“أقوى حاكم عربي ليس محمد بن سلمان بل محمد بن زايد”، هكذا قالت صحيفة نيويورك تايمز  الأمريكية، في تقرير مطول عن النفوذ الذي يتمتع به ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في الإمارات وخارجها، وطموحاته التي تقودها للعب دورًا مهمًا في ملفات المنطقة ولا سيما دوره كعراب لصفقة القرن، بعد المصالحة التاريخية التي أعلنها مؤخرًا، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بين الإمارات وإسرائيل.

الحاكم الجديد للشرق الأوسط.. محمد بن زايد

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن ما وصفه بـ “اتفاق سلام تاريخي”، بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.

تحدث ترامب، مع ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بشأن تطبيع كامل للعلاقات بين البلدين.

وأكد بن زايد، على موقع التدوينات المصغرة “تويتر”، أن الاتفاق ينص على وضع خارطة طريق نحو تدشيّن التعاون المشترك بين البلدين، وصولاً إلى علاقات ثنائية.

يشتهر بن زايد بتشجيع كرة القدم ويترأس نادي العين الإماراتي ويهتم بالشعر والصيد

محمد بن زايد

من هو  محمد بن زايد؟

محمد بن زايد المولود في 11 مارس/آذار عام 1961، تخرج في  كلية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا عام 1979، والتحق بالقوات الجوية الإماراتية حتي تقلد منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تمكن خلال ذلك من بناء علاقات قوية مع بلدان العالم خاصة الغرب.

توصل أخيرًا إلى تحقيق تقارب غير مسبوق وتوقيع اتفاقية تطبيع كامل مع إسرائيل، سبقتها أنباء كثيرة عن اتصالات بين الجانبين وعلاقات غير معلنة توجتها الاتفاقية الأخيرة.

ويشتهر “بن زايد” بتشجيع كرة القدم ويترأس نادي العين الإماراتي ومهتم بالشعر والصيد، ومتزوج من الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان، ولديه 5 بنات و4 أولاد.

اتبعت الإمارات في عهد محمد بن زايد سياسة متشددة مع الإسلاميين خاصة بعد هزيمة “الثورات العربية”

خطته الطموحة

تولى الشيخ محمد بن زايد، ولاية العهد في الإمارات عام 2004، لكن بروز نجمه بدأ منذ 6 سنوات بعد مرض أخيه الشيخ خليفة بن زايد بجلطة دماغية عام 2014، وأصبح ينظر إليه على أنه الحاكم الفعلي للإمارات.

وكان موقع “ويكليكس”، قد سرب وثيقة أمريكية تعود لعام 2009، يصف فيها ريتشارد أولسون السفير الأمريكي في الإمارات الشيخ محمد بن زايد” بأنه الرجل الذي يحكم الإمارات.

ومنذ تولي بن زايد، مقاليد السلطة الفعلية عام 2014، تحول الدور الإماراتي في المنطقة من دولة محايدة في شئون المنطقة إلى دولة أكثر فاعلية تمارس دورًا مؤثرًا ومشاركًا في إعادة صياغة خريطة الشرق الأوسط الجديدة.

يضاف إلى ذلك إدارة الصراعات المشتعلة فيها من اليمن إلى ليبيا والسودان، خاصة بعد اختبارها لدورها الفاعل والمؤثر في صناعة الحدث خلال فترة “الربيع العربي”.

اعتبر محمد بن زايد مسؤولاً عن قرار  إرسال قوات عسكرية إماراتية، للمشاركة ضمن “التحالف العربي” في اليمن، للمرة الأولى منذ تأسيس البلاد عام 1971، دعمًا للحكومة “المعترف” بها دوليًّا ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، تلك الحرب التي سببت دمارًا واسعًا في اليمن وتعرضت للكثير من النقد الدولي، بسبب الغارات التي استهدفت الكثير من المدنيين، وخلفت ملايين في مجاعة ومشردين.

الاختبار الثاني لتوجهات محمد بن زايد الخارجية ظهرت نتائجه من خلال دوره الفاعل في أحداث الثورة الليبية، حيث شاركت الإمارات بفاعليه في الصراع الدائر في ليبيا بين حكومة الوفاق، وقوات الجنرال الليبي خليفة حفتر.

يعتقد البعض أن الإمارات تتولى تمويل وتسليح “حفتر”، بل والمشاركة في غارات جوية ينفذها الطيران الإماراتي على أهداف داخل ليبيا بالتعاون مع مصر، وهما أبرز الداعمين لقوات الجيش الليبي في مواجهة الدعم التركي لحكومة الوفاق.

ويحتفظ “بن زايد” بعلاقات قوية مع ولي العهد السعودي، إذ يمثلان التوجه الجديد في منطقة الخليج والذي يعتبر أكثر انفتاحًا على الغرب، ولديهما رغبة مشتركة في تغيير الصورة المحافظة للمجتمعات الخليجية في ثوب أكثر شبابًا التي ارتبطت صورة حكامها لزمن طويل بنمط الحكام الرجعيين من كبار السنّ والمستندين على عصبيات قبلية، أو مرجعية دينية تقليدية.

من جهة أخرى، اتبعت الإمارات في عهد محمد بن زايد، سياسة متشددة مع الإسلاميين خاصة بعد هزيمة “الثورات العربية”، وأصدرت أحكامًا مشددة على الكثيرين منهم بتهمة العمل لصالح تنظيمات إسلامية متطرفة، على رأسها “الإخوان المسلمين”.

بلغ عدد سكان الإمارات الأصليين حسب تعداد 2020 حوالى 2 مليون و700 ألف شخص يشكلون 30% من السكان المقيمين بها

الشيخ خليفة بن زايد

تركيبة الإمارات وطموح “بن زايد”

شكلت زيارة البابا فرنسيس، للإمارات في فبراير/شباط عام 2019 صورة يسعى محمد بن زايد إلى تقديمها للعالم كبلد للتسامح بين الأديان تسمح بممارسة الشعائر الدينية بحرية، ليس فقط للمسيحيين، بل كانت أول بلد خليجيّ يسمح بإقامة معابد لمختلف الأديان بها حتى غير السماوية منها.

ويبلغ عدد سكان الإمارات الأصليين- حسب تعداد 2020 حوالى 2 مليون و700 ألف شخص، يشكلون 30% من سكان الإمارات والمقيمين بها، بينما يبلغ عدد حاملي الجنسية من غير السكان الأصليين والمقيمين من جنسيات أخرى ما يقارب 6 ملايين و600 ألف شخص، وتضم الإمارات مقيمين يحملون أكثر من 200 جنسية عالمية، مما يجعلها أكثر بلدان العالم في التنوع السكاني.

بلغ الدخل القومي للإمارات 414 مليار دولار حسب تقديرات البنك الدولي عام 2018

زيارة البابا فرنسيس للإمارات

تكلفة طموحات الدولة

بلغ الدخل القومي للإمارات 414 مليار دولار- حسب تقديرات البنك الدولي عام 2018، وهو ما يضعها في المرتبة الثانية خليجيًا بعد المملكة العربية السعودية، والمرتبة 29 عالميًا، ولا يزال النفط يشكل القطاع الأكبر مساهمة في الناتج القومي بما يقارب 30%، بينما تشكل التجارة والصناعة والسياحة النسبة الباقية من الناتج القومي للإمارات.

ورغم عدم وجود أرقام عن مساهمات الإمارات المالية في الأزمات التي تشارك فيها في المنطقة، إلا أن المؤكد أن الدور الفاعل للإمارات خارجيًا يشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد، وهو ما دعى – بحسب وكالة الأناضول- محمد بن راشد، حاكم دبي خلال اجتماع جمع حكام الإمارات العام الماضي، إلى التعبير عن انزعاجه من السياسات الخارجية للدولة، قائلاً: “علينا أن نعيد النظر في سياساتنا الخارجية، إننا ننفق مئات الملايين من الدولارات كل يوم، فما المقابل؟”.

تبلغ إجمالي استثمارات الإمارات في أفريقيا 1.1 مليار دولار

الإمارات في إفريقيا

تشارك الإمارات بفاعلية في الاستثمار في إفريقيا من خلال “مبادرة الحزام والطريق” التي تقودها الصين وتبلغ إجمالي استثماراتها 1.1 مليار دولار، وتستهدف الإمارات إلى استثمار خبرات شركاتها في إدارة الموانئ ومد شراكتها مع الصين إلى إفريقيا، حيث تمرر الإمارات 25% من تجارة الصين مع الدول العربية.

وتعمل موانئ دبي العالمية على تشغيل ميناء دوفيوتشر في السنغال، ووقعت اتفاقًا مع مالي لإقامة منصّة لوجيستية لإدارة التجارة في منطقة الصحراء الكبرى وغرب لإفريقيا، كما تشارك الكونغو الديمقراطية في مشروع إدارة ميناء مياه عميقة باستثمارات تبلغ مليار دولار، لتعزيز وضعها كبوّابة للأسواق الإفريقية.

كما تعمل الإمارات من خلال بنك دبي الإسلامي، الذي تَوسّع في كينيا والكثير من الدول الإفريقية خلال العامين الماضيين، وتسعى للبدء في استثمارات في قطاع البترول النيجيري في العام المقبل عبر مشروع مشترك بين شركة أبو ظبي الوطنية للبترول وأرامكو السعودية، ومؤسسة البترول الوطنية النيجيرية.

الإمارات أعلنت العام الماضي عن انتهاء عملياتها العسكرية في اليمن وانتقالها من الاستراتيجية العسكرية إلى السياسية

الدور الإماراتي في اليمن

الدور الإماراتي في اليمن

شاركت الإمارات في “التحالف العربي”، المناهض للوجود الإيراني في اليمن مع كل من: السعودية، ومصر، والسودان، والبحرين، والمغرب، لكن يرى الكثير من المحللين أن للإمارات أهدافًا مغايرة عن أهداف التحالف المناهض لإيران، أبرزها: السيطرة على الموانئ اليمنية، ومحاربة جماعة الإخوان المسلمين وتجلى ذلك عبر تمركزها في جنوب اليمن، وتدريبها للانفصاليين اليمنيين على مدار سنوات.

لكن الإمارات أعلنت العام الماضي عن انتهاء عملياتها العسكرية في اليمن وانتقالها من الاستراتيجية العسكرية إلى السياسية، وسحبت جزءًا كبيرًا من قواتها في اليمن، لكن الغارات الجوية التي نفذتها مقاتلات إماراتية في جنوب اليمن مؤخرًا، أثارت الكثير من علامات الاستفهام، بشأن ما تريده الإمارات من اليمن.

قطع العلاقات مع قطر وحصارها

قاد “بن زايد” مع بن ولي العهد السعودي، ومعهما مصر والبحرين، عملية قطع العلاقات مع قطر في يونيو/حزيران عام 2017 وحصارها، لدعم حركة الإخوان المسلمين وأنشطتها الهادفة لقلب نظم الحكم في دول الخليج والمنطقة العربية، وتعاونها مع إيران.

وفرضت الدول الأربع حصارًا شاملاً، لتحقيق 13 مطلبًا تقدموا بها إلى قطر، أهمها إغلاق قناة الجزيرة، وإزالة القاعدة العسكرية التركية، وقف دعم وتمويل الإرهاب.

ويعتقد على نطاق واسع أن الأزمة في جوهرها إماراتية- قطرية، حتى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طالب في إبريل الماضي من الشيخ محمد بن زايد، اتخاذ خطوات تجاه حل الخلاف الخليجي، من أجل العمل معًا للقضاء على فيروس كورونا، وتقليل تأثيره الاقتصادي والتركيز على القضايا الإقليمية الحرجة.

بلغ إجمالي التبادل التجاري بين إيران والإمارات 13.5 مليار دولار العام الماضي

العلاقات الإماراتية الإيرانية

وأدت طموحات “بن زايد” الاقتصادية، إلى تعزيز التعاون التجاري مع إيران، رغم موقف الإمارات سياسيًا وتأييدها للولايات المتحدة والسعودية في الضغط عليها، حتى أن وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت عن معاقبتها لــ5 شركات إيرانية في مارس/آذار الماضي، لدورها في بيع النفط الإيراني تحت دعوى أنه نفط عراقي.

كما بلغ إجمالي التبادل التجاري بين إيران والإمارات 13.5 مليار دولار العام الماضي، مما يجعل الإمارات الشريك التجاري الثاني لإيران بعد الصين.