الفقر متعدد الأبعاد، زاوية جديدة يُنظر بها لموضوع الفقر، ففي الغالب يُنظر لتعريفه من زاوية يتيمة، تعتمد على متوسط دخل السكان كمؤشر على حال البلد المعني، لتحديد نسبته فيه.

أما مؤشر الفقر المتعدد الجوانب، فيأخذ في الحسبان الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي، ففي بعض الدول تتوفر هذه الخدمات مجانًا، أو بأسعار زهيدة، بينما في دول أخرى لا تتوفر حتى بالنسبة إلى الأشخاص من ذوي الدخل.

دراسة جديدة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، على أطفال مصر اللذين يتعرضون للفقر متعدد الأبعاد، وكانت نتائجها صادمة، حيث جاءت نسبة الأطفال المُعرضون لتلك الظاهرة 3 أطفال من كل 10.

ووفقًا للدراسة، فإن الفقر متعدد الأبعاد له ثمانية محاور، الحماية من العنف، خدمات الصرف الصحي، الحصول على معلومات، ظروف السكن، الصحة، التغذية المناسبة، التعليم، الحصول على المياه، لضمان حصول الطفل على حياة عادلة.

“أغلب الأطفال المُعرضين لفقر متعدد الأبعاد عمرهم أقل من 5 سنوات ومعظمهم من سكان الريف”.. اليونيسف

أطفال الريف

الدراسة، توصلت إلى أن الطفل إذا حُرم من محورين أو بعدين يعتبر أحد المتعرضين للفقر متعدد الأبعاد، ووصل عددهم إلى 3 ملايين طفلًا، نظرًا لحرمانهم من ثلاثة أبعاد أو أكثر.

وذكرت الدراسة، أن أغلب الأطفال المُعرضين لفقر متعدد الأبعاد عمرهم أقل من 5 سنوات، ومعظمهم من سكان الريف، إذ يعاني 2 من كل 5 أطفال في الريف من تلك الظاهرة، بينما تبلغ النسبة في الحضر طفل واحد من كل 5، أي الضعف .

“سوء التغذية، التعرض للعنف الجسدي، وعد الحصول على الخدمات الصحية”.. الثلاث أبعاد السابقة، هي الرئيسة التي تجعل أعداد أطفال الريف أكثر عرضة للفقر متعدد الأبعاد.

الخدمات الصحية

ناصر سعد

ووفقًا لبيان صادر في مارس من عام 2018، فإن عدد الوحدات الصحية في المحافظات عام 2016 بلغ 662 وحدة في القطاع الحكومي، و1017 وحدة في القطاع الخاص، بإجمالي 1679 وحدة في القطاعين، بينما أعلنت وزارة الصحة والسكان ارتفاع الرقم إلى 5000 في عام 2018.

الدكتور ناصر سعد، أحد أطباء الوحدة الصحية بقرية برنشت بمحافظة الجيزة،  قال إنهم يواجهون مشاكل عدة، في الوحدات الصحية، أهمها أنها ليست مجهزة لاستقبال الحالات الحرجة، ما يتسبب في وفاة طفل بسبب لدغة ثعبان، خاصة أن المستشفى المركزي المجهزة تبعد عن القرية مسافة ساعة تقريبًا، وكذا أزمات مرضى الغسيل الكلوي، وغيرهم.

يضيف سعد، أنه من أهم أركان تطوير الخدمة أن تكون البيئة الداخلية للوحدات الصحية ملائمة لاستقبال الفئات الأكثر احتياجًا وهي الحامل والأطفال والمسنين، وضرورة تنشيط البرامج التوعوية للوقاية من الأمراض.

“ارتفاع عدد الفقراء في مصر إلى 12.5 مليون مواطن خلال العام المالي 2020-2020”.. المعهد القومي للتخطيط

سوء التغذية

مجدي نزيه

أعدت منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، كتابًا عن الوجبات الغذائية المتوازنة، لمساعدة الأسر والفئات المستضعفة التي تُعاني من سوء التغذية، ووجهت حملتها لسكان الريف في مصر، كما نظمت سلسلة من التدريبات الخاصة بالمطبخ المجتمعي الخاص بالتغذية.

وأشارت في تقريرها، إلى أن سـوء التغذية الحاد بيـن الأطفـال له عواقـب جسـيمة نظرًا لأن نسبة الأطفال الذين يعانون مـن سوء التغذية الحاد الحرجة مـن 6-18 شـهرًأ، قـد يعانون مـن ضعف النمو البدني والعقلي.

مجدي نزيه، رئيس وحدة الثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية، يقول إنه من المفترض أن توفر وحدات الرعاية الصحية الحكومية، حمض الفوليك مجانًا وحبوب الحديد وكبسولات فيتامين “أ” مجانًا لكن ذلك لا يحدث، بالإضافة إلى تطعيمات روتينية قد تتخلى عنها السيدات لتوفير ثمنها.

المجلس القومي للطفولة تلقى 4240 بلاغًا واستغاثة من ممارسة العنف الأسري بكافة أشكاله ضد الأطفال

يؤكد نزيه، أن التقزم والبدانة وغيرها من أمراض سوء التغذية التي يعاني منها أطفال الريف بمعدلات أكبر من الحضر يكون السبب فيها النظام الغذائي غير السليم للطفل، والذي يبدأ من الرضاعة.

ويضيف رئيس وحدة الثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية، يجب أن يحصل الطفل على أقراص مُكملة أثناء الرضاعة وبالطبع لا تعرف سيدات الريف شيء عنه، بالإضافة إلى عدم التنويع في الغذاء، لغياب ثقافة الغذاء عنهم، أو كميات الطعام القليلة في القرى الأشد فقرًا في مصر.

المعهد القومي للتخطيط، نوه في دراسة له، إلى زيادة عدد الفقراء في مصر إلى 12.5 مليون مواطن خلال العام المالي 2020-2020، لافتًا إلى أن أزمة تفشي فيروس كورونا تسببت في ارتفاع معدل الفقر في مصر، ليتراوح ما بين 5.6 إلى 12.5 مليون مواطن خلال العام المالي.

 العنف الجسدي

فتحي الشرقاوي

يتعرض الأطفال في مصر، للعديد من أعمال العنف الجسدي من الآباء أو الأقارب، وخلال الفترة الماضية استقبل خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والمومة، حوالي 4240 بلاغًا واستغاثة من ممارسة العنف الأسري بكافة أشكاله ضد الأطفال، وكان الأطفال الذين لم يتجاوز عمرهم 10 سنوات لهم النصيب الأكبر من هذ العنف بـ 2793 بلاغًا، بنسبة 65% من البلاغات، وتمثلت أغلبها في حالات تعذيب بحجة التربية والتقويم.

فتحي الشرقاوي، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، يشير إلى عدد من العوامل التي ساعدت على زيادة تعرض الأطفال للعنف في السنوات الأخيرة، خاصة في الريف، وهي تدني مستوى المعيشة، وقلة الدخل.

يوضح الشرقاوي، أن عدم ممارسة العنف على الأطفال سرتبط بثقافة الآباء، والتي يفتقدها أغلب المقيمين في الريف، نظرًا لانخفاض مستوى التعليم، بالإضافة إلى غياب الوعي بطبيعة المرحلة التي يمر بها الطفل، كما أن تعرض الطفال للعنف في المدارس وتشجيع الأهالي للمعلمين على ذلك بهدف تقويم سلوكهم، يزيد من مُعاناة الأطفال ويسبب لهم العديد من المشاكل النفسية.

استراتيجة متبعة

إسلام جابر، استشاري في مجال حماية الطفل، يقول إن مُحاربة الفقر مُتعدد الأبعاد، أحد أهم الأهداف الـ17 لخطة التنمية المُستدامة في البلاد، باعتباره شرطًا أساسيًا لتطبيق الخطة، ويرتبط طبقًا للدراسات بفقر الأسر، بسبب انعدام الأمن والشعور بالمواطنة وغيرها من العوامل التي تُزيد من مُعدل الفقر في الأسرة وبالتبعية عند الأطفال.

وأرجع لتقرير البنك الدولي، فإن سبب ارتفاع نسبت الفقر متعدد الأبعاد في الريف إلى انخفاض الاهتمام باحتياجات قُرى الصعيد، وغياب الاحتياجات الأساسية للأسرة ما يتسبب في فجوة بين مستوى الخدمة المُقدم للمدن عن الريف.

وعن الاستراتيجية الواجب اتباعها لمكافحة الفقر، أشار “جابر”، إلى أنه إذا تم حل أزمة التعليم وتوفير احتياجات المسكن للأسر، ووضع خططًا للقضاء على الأزمات التي تُقابل أهالي الريف، لكون التعليم والعملية التشريعية، هما أساس تقديم الحماية الاجتماعية، منوهًا إلى أنه يجب تفعيل الحماية القانونية، والاستثمار في الأطفال والتنمية الريفية ببرامج مكثفة للأهالي لتحسين الأوضاع هناك بالتأكيد على مبدأ توفير المعلومات.