أولت تركيا مؤخرًا اهتمامًا خاصًا لتعزيز علاقاتها مع التركمان، وهم مجموعة عرقية تركية موطنها آسيا الوسطى تعيش بشكل رئيسي في تركمانستان وشمال إيران وأفغانستان، وفي دول الشرق الأوسط مثل لبنان والعراق وسوريا، ويقيمون مع عدد كبير من السكان العرب والأكراد.

صار التركمان، أحد الركائز الأساسية لسياسة تركيا، في محاولة منها لتقديم نفسها على أنها الوصي على الأقليات التركمانية خارج حدودها، وأن تضع أقاربها في مركز تأثيرها على السياسة في البلاد التي يتواجد بها التركمان.

أصول التركمان

التركمان، هم شعب تركي يعيش في جميع أنحاء أوراسيا وآسيا الوسطى، ويُقدر عددهم حوالي 8 ملايين تركماني في جميع أنحاء العالم، وكبر عدد من التركمان “حوالي 5 ملايين”، يعيشون في تركمانستان، وهي دولة غنية بالموارد في جنوب غرب آسيا الوسطى وتقع بين إيران وأفغانستان وأوزبكستان وكازاخستان وبحر قزوين.

يعيش عدد كبير من التركمان، في إيران وأفغانستان وباكستان وروسيا وأوكرانيا، ومثل العديد من شعوب آسيا الوسطى الأخرى، فالتركمان هم مجتمع ذو توجه عائلي ومجتمعي للغاية، ويتم تحديد الأفراد بشكل عام بالإشارة إلى عائلاتهم ونسبهم.

التركمان

الأخ الأكبر

بدأت أنقرة، خلال السنوات الأخيرة، في التأكيد على روابطها التاريخية والثقافية مع البلدان أو الأقليات في جميع أنحاء أوروبا وآسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط، ولحبكة الدور الذي تلعبه تركيا، صدرت نفسها على أنه “الأخ الأكبر للجماعات العرقية أو الدينية التي تعتبرها من أقربائها.

ورغم الدعم التركي، لم يتمكن التركمان من ترسيخ أنفسهم كقوة سياسية قوية، وتعتبرهم تركيا أداة مهمة لممارسة نفوذها في كل من العراق وسوريا.

الخلافة العثمانية

يرى جودت كمال محلل سياسي في الشأن التركي، أن أردوغان يواصل استغلال التركمان في المنطقة وأفريقيا، لتحقيق الخلافة التي يحلم بها منذ توليه الحكم، لافتاً إلي أن قصر أردوغان الجديد مكون من 1150 غرفة لإدارة البلاد من خلاله.

ويضيف كمال، أن علاقة التركمان بكركوك في العراق والموصل قوية وتاريخية، وهناك ميزانية خاصة تخصص كل سنة لهؤلاء من أردوغان.

ويوضح كمال، أن عناصر المخابرات التركية تتواجد فيها بشكل قوي من أيام صدام حسين في العراق، مشيرًا إلى أن المخابرات التركية، سبب الاضطرابات الموجودة في الموصل وكركوك.

ويشير إلى أن أردوغان يستغل فرصة الاضطرابات والتوترات في الكثير من الدول، ويقوم بالعمليات العسكرية في المنطقة، ففي العراق يعطي من خلال العمليات العسكرية أن شمال العراق ليست دولة كردستان، ولها الحق في التدخل من أجل الحفاظ على التركمان ولمنع توغل العناصر المسلحة لعمال الكردستاني.

وينوه جودت كمال، إلى أن أردوغان يطمح إلى ضم أراضي التركمان إلى تركيا ظناً منه أن المنطقة كانت تابعة للدولة العثمانية.

تركمان العراق

استقبل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو،”أيدين معروف” ، الوزير الإقليمي للجماعات العرقية في حكومة إقليم كردستان في شمال العراق، وعضو المجلس التنفيذي للجبهة التركمانية العراقية.

وجدد جاويش أوغلو، دعم أنقرة للتركمان عبر حسابه على “تويتر” قائلاً: “سنقف دائمًا إلى جانب إخواننا وأخواتنا التركمان”.

وتم تعيين معروف في الحكومة الجديدة لحكومة إقليم كردستان بناءً على طلب صريح من أنقرة، كدليل على النهج الإيجابي لرئيس الوزراء مسرور بارزاني تجاه تركيا.

ووفقاً لتقرير صحيفة “آراب نيوز” البريطانية، كان التركمان من بين أولئك الذين شعروا بتأثير كبير نتيجة استيلاء داعش على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال وغرب العراق عام 2014.

واضطر الكثير منهم، للفرار من منازلهم واللجوء إلى مناطق أخرى، وتصدرت مناطق تلعفر وطوز خورماتو ذات الأغلبية التركمانية قائمة المدن التي شهدت فرار أكبر عدد من التركمان بعد ظهور داعش في العراق.

ورغم إزالة داعش، إلا أنه لم يُسمح للعديد من التركمان بالعودة، تاركين مجتمعهم عالقًا بين إرهاب داعش ومحاولات تغيير التركيبة السكانية للعراق.

ووردت أنباء في الأشهر الأخيرة عن بدء حزب العمال الكردستاني في السيطرة على السليمانية وفي بعض أجزاء كركوك شمال العراق، وسط عملية عسكرية شنها الجيش التركي مؤخرًا ضد الإرهابيين.

وفي يونيو هاجم حزب العمال الكردستاني ودنس مقبرة شهداء تركمان في كركوك ، بحسب تقارير محلية، وتحدث البعض عن أعلام تركمان، التي أزيلت أيضًا في بعض أجزاء كركوك.

وأثار ذلك دهشة تركيا، التي تخشى أن يحاول حزب العمال الكردستاني هندسة تغيير ديموغرافي في مناطق التركمان، كما تخشى التوتر الطائفي بين التركمان الشيعة والسنة، المدعومين من جهات خارجية مختلفة.

تركمان سوريا

القلق نفسه يتعلق أيضًا بسوريا، إذ يعتبر أردوغان، التركمان السوريين حلفاء طبيعيين، ليس فقط بسبب روابطهم العرقية، ولكن لأنهم يشتركون في عدو مشترك وهو نظام الأسد، الذي لم يعترف بهم أو المجموعات العرقية الأخرى كأقليات.

يقول سينيم جنكيز محلل سياسي تركي متخصص في علاقات تركيا مع الشرق الأوسط، إن البلدان التي تُمزقها الفوضى، مثل سوريا والعراق، تبحث عن جهات فاعلة محلية للحفاظ على نفوذها وتوسيعه هناك، مثل التركمان، إلا أن أردوغان يسعى لاستغلال التركمان في تلك الدول لبسط النفوذ العثماني.

ويوضح جنكيز، أن التركمان السوريون المقيمون في تركيا، طالبوا بالجنسية بعد أن عرضت الحكومة التركية الجنسية على المجموعة العرقية في لبنان ، بعد أيام فقط من انفجار مميت دمر معظم بيروت.

تركمان سوريا

تركمان لبنان

تُعد لبنان، أهم بلد العربي بالنسبة لأردوغان، إذ يطمح في احتلالها وضمها للمخطط التركي لفرض النفوذ العثماني.

ووفقًا لموقع “أحوال” التركي، فقد غازلت تركيا التركمان الموجودين في لبنان، لبسط نفوذها في البلاد، حيث أعلنت مؤخراً منح الجنسية للتركمان اللبنانيين الذين يرغبون في الحصول على الجنسية التركية.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن الحكومة التركية مستعدة لمنح الجنسية للتركمان اللبنانيين الذين يرغبون في الحصول عليها.

وأضاف أوغلو، أن تركيا تقف وراء شعب لبنان في أعقاب الانفجار الدامي في بيروت، وأن أنقرة مستعدة لتقديم الجنسية التركية لمن هم في البلاد ممن يعرفون أنفسهم على أنهم أتراك أو تركمان بتعليمات من أردوغان، حسب قوله في العاصمة اللبنانية، وفقًا لما نقلته وكالة أنباء الأناضول التركية.

استراتيجية تركيا للتركمان

ترى صحيفة “آرب ويكيلي”، أن تركيا تسعى لتنفيذ لاستراتيجية قوية في العديد من البلدان التي يتواجد بها التركمان، لافتة إلى أن المنافسة الحادة في سوق الطاقة كفرصة لترسيخ نفسها كدولة طاقة مؤثرة وقوة مركزية في منطقة أوراسيا.

وأصبحت قضية تنويع مصادر وطرق إمدادات الغاز إلى أوروبا في السنوات الأخيرة محط اهتمام السياسيين والخبراء.

أدت المخاوف بشأن اعتماد أوروبا على الغاز والنفط الروسيين إلى قيام الدول المُنتجة للنفط في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بتقديم بدائلها الخاصة.

لكن طموحات تركيا، في هذا المجال لا تقتصر على زيادة استهلاكها من الغاز الطبيعي أو تحسين استيراد الغاز، فتطمح لأن تصبح لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة العالمي.

وبالتالي ، فإن الغاز التركماني مهم لتركيا ليس فقط لأغراض ضمان أمن الطاقة الخاص بها ولكن أيضًا كأداة تساعد أنقرة على أن تصبح لاعبًا مهمًا في شؤون الطاقة الأوروبية كدولة عبور للغاز التركماني.