الوحدات المتنقلة تجد صعوبة في التعامل مع الحالات المتواجدة في الشارع منذ سنوات

الوحدات المتنقلة بوزارة التضامن
الوحدات المتنقلة بوزارة التضامن

لماذا الشارع؟

استطاعت الوحدة، أثناء تنقلها في شارع الهرم أن تلتقط 5 أطفال منهم شقيقان جميعهم يعملون بالشارع ويرفضون العودة لأسرهم، تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات حتى 13 سنة.

يقول محمد عنتر، الأخصائي الاجتماعي للوحدة، إن غالبية الأطفال المتواجدين في الشارع يخضعون لإشراف “القواد” وغالبًا هو طفل شارع كبير في سن 18 عامًا، ويقود عددًا من الأطفال الصغار في أعمال التسول أو العمل في مواقف السيارات أو أي مهنة في الشارع، وأحيانًا تقوم الوحدة بكسب وده حتى لا يصبح عدوها ويمنع الأطفال من التعامل معهم.

يتابع عنتر: “أغلب المتواجدين هاربين من أسرهم نتيجة للتعنيف أو انفصال الأب والأم والتعنيف من زوجة الأب، وأحيانا يلقون تعنيفًا وضربًا من أمهاتهم، فيصبح الشارع ملاذًا لهم بعد التأقلم مع معطياته ومصاحبة أطفال في مثل سنهم، ويصبح الحصول على يومية هدف الطفل الذي يرى نفسه رجلًا يُعتمد عليه”.

يوضح عنتر، أن الوحدة تجد صعوبة في التعامل مع الحالات المتواجدة في الشارع منذ سنوات ولا تُريد إعادة الدمج مع أسرها أو داخل نظام تعليمي من جديد.

ويستكمل: “لا نجبر الأطفال للصعود للوحدة المتنقلة بل نرسل طفل قديم تعامل معنا وجرت بيننا صداقة لكي يحضرهم للوحدة، فمعظم الأطفال تُحب أن تشارك في أنشطتنا والألعاب التي نجتذبهم بها”.

ويستطرد: “هكذا تجري الأمور باللين، وباستخدام الألعاب التثقيفية والتعليمية والرياضية، ثم يأتي دور الأخصائي النفسي الذي يتحدث مع حالة الطفل لمعرفة وضعه الأسري وهل سيرفض الذهاب للدار أم يبقى في الشارع ويحتاج زيارات للاطمئنان على حالته”.

يتحدث ساهر سراج الدين، أخصائي نفسي، عن دوره في الوحدات، قائلًا: “كلما كان ألطفل صغيرًا كان التعامل معه أسهل،ويمكن إعادة دمجه بعد عدد من الزيارات، لافتًا إلى أن إعادة تقييم سلوك الطفل النفسي يتم عن طريق تغيير سلوكه من الدونية إلى طفل لديه شعور وثقة بذاته، مشيرًا إلى أنه من الصعب إعادة دمج الطفل عندما يبلغ 18 عامًا.

إعادة الأطفال لأسرهم

يأتي هنا دور مسؤولي إدارة الحالة بالوحدة المتنقلة، التي تُعد بحثًا تفصيليًا عن جهة سكن الطفل إذا كان متذكرًا لتفاصيل دالة على عنوانه، وبحثًا عن أسرته حال إيجادها ثم تتوجه لها لمعرفة مدى مقدرتها على إعادة تلقي طفلها من جديد.

يقول مراد محمد، أخصائي إدارة الحالة بوحدة جنوب القاهرة، والذي التقيناه داخل دار التربية ببولاق الدكرور بالجيزة، إن وظيفته تتلخص في محاولة دمج الطفل في دار رعاية ومتابعة ملفه التعليمي، موضحًا أنه يُنسق مع الإخصائي الاجتماعي لإيجاد وتتبع أسرته.

وأضاف “مراد”، أنه استطاع إعادة طفل لوالديه بعد فقدانه لمدة 3 سنوات، منوهًا إلى أنه يعمل على حالة الطفل مصطفي ذو الثماني سنوات، الذي يتذكر أنه يعيش مع جده في منطقة المعصرة.

تستوعب دار التربية بالجيزة 1000 طفل إلا أنها حاليًا تؤهل 150 طفلًا فقط

دار التربية بالجيزة
دار التربية بالجيزة

دار التربية بالجيزة

طور برنامج “التضامن”، 6 مؤسسات لرعاية الأطفال بلا مأوى وهي مؤسسة الحرية للرعاية الاجتماعية، ومؤسسة فتيات العجوزة ومجمع الدفاع الاجتماعي ومؤسسة دار التربية للبنين بالشرقية ودار التربية للبنين بالمنيا ودور التربية بالجيزة.

بحسب شادي المصري، مسؤول تنفيذي بمؤسسة الرعاية بالجيزة،  فدار التربية بالجيزة، ليست إصلاحية ولا تستقبل الأطفال المحكوم عليهم في جرائم، مشيرًا إلى أن دورها إعادة دمج الأطفال التي تنقلهم وحدات التنقل التابعة بلرنامج أطفال بلا مأوى، أو بقرارات محاكم لحمايتهم من التسول والعمالة بالشارع.

وتابع شادي: “تستوعب الدار 1000 طفلًا إلا أنها حاليًا تؤهل 150 طفلًا، ولها رؤية أن يكون هناك جزء لنساء بلا مأوى، لكي يتعامل الطفل مع سيدات مثل أمه ويحدث تكامل اجتماعي”.

وتابع المصري، أن الدار تعمل كافة الإجراءات المتعلقة باستلام الأطفال من المحاكم بعد أن ثبت بمحاضر النيابة أنهم يقومون بالتسول، موضحًا أن ملفهم يصبح نظيفًا، ولكن المحكمة تريد حمايتهم وإلحاقهم بدار رعاية مناسبة.

وأضاف المصري، أن بعض الأطفال يتم تسليمهم لذويهم بعد كتابة إقرار على أنفسهم بعدم التعرض لهم بالتعنيف الجسدي، أو إخراجهم من الدراسة، كما يتم إلحاق الأسرة ببرنامج “تكافل وكرامة” إذا كانت ظروفهم الاقتصادية مُتعثرة.

دار التربية بالجيزة
دار التربية بالجيزة

ماذ تحتاج الدار؟

تضم الدار، مدرسة للتعليم الابتدائي بها مدرسين بإشراف من التربية والتعليم، يتم فيها دمج الأطفال الذكور فقط، بالإضافة إلى مسرح كبير، وصالة أنشطة تجارية، ونادي رياضي يجرى تطويره، بالإضافة إلى مكتبة بإشراف من دار ثقاقة، وقاعة سينما يتم عرض أفلام تسجيلية وترفيهية، ويحصل كل 10 أطفال بالدار على أخصائي اجتماعي، وأخصائي نفسي.

تنقسم الدار، إلى 4 أقسام رئيسية وهي “أشبال من 7 إلى 12 عامًا، وفتيان من 12 إلى 15 عامًا، وشباب من 15 إلى 18 عامًا، والقسم الخاص بسيدات بلا مأوى تحت الإنشاء.

تتحصل الدار، على دعم من وزارة التضامن، بقيمة 4 مليون جنيهًا ونصف، يذهب أغلبها إلى رواتب الموظفين المقدرين بـ178 فرد، والأغذية، ومليون جنيه سنويًا لشركة الأمن وما يلزم الدار من خدمات وتطوير.