إذا صادف وتصفحت قائمة أفضل 100 فيلم مصري عبر تاريخ السينما المصرية، والتي اختارها العديد من النقاد المصريين في عام 1996، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي في دورته العشرين، ستجد أن الراحل شكري سرحان أكثر ممثل له أفلام كبطل في القائمة بواقع 15 فيلمًا، ثم يليه العبقري أحمد زكي بواقع 6 أفلام وبعده نور الشريف، إذن فإنه في العصر الحديث أو في آخر ربع في القرن العشرين، لا يوجد أكثر قيمة من هذا الثنائي الأخير بالنسبة للسينما المصرية العريقة.

فبخلاف أنهما ظلا نجما شباك لسنوات عديدة، نجد أن الثنائي أكثر فناني جيلهما، وربما الأجيال السابقة تقمصًا للشخصيات وإبداعًا في التمثيل والأداء ولديهما كاريزما خاصة كل على حدة، تشكل هالة كبيرة لنجمين من الصفوة عبر تاريخ مصر الفني، ولكن رغم ذلك لم تجد الثنائي أي عمل يجمعهما معًا، وهذا هو السؤال المحير لمتصفح تلك القائمة ولعاشقي الثنائي وفنهما وأعمالهما الخالدة، على عكس عملهما مع نجوم آخرين من جيلهم، مثل محمود عبد العزيز، ويحيى الفخراني، ومحمود حميدة، وحتى عادل إمام نفسه.

وهناك أسباب ربما تبدو منطقية لذلك، أهمها الخلاف الكبير الذي وقع بينهما، ثم تسريبات لجلسات ودية عديدة لهما بأنهما لا يكنان الحب وربما الاحترام لبعضهما خاصة من جانب النمر الأسود، لموقف لم ينساه ويُعتبر الأشهر والأبرز بحياته الفنية، وكان طرفه الثاني نور الشريف حتى ولو بدون دخل، أو قصد له فيه بالشكل الكامل.

حادثة رئيسية ومحاولة انتحار

فيلم الكرنك الشهير الذي أنتج عام 1975، كان أحمد زكي هو المرشح الأول لدور البطولة أمام سعاد حسني بشخصية “إسماعيل الشيخ”، وبالفعل وقع على عقده مع المنتج ممدوح الليثي الذي كتب سيناريو وحوار الفيلم أيضًا، ولكن المنتج الكبير رمسيس نجيب رفض إعطاء الدور للوجه الصاعد أحمد زكي حينها، لأن الجماهير لن تتقبل أن يحب سعاد حسني في الفيلم شاب أسمر اللون ولن يتقبلوا ذلك وسيخسر الفيلم كثيرًا من هذا الاختيار، وقد استبدلوه بنور الشريف الذي أدى الدور ونجح الفيلم بشكل كبير فور نزوله وخسر “زكي” فرصته الأولى، ليكون بطلاً في ذلك التوقيت.

محمود عبدالعزيز وأحمد زكي

هذا الأمر جعله يحاول الانتحار عندما أخبره ممدوح الليثي في مكتبه بأن رمسيس نجيب اعترض على تأديته دور البطولة في الفيلم واستبدله بنور الشريف، إذ كسر كوب الماء على رأسه وسال دمه من حسرة فقدان الدور الأهم بمسيرته بذلك الشكل وكان عصبيًا كما يعرف عنه الجميع، قبل أن يتم إنقاذه وقد أثر ذلك الموقف كثيرًا في “الليثي” الذي دفع أجر “زكي” كاملاً حتى بعد اختيار ممثل غيره للدور الرئيسي باقتراح من سعاد حسني، وصلاح جاهين.

وقال له “زكي” بعد ذلك اللقاء، إن زمن رمسيس نجيب انتهى، وأنه سيجري ورائه بعد ذلك ليوقع معه عندما يصبح النجم الأول للسينما في مصر، وسيندم على فعلته، وقد كان بالفعل.

أحمد زكي

هنا بدأ الخلاف، الأمر الذي لم يرق لـ”زكي” بقبول نور الشريف الدور وهو يعلم كواليس ما جرى له دون حتى أن يعتذر له عن قبول الدور بعد ذلك، وخلقت الأزمة الأكبر في بداية مسيرة النجم الأسمر عدم احترام وربما حب لـ”الشريف”، ومنذ ذلك الحين بدأ التصدع في علاقتهما حتى زمن بعيد ورفض أن يعمل معه، بعدما أصبح نجمًا حيث شكل ذلك الموقف حاجزًا نفسيًا كبيرًا لأحمد زكي تجاه “نور”، وكل من ساهم في هذا الجرح له ببداية مسيرته الفنية العظيمة.

هجوم متبادل

بعد ذلك الموقف، صدر عن “نور الشريف” أحاديث وحوارات مختلفة عن تلك الواقعة مع “أحمد زكي”، ما زاد الطين بلة واتسع الشقاق والخلاف بينهما، حيث ظل “زكي” لا يكن ودًا تجاه “نور” لفترة طويلة برغم مرور السنوات على ذلك.

في المقابل بات الأمر عاديًا لـ”الشريف” ولم ينقص من حق ونجومية أحمد زكي فيما بعد بأغلب لقاءاته وحواراته، ولكنه قال ذات مرة إن أحمد زكي يعد تلميذه ونصح النجوم الشباب بأن لا يلعبون في منطقة لا تناسبهم، تصريحات فهمت أنها تقصد السوء للنمر الأسود وربما ساهمت في توسيع ذلك الخلاف بينهما وعدم التعاون في أي عمل فني سويًا.

نور الشريف

على الجانب الآخر المعروف أن “زكي” عصبي وصاحب لسان سليط، فكانت الجلسات الخاصة بعد ذلك الموقف تشهد هجومًا شديدًا منه على رمسيس نجيب و”نور” لما أحدثاه من أذى وجرح له في بداية حياته، وربما قرر عدم التعامل مع “نور” مستقبلاً من هذا المنطلق، ولكنه تجنب الحديث عنه تمامًا بالإيجاب أو السلب بعد ذلك في الصحافة أو التصريحات الرسمية، حتى عندما أصبح نجمًا أساسيًا للسينما المصرية، ووجهًا يتهافت الجميع على العمل معه.

“الطيب” عامل مشترك

عاطف الطيب، رائد السينما الواقعية في الفن المصري، وأحد ألمع نجومها في تلك المرحلة الفنية أواخر الربع الأخير من القرن العشرين، قدم أفلامًا عظيمة وحققت نجاحات واسعة، وكان أهم وأكثر بطلين عملا معه كانا أحمد زكي ونور الشريف، رغم الخلاف الخفي والشقاق الذي بينهما طوال تلك السنوات، فكان عاملاً مشتركًا بينهما ولكن دون أن ينتج عن ذلك عمل مشترك للأسباب الماضية.

أحمد زكي

فيلم “التخشيبة” كان هو بداية العلاقة التي ربطت أحمد زكي بالمخرج الراحل عاطف الطيب، الذي صرح بأن “زكي” هو الفنان الوحيد القادر على إدهاشه، مشيرًا إلى أن كل مخرج دائمًا يحلم بأن يمنحه الممثل درجة من التعبير أمام الكاميرا، لكن أحمد زكي يتجاوز من فرط صدقه كل أحلامه.

وحتى حينما عقد البعض مقارنة بين “نور الشريف” و”زكي” بوصفهما أبرز من اقتسما بطولة أعماله، رد “الطيب” وفصل في النزاع بينهما وأنهى ذلك الخلاف الطويل والشديد بقول واحد، حينما قال “إن نور الشريف يمنحه الأداء الذي يحلم به، لكن أحمد زكي يعطيه أبعد مما يتخيل”.