توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل فتحت الباب لإخلاء اليهود من اليمن في اتجاه أبوظبى، فبعد أيام قليلة من الاتفاق تداولت أنباء حول تهجير آخر ما تبقى من اليهود اليمنيين ونقلهم إلى العاصمة الإماراتية “أبوظبي”.

الأخبار تشير إلى نقل 100 يهودي من اليمن خلال الأيام الأخيرة، لتصبح اليمن خالية من الطائفة اليهودية، لأول مرة بحسب صحيفة “ hamodia” العبرية، الصادرة بالإنجليزية.

طلبت الإمارات المساعدة من إيران، التي تدعم الحوثيين باليمن، تسهيل سفر الأقلية اليهودية، ويتم النقل برعاية أمريكية وإشراف مباشر من المبعوث الأممي لدى اليمن، البريطاني مارتن غريفيث، الذي تم تعينه من قبل الأمم المتحدة عام 2018 .بحسب الصحيفة.

يذكر أن الإمارات في أوائل الشهر الجاري عملت على لم شمل أسرة يهودية من اليمن، كان بعض أفرادها يعيشون في إنجلترا، بعد فراق دام 15 عاما. بحسب صحيفة “تايم اوف إسرائيل” الصادرة بالإنجليزية.

وأشارت الصحيفة إلى أن لم شمل العائلية اليمينة دليل على جهود الإمارات كمركز إقليمي للتسامح الديني والتعايش بين الأديان.

تفاصيل لم شمل الأسرة اليهودية سردتها وكالة أنباء الإمارات” وام”، فقد عملت السلطات الإماراتية على تسهيل سفر الأب والأم من اليمن إلى أبو ظبي، كما تم اتخاذ التدابير اللازمة لسفر بقية أفراد الأسرة، وهم الابنة والابن وزوجته والأحفاد، من لندن إلى الإمارات.

يهود اليمن يهود اليمن

يتعرض يهود اليمن للاضطهاد والمضايقات من الحوثيين، وقاموا بسجن بعض العائلات واجبروا أخرين على بيع منازلهم بأسعار بخس، ألا أن بعض الحاخامات اليهود والمنظمات الدولية نفت ذلك، بحسب الصحيفة.

وعلق رئيس الجالية اليهودية اليمنية في الولايات المتحدة، الحاخام فايز الجرادي، على الأخبار التي ترددت حول قطع إمدادات الكهرباء والمياه عن يهود ومنعهم من شراء الطعام، قائلًا: “لا تتوفر خدمة الكهرباء للمسلمين بنفس الطريقة التي لا تتوفر لليهود، البلد في وضع صعب والبنية التحتية الكهربائية لا تعمل منذ سنوات”، بحسب صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية.

بينما أشادت حكومة بنيامين نتنياهو، بالدور الإنساني الذي تقوم به الإمارات في اليمن، من خلال تقديم مساعدات لمئات الأسر هناك، كما تعتمد الحكومة الإسرائيلية على أبوظبي لتهجير يهود اليمن إلى تل أبيب، مما لها من نفوذ هناك.

بداية الهجرة

تعود بدايات هجرة اليهود اليمنيين إلى إسرائيل إلى القرن التاسع عشر، إذا حشدت المنظمات اليهودية وبمساعدة بريطانيا إمكانيات هائلة لتلك الهجرة.

وعاش أكثر من 50 ألف يهودي في اليمن قبل إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، وما بين يونيو 1949 وسبتمبر 1950، تم نقل الغالبية العظمى من السكان اليهود في اليمن إلى إسرائيل مباشرة في أكبر عملية تهجير سميت وقتها “بساط الريح”.

لكن عقب ذلك، سعت منظمات الهجرة اليهودية لتهجير يهود اليمن إلى فلسطين ثم إلى إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على دُفعات صغيرة.

ويعيش معظم اليهود اليمنيين الآن في إسرائيل، ويصل عددهم إلى 350 ألفاً، يتوزعون في أماكن عدة من البلاد مثل نتانيا ورحوفوت وبيتح تكفاه بالقرب من تل أبيب، وكذلك في مدينة القدس، كما يعيشون في كريات شمونة القريبة من الحدود اللبنانية، وفي المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الضفة الغربية.

بينما تعيش مجتمعات أصغر في الولايات المتحدة وبلدان أخري، وظل عدد صغير في اليمن، فلا توجد إحصائيات دقيقة حول هذا الأمر.

وتعتبر الطائفة اليهودية في اليمن من أقدم الطوائف في العالم، ويعيش معظم أفرادها الذين هاجروا إلى فلسطين المحتلة، في عسقلان، ويلتحقون بالمعاهد الدينية ويرفضون في الغالب الالتحاق بالخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي.

وأرجع مراقبين وباحثين أسباب التهجير القسري علي مر السنوات إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وتدهور الأوضاع الأمنية، بجانب الانتهاكات التي تعرض لها بعض اليهود في بلادهم الأم.

في عام 2017، قال وزير الإعلام اليمني، إن حكومته ليست على علم بمصير بضع عشرات من اليهود المتبقين في البلاد، ومعظمهم يقيمون في العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين، والذين ينظرون إليهم على إنهم أعداء، كما يشاركون في حملة تطهير عرقي تشمل تخليص اليمن من مجتمعها اليهودي، إلا أن رجع ونفي هذه التصريحات.

بيت العائلة الإبراهيمية

في المقابل، أشاد رئيس الجالية اليهودية في الإمارات، روس كريل، بالخطوات التي اتخذتها حكومة أبو ظبي، تجاه اليهود حيث يقول بأن “اليهود في الإمارات شهدوا بأنفسهم ممارسة شجاعة ومستمرة للتسامح والأخوة التي اتبعها حكام الإمارات على مدى سنوات عديدة تجاههم”.

وقد أسست الإمارات، العام الماضي، مجمع ديني في ابو ظبي وتحديداً في جزيرة “السعديات”، أطلق عليه اسم “بيت العائلة الإبراهيمية”، وهو يجمع كنيساً وجامعاً وكنيسة، ومقرر افتتاحه عام 2022.

وعلى مدار السنوات الأخيرة، بذلت الإمارات جهودًا كبيرة لتصوير نفسها على أنها دولة متسامحة ترحب بجميع الأديان، بما في ذلك اليهودية، وفق صحيفة “تايم اوف إسرائيل”، حيث كانت تعمل الجالية اليهودية في دبي بدعم سري الا ان مؤخرًا أصبح السطات تدعمهم بشكل علني.

ويبلغ عدد اليهود الذين يعيشون حاليًا في الإمارات 1500 شخص، وتم تخصيص طعام خاص بالجالية اليهودية، وقال سفير الإمارات في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، في يونيو الماضي، “أنه تم إطلاق متعهد طعام جديد للشريعة اليهودية في دبي لخدمة المجتمع اليهودي التزايد، وهو أول مجتمع جديد في العالم العربي منذ أكثر من قرن”، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيل.

مركز التسامح الديني

يري المحلل السياسي وخبير العلاقات الدولية، طارق البرديسي، بأن الامارات تقدم نفسها للغرب بانها مركز التسامح الديني في المنقطة، حيث أخذت خطوات على الأرض بالفعل لتحقيق ذلك، أهمها المجمع الديني التي تم تأسيسه العام الماضي”.

ويضيف بأن يهود اليمن ضمن إطار التسامح وتحسين صورتها في الغرب، وهي أهداف مشروعة، حيث تختلف الطائفة اليهودية عن إسرائيل، إذ يوجد يهود في جميع البلدان العربية، ومنها مصر، والتعامل معهم لا يندرج تحت التطبيع أو ما شابه، ولكن الكثير من الناس يختلط عليهم الأمر”.

يهود العرب

وكغيرهم من يهود العرب، تعرض اليهود اليمنيين إلى مفارقة واضطهاد في المعاملة من قبل اليهود الغربيين، حيث يرونهم أقل ثقافة واختلافًا عنهم، وهو ما دفع بعض يهود اليمن الرفض في البداية للسفر إلى إسرائيل أو الولايات المتحدة؛ خوفًا من عدم اندماجهم في المجتمعات الغربية.

وتجدر الإشارة، إلى أن يهود اليمن هما الفئة اليهودية الوحيدة في العالم التي تقرأ الكتاب المقدس لليهود مع تلاوة مسموعة للترجومة الآرامية وفقًا لتقاليد الكنيس اليهودي القديم، وكما وردت في التلمود؛ حيث يتلوه كبار السن عن ظهر قلب.

واختتم خبير العلاقات الدولية، حديثه، بأن بعد إعلان الإمارات التطبيع الرسمي مع إسرائيل، والذي سيلاحقه عدة دول، كالبحرين والمغرب وسلطنة عمان، وفق قوله، يبقي تهجير بعض يهود اليمن إلى أبو ظبي أمر طبيعي، ولكنه يحمل في طياته أهداف طموحة للإمارات على الساحة الدولية.