جاء انفجار بيروت ومعه العديد من مقاطع الفيديو، التي ترصد لحظات مُرعبة عاشها الأطفال، فكيف سيكون تأثيرها عليهم مستقبلًا؟، وكيف يمكننا معالجة الأمر؟، فمشاهد العنف قد يُشاهدها الطفل في التلفاز أو عبر الإنترنت، وأيضًا بالمنزل في بعض حالات الخلافات الزوجية، والتي تؤثر عليه بالطبع سلبًا في مقبل حياته.

“جميع الأطفال لهم الحق في الحماية من العنف والاستغلال والإيذاء”.. اليونسكو

الحماية من العنف

منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، ذكرت أن جميع الأطفال لهم الحق في الحماية من العنف والاستغلال والإيذاء.

وقالت إن ملايين الأطفال في جميع أنحاء العالم من كافة الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والفئات العمرية والأديان والثقافات، يعانون يوميًا من العنف والاستغلال والإيذاء، والملايين معرضون للمخاطر أيضًا، كما يرتبط التعرض للمخاطر بالعمر؛ فالأطفال الأصغر سنًا يكونون أكثر عُرضة لأنواع مُعينة من العنف، حيث تختلف المخاطر بتقدمهم في السن.

وأوضحت الـ”يونيسيف”، أنه في العديد من الحالات، يمارس العنف والاستغلال والإيذاء من قبل شخص معروف للطفل، بما في ذلك الآباء والأمهات وغيرهم من أفراد الأسرة والمربين والمعلمين وأرباب العمل وسلطات إنفاذ القانون والجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية والأطفال الآخرين، كما يحدث العنف والاستغلال والإيذاء في البيوت والأسر والمدارس ونظم الرعاية والعدالة وأماكن العمل والمجتمعات المحلية في جميع السياقات، بما في ذلك نتيجة للصراعات والكوارث الطبيعية.

موقع “ديلي ميل” البريطاني، يوضح أن العديد من الدراسات، أثبتت زيادة في مستوى تعرض الأطفال للعنف في السنوات الماضية، وتأثير الأمر على حالتهم النفسية، فالأطفال المعرضون لمشاهد العنف سواء كانوا شهودًا أو ضحايا، يصابون بالاكتئاب والقلق المزمن والخوف أيضًا.

وأكدت دراسة حديثة، أن 12% من الأطفال ما بين الصف الثالث للثامن يتعرضون للاكتئاب عند رؤية أحد الأشخاص يتعرض للضرب على وجهه.

وأظهر مسح عقب 6 أشهر من أحداث 11 سبتمبر، لأكثر من 8000 طالب بمدينة نيويورك في الصفوف من الرابع إلى الثاني عشر، أن ما يقرب من 30% منهم أبلغوا عن أعراض القلق أو الاكتئاب.

ويقول العلماء إن الأطفال الأقل من 6 سنوات يجدون صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال، فيصابون بالاكتئاب بسبب مشاهد العنف.

“عند تعرض الطفل لمشاهد عنف يجب إخباره أنها مشاهد استثنائية”.. علماء النفس

النمو العاطفي والعقلي

التعرض الدائم لمشاهد العنف، يؤثر على النمو العاطفي والنمو العقلي، فالطفل الذي يرى والديه يتشاجران دائمًا، وتتحول التشاجرات لمشاهد عنف بينهما، يؤثر ذلك على أجزاء من الدماغ، كما أن التعرض الدائم لمشاهد العنف يجعل الأطفال يتخيلون أنه من الوسائل العادية والشائعة، ويتبعونها في المستقبل.

ويؤكد علماء النفس، أن الحل يبدأ من الأبوين، فيجب متابعة الأبناء جيدًا، أين هم وماذا يفعلون؟، وفتح حوار مستمر معهم ومناقشتهم في كل ما يدور في رأسهم والإجابة على أسئلتهم، وعند تعرض الطفل لمشاهد عنف يجب إخباره أنها مشاهد استثنائية، ولن تكرر وعليه عدم اتباعها، لأنها من الأفعال السيئة التي يجب الإقلاع عنها.

مجلة أميركان جورنال أوف سيكاتري الطبية، ترجح أن استمرار تعرض الأطفال للعنف لمدة طويلة، يُحدث خللًا في الألياف العصبية بالمخ، التي تتشكل في أثناء العقدين الأولين من حياة الإنسان، وهنا من الممكن أن يُقدم الشخص على الانتحار، كما أن المحنة التي نتعرض لها في مرحلة مبكرة من الحياة، قد تعطل بشكل دائم مجموعةً من الوظائف العصبية في القشرة الحزامية الأمامية للمخ.

منح الطفل فرصة للتعبير عن مشاعره حتى ولو كانت غاضبة واحدًا من أساليب مواجهة الآثار السلبية لمشاهد العنف ضد الأطفال

حاضرنا من ماضينا

دينا عريبي، الباحثة في علم النفس، تقول: “ماضينا هو الذي يشكل حاضرنا، فالطفل يولد بشخصية حرة وطبيعة جيدة، يمكن أن تتغير بعلاقته مع المُحيطين وخاصة الأبوين، وتلك التعاملات من الممكن أن تؤثر في الشخصية وتُغير مسارها، وتُغير أيضًا مسار تحقيق الذات، كما أن الخبرات التي يتعرض لها الإنسان تترك أثرها في المخ”.

منح الطفل فرصة للتعبير عن مشاعره حتى ولو كانت غاضبة واحدًا من أساليب مواجهة الآثار السلبية لمشاهد العنف ضد الأطفال، ويمكن منح الطفل ورقة للرسم، أو حكي قصة ومساعدته في تكملتها، وينصح الأطباء عند حدوث الكوارث مثل الزلازل أو الانفجارات وغيرها، بتسليط الضوء على الأشخاص الذين يساعدون في الأزمة ويقدمون يد العون، لأخذ الجانب الإيجابي من الأزمة، ويجب إبعاد الأطفال وخاصة أقل من 6 سنوات عن مشاهدة الأفلام التي تحتوي على مشاهد عنف.

ووفقًا لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة، فإن هناك حوالي مليار طفل يعيشون في مناطق يتواجد فيها صراعات، ومنهم نحو 300 مليون طفل دون الخامسة من العمر.

وذكرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو”، أنه في عام 2013، كان هناك حوالي 28.5 مليون طفل خارج المدارس بسبب الصراعات الدائرة.

“في الدول التي تشهد حروبًا وصراعات، يخشى الأطفال من النوم، ويعانون من صعوبات مستمرة حياله، بسبب الخوف من صوت الطائرات، أو صوت الرصاص”.. اليونسكو

الحروب والنزاعات

في فلسطين وسوريا، يعيش الأطفال في ظروف قاسية أيضًا، والتي تؤثر على حالتهم النفسية.

تقول الـ”يونيسكو”، إنه في الدول التي تشهد حروبًا وصراعات، يخشى الأطفال من النوم، ويعانون من صعوبات مستمرة حياله، بسبب الخوف من صوت الطائرات، أو صوت الرصاص، وهنا يجب إشعار الطفل بالأمان، وأيضًا مساعدته في حل المشاكل البسيطة التي تعترضه في حياته اليومية، والحرص على تحليه بالصبر، مع ضرورة إيجاد هواية مفضلة له لتشغل جزءًا كبيرًا من وقته، وإبعاد تفكيره عن الحروب والنزاعات.

مشاهد التلفاز أيضًا من الممكن أن تسبب مشاكل نفسية للأطفال، وهنا يجب أن توجد رقابة عليهم وعلى ما يشاهدونه، حتى لو كانت نشرات إخبارية، ويمكن اختيار برنامج مناسب لهم ومشاهدته سويًا مع أفراد الأسرة، وهنا على الأبوين شرح ما قد يصعب فهمه على الأطفال بطريقة مبسطة وسهلة.

وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو عديدة للحظة وقوع انفجار بيروت، ويظهر في أحدها دخان يتصاعد وفي الخلفية طفل يردد وكأنه يلهو “انفجار، انفجار”، قبل أن يقول بعد دوي الانفجار الثاني باللغة الإنكليزية العبارة نفسها “أمي، لا أريد أن أموت”، فطلبت منظمة “سايف ذي تشيلدرن” في بيان لها، ضرورة أن تكون صحة الأطفال النفسية أولوية، فمن من دون وجود الدعم المناسب، ستكون النتائج على الأطفال طويلة الأمد.

الأطفال بحاجة للدعم النفسي مثل الكبار بعد تعرضهم للأزمات

التحلي بالشجاعة

موقع “سكاي نيوز”، ذكر أن الأطفال بحاجة للدعم النفسي مثل الكبار بعد تعرضهم للأزمات، ومنها العنف ومشاهده في كافة الأحوال، سواء كان عنف أسري، أو بسبب كوارث طبيعية، أو كان ضمن النزاعات والحروب والانفجارات وغيرها، وعلى الأهل ملاحظة أي تصرفات غير طبيعية تصدر عن الطفل، ومنها الرعشة المستمرة أو الصمت الطويل، وهنا يجب إعطاء الأطفال الإحساس بالأمان، للخروج من تلك الحالة سريعًا.

كما نصح الموقع في تقريره، بعدم الضغط على الأطفال، والإجابة على تساؤلاتهم بشكل مبسط، يصل لفهمهم، كما أنه على الأهل التحلي بالشجاعة ليكونوا مثلًا وقدوًة للأبناء، للخروج من تلك الأزمة سريعًا، دون ترك علامات في نفوس الأطفال تظهر عند الكبر.