تتعرض الأقليات المسلمة، في كثير من دول العالم لأعمال عنف واضطهاد، وتختلف منابع الاضطهاد من بلد إلى آخر، ما بين اضطهاد من قبل الحكومات، أو الطوائف الدينية الحاكمة في بعض البلدان، أو من المجموعات الدينية ذات الأغلبية، أو من قبل الأفراد.

تتباين أعمال العنف والاضطهاد ضد المسلمين من بلد لآخر، فبينما تُمارس عمليات قتل منظمة ضد الأقليات المسلمة في بعض الدول، يتعرض المسلمون في دول أخرى إلى التهجير القسري، أو الدمج القسري، وبينما يحرمون من إقامة شعائرهم الدينية وبناء المساجد في دول بعينها، تُنتقص حقوقهم السياسية والديمقراطية والاقتصادية في بعض البلدان، فيما تمارس ضد الأقليات المسلمة في دول أوروبية، أعمال عنف فردية، سواء لأسباب ثقافية، أو اقتصادية واجتماعية، من بين تلك الأشكال تبقى قضية اضطهاد الإيغور في الصين القضية الأكثر جدلًا.

تاريخ من الاضطراب والتمرد

تاريخ طويل من الاضطرابات بين مسلمي الإيغور – سكان إقليم شينغيانغ، الذين تعود أصولهم إلى الشعوب التركية (التركستان)، ويعدون أنفسهم أقرب عرقيًا وثقافيًا لأمم آسيا الوسط، وبين السلطات الصينية، والتي تَعتبر الإيغور صداعًا في رأس الحكومة الشمولية في الصين.

تَمرَد الإقليم طويلًا خلال الفترات المتتابعة من تاريخ البلاد، وحصل على الاستقلال لفترة قصيرة تحت اسم “دولة تركستان الشرقية” في عام 1949، قبل أن يتم ضمه إلى دولة الصين الشيوعية، وفي التسعينيات وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال عدد من دول آسيا الوسطى، انتعشت الآمال الاستقلالية لسكان الإقليم، وانتشرت المظاهرات التي قمعتها السلطات الصينية بعنف شديد.

تغيير التركيبة السكانية للإقليم

تركز الاقتصاد في شينغيانغ لسنوات طويلة في الزراعة والتجارة، وفي عام 2000 اعتمدت الحكومة الصينية ما أطلقت عليه خطة تطوير الإقليم فجلبت مواطنين من جماعة  “الهان” الإثنية صاحبة الأغلبية في الصين، إلى الإقليم، في محاولة لتغيير التركيبة السكانية  لـ”شينغيانغ ” بحسب نشطاء من الإيغور، حيث كان الإيغور يشكلون أغلبية الإقليم، فصاروا بعد هجرة “الهان” يمثلون نحو 50% من سكانه، والبالغ عددهم 22 مليون نسمة، ويشكو الإيغور من التهميش والتمييز ضدهم في الوظائف والحقوق الاقتصادية لصالح المهاجرين من “الهان” الصينيين.

أعمال عنف واضطهاد ضد المسلمين

معسكرات للاحتجاز وتقييد حرية العبادة

قلصت الحكومة الصينية الأنشطة التجارية والثقافية للإيغور، ووضعت قيود على حرية العبادة من خلال تقليل عدد المساجد، كما فرضت رقابة شديدة على المدارس الدينية في مدن الإقليم، ولأكثر من مرة خلال الأعوام العشر الماضية حظرت الحكومة في شينغيانغ على الموظفين المسلمين الصيام في شهر رمضان.

واتهمت منظمة العفو الدولية، الصين، بتجريم الأنشطة الدينية وقمع حرية التعبير السلمي عن الهوية الثقافية، كما اتهمت السلطات باحتجاز مئات الآلاف من الإيغور في مراكز التأهيل السياسي.

تقرير “هيومن رايتس ووتش” عام 2017، قال إنه: “يجب على عملاء الحكومة الصينية إطلاق سراح الأشخاص المحتجزين في مراكز التعليم السياسي غير القانونية في شينجيانغ، وإغلاق هذه المعسكرات” مقدرة عدد المحتجزين في تلك المعسكرات بمليون شخص.

وذكرت تقارير لعدة منظمات حقوقية إنه حتى نوفمبر 2019، يُحتجز شخص واحد من أصل 10 من الإيغور في معسكرات إعادة التأهيل والتعليم، وقالت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة: “إن الصين قد حولت المنطقة إلى معسكر اعتقال هائل يكتنفه السرية”.

أعمال عنف

شهد الإقليم أعمال عنف على مدرار سنوات عديدة، من انفجارات لأقسام الشرطة في عدة مدن من شينجيانغ، إضافة لعمليات طعن ودهس بالسيارات بحق عمال صينيين من “الهان”، واتهمت السلطات الصينية من أسمتهم انفصاليو الإيغور و”حركة تركستان الشرقية” بالتورط في هذه الأعمال، ملقية اللوم على قوى خارجية ومجموعات الإيغور في الولايات المتحدة وأوروبا، وهي المجموعات التي اتهمتها الصين بالعمل بنشاط على الترويج لفكرة تركستان الشرقية المستقلة.

ويرى محللون سياسيون أن هذه الأعمال تأتي ردًا على تقييد الحريات الدينية في العبادات مثل منع السلطات الموظفين في مدن الإقليم من صوم شهر رمضان، ومنع ارتداء النساء للحجاب، والاعتقال الآلاف من السكان، إضافة للتمييز في الوظائف والأجور لصالح “الهان” ومصادرة الأراضي الزراعية بحجة تطويرها.

بينما يعتقد آخرون أن هناك القليل من الأدلة، أو ربما لا يوجد أي دليل يشير إلى أن “حركة تركستان الشرقية”، أو أي جماعة أخرى متورطة في هذه العمليات، مشككين في أن يكون للحركة وجود فعلي على الأرض في الوقت الحالي، متهمين السلطات الصينية بلعب دور في هذه الأحداث من أجل تبرير سياساتها الأمنية الثقيلة في الإقليم.

اجتماعات الحزب الشيوعى الصينى

“الهان” يرفضون التورط

نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية العام الماضي، وثائق، قالت إنها مسربة من قبل قيادات بالحزب الشيوعي الصيني ينتمون إلى “الهان”، تكشف الوثائق مطالب لكبار المسؤولين، بمن فيهم الرئيس الصيني شي جين بإنشاء معسكرات اعتقال ذات طابع سري، للسكان الإيغور، ضمن ما سمي “حرب الرئيس على الإرهاب”، تبين الوثائق كيف تم اعتقال الآلاف وإلقائهم في المعسكرات في ظل ظروف قاسية، في إطار خطة إعادة التأهيل السياسي والدمج الثقافي داخل المجتمع الصيني.

بينما يرفض بعض الموظفين وقيادات تنتمي إلى “الهان”، قيل إنها وراء تسريب وثائق الحزب، توريطهم في عمليات قمع الإيغور، من خلال الاستمرار في إرسال ملايين العمال من عرقية “الهان” إلى شينغيانغ.

طريق الحرير وزيادة القمع

إقليم شينغيانغ والذي يبلغ مساحته سدس الأراضي الصينية، يربط الصين حدوديًا مع باكستان وأفغانستان وثلاث جمهوريات أخرى من دول الاتحاد السوفيتي القديم هي طاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان، إضافة لما يتمتع به الإقليم من ثروات طبيعية هائلة، وهو ما يجعل للإقليم أهمية كبيرة لدى السلطات الصينية، تدفعها إلى محو أي تميز ثقافي لسكانه، هذا التميز الذي قد ينعش الميول الانفصالية لدى سكان الإقليم، وهو ما جعل الحكومة الصينية تقوم بعمليات تأهيل ثقافي وسياسي بشكل قسري من خلال احتجاز مئات الآلاف من الإيغور في معسكرات للتأهيل، كما عمدت الحكومة الصينية على تفكيك النزعة الدينية لديهم بالقوة الجبرية من خلال منعهم من أداء العبادات مثلما حدث بمنعهم من صوم شهر رمضان.

مع عزم السلطات الصينية تنفيذ مشروع “طرق الحرير الجديدة” الذي سيربط الصين بأسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا وأفريقيا، هذا المشروع الذي يتطلب بنية تحتية عملاقة من شبكات طرق وخطوط سكك حديدية وموانئ ومطارات بين ما يقارب من 65 دولة،  ارتفعت حدة القمع الذي يتعرض له الإيغور في إقليم شينجيانغ، حيث ترى الحكومة الصينية أن تركز ملايين السكان الإيغور ممن يحملون تمايزًا ثقافيًا وميولًا استقلالية، في إقليم شينجيانغ ـ البوابة الطبيعية لطرق الحرير، قد يكون عقبة في وجه مشروعها الكبير والذي تسعى لإقناع العالم بأهميته الاقتصادية.