جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وزوج ابنته، هو أحد الرموز التي برزت على الساحة العالمية في الآونة الأخيرة خاصةً بعد تقاربه مع حكامِ الدول العربية، وأصبح مشرفًا على تنفيذ خُطة السلام في المنطقة التي أطلقها الرئيس الأمريكي، تحت اسم: “صفقة القرن”.
كيف يُعيد كوشنر رسم خريطة المنطقة؟
جاريد كوري كوشنر، المولود في 10 يناير 1981، يُعتبر عراب إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، منذ تعينه بمنصب كبير مستشاري البيت الأبيض.
“”كوشنر”، إمبراطور العقارات الكبير ومالك صحيفة “نيويورك أوبزيرفر”، كلفه ترامب بإدارة ملف المنطقة بتنويعاته ويشمل الحرب على التنظيمات الإسلامية المتشدّدة، مثل: داعش، والقاعدة، وعملية إحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية.
تصريحات “كوشنر” أصبحت تحدد مسار العلاقات في الشرق الأوسط، حتى أن المحللين السياسيين يشبهونه بـ “لورنس العرب” على غرار توماس إدوارد، الشخصية التي صاغت علاقات بريطانيا العظمى بالعرب، خلال فترة الاحتلال البريطاني للمنطقة من خلال انخراطه في حياة الثوار العرب.
علاقاته بالقادةِ العرب وخاصة الإمارات والسعودية
لعب “كوشنر” على مخاوف الدول الخليجية من تصاعد النفوذ الإيراني، لتحقيق تقارب تدريجيّ بين العرب وإسرائيل، موثقًا علاقته بقادة دول الخليج، خاصة السعودية إذ اشتهر بعلاقاته الوثيقة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي أشاد به، قائلاً: “من الواضح إنّ السعودية كانت رائدة في صُنع التجديد، ولكنّ لا يمكنّك قلب بارجة بين عشية وضحاها”.
يتحدث كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، بما يعتقده كأنه واقع والمثير للدهشة هو أنه يتحول بالفعل إلى واقع بعد وقتِ قصير، وهو في سياق خطوته القادمة والمتوقعة من بدء التطبيع والعلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإسرائيل، يؤكد أن “جيل الشباب السعودي معجب بإسرائيل ويسعى لإقامة علاقات مع الدولة اليهودية”.
ولفت إلى أن الشباب السعودي “يرون إسرائيل على أنها وادي السيليكون في الشرق الأوسط ويريدون أن يرتبطوا بها كشريك تجاريًا، وتقنيًا، وأمنيًا”، ليشير إلى ما يعتقد أنه العائق الوحيد أمام الأمر في الأجيال الأكبر سنًّا التي ما زالت عالقة في صراعات الماضي، وعلى الرغم من الجهود الأخيرة التي بذلتها البلاد نحو التحديث.
ورغم تعرض السياسات السعودية لنقد كبير في بعض الدوائر السياسية في واشنطن بسبب حرب اليمن، و قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، إلا أن “كوشنر” ضغط بشدة من أجل زيادة مبيعات السلاح الأمريكي إلى المملكة، في مواجهة دعوات حظر تصدير السلاح إليها.
وأكدت شبكة “إيه بي سي نيوز” الأمريكية، أنه مارس مستشار ترامب ضغوطًا على وزارتي الدفاع والخارجية، لتضخيم مبيعات السلاح الأمريكي للسعودية، والتي تخطت قيمتها الحقيقية الـ 15 مليار دولار- بحسب الشبكة.
كما تصدر “كوشنر” مشهد الإعلان عن “الاتفاق التاريخي” بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، ليس فقط ليصف الاتفاق بين الإمارات إسرائيل بـ”الخطوة التاريخية”، ومشيرًا إلى الخطوة التالية التي سيعمل عليها بـ “حتمية التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل”، قائلاً: أعتقد أن لدينا دولاً أخرى مهتمة بالمضي قدمًا”، في إشارة إلى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وكشف مستشار ترامب عن دوره في اتفاق السلام الإماراتي- الإسرائيلي، بعد إعلانه أن المباحثات قد بدأت منذ عام ونصف، موضحًا أن تنفيذه سيستغرق وقتًا، مؤكدًا ما أعلنه محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات أن الاتفاقية قد “أوقفت الخطط الإسرائيلية لضم أراضِ من الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل.
وأشار إلى أن ذلك كان سببًا في إسراع الإمارات، للتوصل للاتفاقية قبل أن تتخذ إسرائيل خطوات عملية والمضي في خطة ضم الأراضي المحتلة إليها.
“صفقة القرن” في البحرين
افتتح جاريد كوشنر، ورشة البحرين حزيران/يونيو 2019″ بكلمة مطولة عن السلام المأمول بين الإسرائيليين والفلسطينيين وماله من دور كبير في تحقيق السلام والازدهار على كل المستويات التي يأتي في مقدمتها الجانب الاقتصادي، معلنًا بشكل واضح أنه لا أمل في النهضة الاقتصادية للفلسطينيين، دون حل دائم وعادل للصراع القائم مع إسرائيل.
وكانت هذه الكلمة التي ألقاها كوشنر من البحرين هو التمهيد المعلن لصفحة جديدة في خارطة الشرق الأوسط وعلاقاته المرتقبة، وأطلق من خلالها اسم جديد وبديل عن “صفقة القرن” معتبرها “فرصة القرن”.
صفقة القرن
طرح دونالد ترامب رؤيته للسلام في الشرق الأوسط عام 2019 تحت مسمى صفقة القرن، والتي تضمنت إعلان اسرائيل دولة يهودية عاصمتها القدس الموحدة، وضم الأراضي الفلسطينية المقام عليها مستوطنات، مع السماح للفلسطينيين بإعلان دولة مستقلة على ما تبقي من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتسمية عاصمتهم بالقدس بالمسمي العربي لها، والتي ستكون شرق القدس الحالية في المناطق الملاصقة لها في الضفة الغربي.
وشملت “صفقة القرن” استثمارات إسرائيلية بقيمة 50 مليار دولار في الأراضي الفلسطينية، مقابل انتهاء المطالبة بكل قضايا الحل النهائي، ومنها حق العودة للفلسطينيين اللاجئين في الخارج، والتطبيع الكامل لكل الدول العربية مع إسرائيل.
وتضمنت خُطة ترامب إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة حول خليج العقبة تشمل: مصر، وإسرائيل، والأردن، والسعودية، للتعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، تموله بالأساس المملكة وقدرت استثماراته بأكثر من 500 مليار دولار تشمل إنشاء منطقة تجارة حرة ومواني ومدن جديدة لمنطقة سياحية صناعية، تمثل: إسرائيل فيها القيادة التكنولوجية وتوفر فيها مصر المهارات المطلوبة من الفنيين والعمالة.
من هو جاريد كوشنر؟
التحق كوشنر بجامعة هارفارد في عام 1999 لدراسة الفنون، وبعد تخرجه عام 2003 التحق بجامعة نيويورك ليتخرج منها عام 2007 حاصلاً على ماجستير في إدارة الأعمال، وتولى أعمال والده في التطوير العقاري قبل تخرجه من الجامعة، حيث كان والده يقضى السجن بسبب تورطه في أعمال رشوة وفساد مالي.
أصبح جاريد المدير التنفيذي لشركة كوشنر العقارية، كما اشترى صحيفة “نيويورك أوبزيرفر”، وشارك في تأسيس منصة “سيدرا” العقارية مع الملياردير الشهير جورج سوروس، وانتقل بأعمال شركاته إلى مانهاتن بعد شرائه مكتبة هناك بسعر قياسي بلغ مليار و800 مليون دولار.
بعد التعارف مع عائلة ترامب وباستخدام “الصدفة” التقى جاريد بابنة ترامب “إيفانكا” وتطورت علاقتهما بالزواج عام 2009، ليقود جاريد حملة ترامب الانتخابية عام 2017، مسخرًا كل وسائل التكنولوجيا وخبراته في النشر لقيادة الاستراتيجية الإعلامية لترامب، ليدخلا معًا البيت الأبيض، ترامب رئيسا وجاريد كبير مستشاريه.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الشهيرة في يناير/كانون الثاني، أن “كوشنر” يمتلك علاقات مالية قوية مع إسرائيل، قد تقوض مهمته المفترضة كوسيط للسلام بينها وبين الفلسطينيين والدول العربية.