“انتي بتدلعي”.. مقولة تسمعها النساء المصابات بمتلازمة الألم الليفي “الفيبروميالجيا”، حيث لا يستطعن رفع أو دفع أو جر أي شئ، مما يسبب لهم آلامًا جسدية، تلازم المريضات طوال العمر ما بين الهجمات المفاجئة والخفوت المؤقت.

الأبحاث العربية بشأن المتلازمة، قليلة جدًا، والتشخيص من الممكن أن يأخذ سنوات نتيجة تشابه أعراضها مع أمراض الروماتيزم والروماتويد، مما يؤدي إلى مسار علاجي خاطئ، مما يضع النساء أمام مرض غير محدد الهوية يسرق راحتهن وأعمارهن ويسلبهن حياتهن المستقرة، ويتسبب في التقاعد المبكر من العمل.

“مرض الألم الليفي لم تتحدد ملامحه حتى الآن وبعض الأطباء ينفون وجوده من الأساس”.. محمد العراقي استشاري العظام والروماتويد

التشخيص بالإستبعاد

غالبًا ما يتعثر أطباء الروماتيزم وأطباء الأعصاب مع مرضى الألم العضلي الليفي، لكن ليس لديهم أي فكرة عما يجب فعله معهم بالتحديد، وقليل منهم فقط من يُبدي اهتمامه.

محمد العراقي، استشاري العظام والروماتويد، يوضح أن مرض الألم الليفي لم تتحدد ملامحه حتى الآن، وبعض الأطباء ينفون وجوده من الأساس، ويشخصون أعراضه على أنه روماتويد، موضحًا أن المكسب الوحيد الذي حصده الحاملين له هو إدراجه ضمن أمراض المناعة.

وتابع العراقي، أن تشخيص متلازمة الألم الليفي قد تأخذ سنوات لتشخيصها وسنوات لعلاجها أيضًا، منوهًا إلى أن جميع تحاليل وأشعة المريضة تكون سليمة إلا أن الألم يظهر على شكل 9 نقاط على جانبي العمود الفقري، وتظهر آلامه ما بين العضلة والغشاء الليفي لها، وتحديدًا  في نقطة الوتر عند الضغط عليها بأصابع اليد، ويشخص الطبيب المتلازمة  بالاستبعاد، بمعنى تأكده أن المريض ليس لديه أي من الأمراض العضوية والنفسية المتشابهة مع الفيبروميالجيا.

الفيبروميالجيا

الألم في كل مكان

إذا كنت مصابًا بالفيبروميالجيا، فإنك تتألم في كل مكان، والألم لا يزول، ويعتقد بعض الأطباء، أنهم يعرفون السبب وهو  خلل في طريقة تعامل عقلك والحبل الشوكي مع إشارات الألم ولكن هذا أيضًا غير مؤكد.

يتحدث استشاري العظام والروماتويد، عن ما تعانيه النساء باعتبارهن أكثر فئة تصاب بالمتلازمة، قائلًا: ” تبدأ أعراض المرض نتيجة زعل أو اكتئاب يصيب السيدة وينتقل إلى عظامها مما يجعلها عرضة لأخذ مُضادات الاكتئاب وتخضع لعلاج نفسي بالتوزاي مع العلاج الدوائي”.

ويشير العراقي، إلى أن هناك أعراض ثانوية تلازم “الفيبروميالجا”، مثل عدم الارتياح للتجمعات وتفضيل العزلة والشعور بالألم في الإضاءة العالية، ومُعاناة مع صوت احتكاك الأشياء بالأرض، كل هذا مع آلام الظهر التي لا تتوقف، وإنهاك العظام، فتتحول المريضة لجثة على سرير لشهور”.

وعن علاج المتلازمة يقول العراقي، إن المريض يأخذ مضادات للإلتهابات ومسكنات للألم، موضحًا أن الحقن الموضعى بمواد مضادة للالتهاب هو أكثر علاج أثبت فعاليته، وهناك علاجات أخرى مثل  العلاج الطبيعي وممارسة رياضة معينة مثل التنس والحجامة والليزر والموجات الفوق صوتية والإبر الصينية.

80% من مرضى المتلازمة نساء، لا يستطيعون ممارسة حياتهن بشكل طبيعي، وفقًا لاستشاري العظام والروماتويد.

“الأطباء أجمعوا أن ما أعاني منه لا يتناسب مع التشخيص بل يفوقه واتهمني البعض بالمبالغة، بل وصل الأمر إلى قولهم بأني مسحورة”.. مريضة فيبرميالجيا

فنانة تشكيلية تفقد مهنتها وشغفها

فتاة في أوائل الثلاثينات تعمل كفنانة تشكيلية، كان أمر إصابتها بالمتلازمة كارثيًا، إذ أفقدها نشاطها وشغفها بحياتها الزوجية والمهنية، تقول: “كت إنسانة نشيطه جدًا، لكن مثل أي فتاة مررت بمشاكل و عقبات وصدمات كثيرة، فمنذ حوالي 5 سنين شعرت بأن جسدي يتعبني حتى أن النوم لا يريحني”.

وتضيف: “بقيت هكذا أيام وشهور ولم يتسطع أحد تشخيص حالتي ما بين مخ وأعصاب وعظام وباطنة وروماتيزم وحتي الطب النفسي لجأت إليه بالإضافة إلى عشرات التحاليل و الإشعات وشخصت بالعديد من الأمراض ما بين الإنزلاق الغضروفي  والقولون العصبي والاكتئاب من الطبيب النفسي”.

وتابعت: “الأطباء أجمعوا أن ما أعاني منه لا يتناسب مع التشخيص بل يفوقه واتهمني البعض بالمبالغة، بل وصل الأمر إلى قولهم بأني مسحورة”.

وتستكمل: “اضطررت للاستقالة من عملي الذي أحبه وعملت أونلاين من منزلي،  كما أن علاقتي بزوجي أصبحت سيئة ولا استطيع رعاية أسرتي خاصة أنني لا أحصل على قسط كاف من النوم”.

تغيرت حياتها منذ سنة ونص، عندما قررت أن تبحث على موقع التواصل الاجماعي “فيسبوك”، عن أعراض مُشابهة لها، حتى وقعت عينها على منشور عن “الفيبروماليجيا”، قائلة : “شعرت أن تلك حالتي بالظبط وقُمت بالدخول لأكثر من مجموعة لدعم المتلازمة وفوجئت أن كل منشور يشبهني جدًا”.

وتُشير إلى أن مجموعات الدعم هم من أرشدوها لطبيبة مناعة شخصتها بالمتلازمة الفيبروماليجية، متابعة: “مر عام ونصف على تشخيصي خسرت الكثير من الأصدقاء الذين لم يتحملوا تعبي، وخسرت عملي الأونلاين ولم أقوى على الالتزام والجلوس بتلك الآلام لساعات، وحاولت العودة للرسم لكني لم استطع، وحتى الآن يتم تكذيبي بأن هناك مرض يدعى متلازمة الفيبروماليجيا”.

الفيبروميالجيا

طبيب مصري ينقذ سيدة يمينة من وجع عشر سنوات

في اليمن، تسببت زيارة طبيب مصري، في إنقاذ مريضة “الفيبروميالجيا”، من آلام 10 سنوات، إذ استعادت جزء من حياتها بعد معالجتها من المتلازمة، تقول سيدة يمنية في أواخر الأربعينات: “كنت أعمل مدرسة وتقاعدت مبكرًا بسبب آلام العظام التي لم أستطع تحملها”.

تتابع السيدة: “ذهبت لعدد من الأطباء اليمنيين ولم يخبرني أحد بعلتي، عانيت 10 سنوات لا أعرف ماذا يصيبني، ومنذ 5 سنوات أخبروني أن هناك طبيب عظام مصري في زيارة قصيرة لليمن وهو من شخصني بمتلازمة الفيبروميالجا ثم اضطر للعودة لمصر بسب الحرب”.

تضيف السيدة اليمنية: “الحمد لله تحسنت جدًا وأفادني كثيرًا مجموعة دعم مرضى متلازمة الفيبروميالجا ولو نفسيًا عندما رأيت أن هناك من يعاني أكثر مني بدرجات متفاوتة في القسوة، مؤكدة اعتمادها على نظام غذائي والعلاج بفيتامين ب 12 وب الثلاثي وماغنسيوم وأوميجا ثري ومجدد للنشاط والحجامة لإصابتها بخشونة الركبة بسبب أعراض المرض ووقف جميع المهدئات النفسية”.

هجمات ألم مبالغ فيها تهاجم الجسم واكتئاب وأرق ورغبة في البكاء وانهيار عصبي عاشتهم جليلة بسبب المتلازمة

الانتحار والرغبة في البكاء

“كنت أعاني ولم تعرف أسرتي ماذا بي، خاصة أن تحاليلي سليمة”، هكذا تقول جليلة سيدة مغربية في أواخر الخمسينيات والتي عانت من المتلازمة في مقتبل شبابها.

وتابعت جليلة: “كانت حياة زوجي في إفريقيا السمراء وفي عام 1997 تم تشخيصي بمرض نادر في التهاب العظام، ورغم تواجد أطباء على جودة عالية، إلا أنه تم تشخيصي منذ عشر سنوات بالمغرب التي تعترف بمتلازمة الألم الليفي المتفشية”.

وأكدت أن دور الطبيب النفسي كان مهم جدًا للمساعدة في رفع الحالة النفسية، موضحة أن كثير من الأهالي ترى أنه لا داع لتلك الخطوة إلا أنها مهمة جدًا، خاصة أن علاج المتلازمة 70% منها يعتمد على رفع الروح المعنوية للمريض الذي يفكر في الانتحار وإنهاء حياته.

هجمات ألم مبالغ فيها تهاجم الجسم واكتئاب وأرق ورغبة في البكاء وانهيار عصبي عاشتهم جليلة، لم ينتهي حتى الآن، إذ تعيش على مسكنات ومهدئات بالإضافة إلى مجموعات الدعم وخاصة المصرية التي تحبها جليلة جدًا.

الفيبروميالجيا

الترامادول

“كنت أرفض مضادات الإكتئاب إلا أنني في النهاية أخذتها بعد تدهور حالتي النفسية”.. هكذا تحدثت فتاة عشرينية، لافتة إلى أنها شخصت حالتها منذ 3 سنوات بالمتلازمة وتغيرت حياتها بعد ذلك.

تضيف الفتاة: “لجأت إلى الترامادول لفترة قصيرة لتخفيف ألم وأوجاع جسدي، وأصبحت أكثر ميلًا للوحدة وأنفر من الأصوات العالية واحتكاك الأشياء ببعضها، أو الأكل بصوت عالي والإضاءات العالية والازدحام يجعلني أكثر عصبية”.

وأشارت إلى أن هجمات المرض صعبة جدًا تُلزمها السرير لأيام، قائلة: “المرض بلا قاعدة ويلزمه حالة نفسية مستقرة”.

“إذا اعترفت وزارة الصحة بنا سيعترف أهالينا وأزواجنا وأولادنا بمرضنا ويقدرون حجم المعاناة التي نتعرض لها”.. مرضى الألم الليفي

الفيبرومالجيا كمرض مزمن

وتقول مريضة “فايبرو” مصرية، إن مرضى المتلازمة يطالبون وزارة الصحة، باعتبار المتلازمة، مرضًا مزمنًا، واحتساب إجازات لها بقرار رسمي، أو التخفيف من الأعمال في حالة عمل المريض دون إجازة، وذلك بعد تقديم تقارير طبية معتمدة تثبت إصابتهن بالمتلازمة.

وتابعت: “معظمنا يضطر لتقديم استقالته والخروج على المعاش مبكرًا، لأننا لا نقدر علي مجهود العمل ومسؤليات البيت والأولاد معًا، بالإضافة إلى حاجتنا للتأمين الصحي الذي يغطي تكاليف العلاج”.

وتضيف: “إذا اعترفت وزارة الصحة بنا سيعترف أهالينا وأزواجنا وأولادنا بمرضنا ويقدرون حجم المعاناة التي نتعرض لها”.