“العيش خط أحمر”، كلمة اعتادت الحكومات المتعاقبة منذ عام 1988 وحتى اليوم، على تداولها، باعتبار رغيف الخبز مكونًا رئيسيًا للغذاء، وعنصرًا أساسيًا على طاولة الأسرة المصرية، وهو المسؤولية التى أعلنت الدولة تحملها منذ أكثر من 30 عامًا، فالخبز يُعرف بـ”العيش”، وهي كلمة مُشتقة من معيشة المصريين باعتباره أحد أساسيات الحياة.

وزارة التموين والتجارة الداخلية، أعلنت في بيان رسمي صادر عنها عن تقليص حجم رغيف الخبز من 120 إلى 90 جرامًا، وهو ما يُعد التفاف على رفع سعر رغيف الخبز، ويظن البعض أن الرغيف المُدعم من الدولة ليس هامًا للكثيرين، إلا أنه في حقيقة الأمر أكثر من نصف سكان مصر يعتمدون بشكل أساسي الخبز المُدعم.

“مش حمل أي زيادة للأسعار”

حالة من الارتباك سادت الشارع المصري، خلال الأيام القليلة الماضية، بعد الإعلان عن خبرين صادمين في وقت مُتقارب، الأول بشأن ارتفاع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، والثاني والأهم هو رفع سعر رغيف الخبز المُدعم، بتقليص حجمه، وهو القرار الذي استقبله المواطنون بقلق وغضب شديد وراح الجميع يتساءل عن “الخط الأحمر”.

“محمد حميد”، أحد أهالي محافظة الجيزة، أكد أنه وأسرته المكونة من 5 أفراد لا يكفيهم ما يُصرف لهم من خبز يوميًا، إذ يضطر في الكثير من الأحيان لشراء الخبز من الأفران الخاصة، فهو مصدر رئيسي لغذائهم، متابعًا: “الأسعار غالية ومش هنقدر نوفر الأرز والمكرونة”.

يتابع “محمد حميد”: “أنا عامل على باب الله بشتغل باليومية ومش حمل أي رفع للدعم أنا محتاج وبعتمد على التموين بشكل أساسي ولما بقدر أوفر في العيش بجيب مكانه سلع تسند معايا في المعيشة”.

رغيف الخبز
رغيف الخبز

 

“الناس اللي شايفة إن مفيش أزمة مش حاسين بينا مجربوش ياكلوا اللحمة في المواسم والمناسبات بس زينا”.. إحدى متضرري قرار تقليص حجم الخبز

“مش حاسين بالغلابة”

“سمر عبد الله”، مُقيمة بمركز العياط بمحافظة الجيزة، تعرب عن رفضها لتقليص حجم رغيف الخبز، قائلة: “الناس اللي شايفة إن مفيش أزمة مش حاسين بينا مجربوش ياكلوا اللحمة في المواسم والمناسبات بس زينا، ومبيدوروش على شوية ملوخية يغمسوا بيها عيش طول اليوم عشان يسدوا جوعهم زينا، العيش عندنا أساس والباقي كماليات، كنت بوفر منه شوية علشان ازود السلع دلوقتى لا فيه توفير ولا هيكفيني أصلًا وهضطر اشتري من المخابز الخاصة”.

تشير “سمر”، إلى أنها تعيش في بيت عائلة مكون من 11 فردًا، سيتأثرون جميعًا من تقليل حجم رغيف الخبز.

60 مليون مواطنًا داخل منظومة الخبز ، يحصلون على الدعم، وتتكون بطاقاتهم من 4 أفراد، ما يُعني حصول أغلب الأسر المصرية على 16 رغيفًا مُدعمًا يوميًا، أو ما يُقابلها من النقاط بواقع 3.20 جنيه يوميًا، وتستهلك مصر سنويًا نحو 14.6 مليون طن من القمح، بينها 9.6 مليون طن مخصصة لإنتاج الخبز المدعم، فتُعد مصر أكبر دول العالم استيرادًا للقمح بما يتبعه من تدبير الاعتمادات غير المسبوقة تستنزف رصيد البلاد من العملة الصعبة.

“أصحاب المخابز لن يستفيدوا من تقليص حجم الرغيف سوى بقرش واحد لكل رغيف”.. عطية حماد رئيس شعبة أصحاب المخابز بالقاهرة

شعبة المخابز

عطية حماد، رئيس شعبة أصحاب المخابز بالقاهرة، أكد أن أصحاب المخابز لا علاقة لهم بقرار تقليص حجم رغيف الخبز، مؤكدًا أنهم طالبو وزارة التموين والتجارة الداخلية من خلال القنوات الرسمية، بإعادة صياغة تكلفة رغيف الخبز التي لم يسبق عملها منذ ما يقرب من 3 سنوات مضت، نظرًا لما حدث من تطور في الأسعار وزيادة في المحروقات، وفي باقي مدخلات الإنتاج “المياه والكهرباء والخميرة”، فضلًا عن قانون رقم (149) المرتبط بتأمينات العاملين في القطاع.

وأضاف حماد، أن أصحاب المخابز لن يستفيدوا من تقليص حجم الرغيف سوى بقرش واحد لكل رغيف بعد حسابات دقيقة وهو ما لن يحقق 10% من مطلبهم الرئيسي المرتبط بالتكلفة.

عبد الله غراب، رئيس الغرفة العامة لأصحاب المخابز، أكد أنه بعد طلبهم بتعديل التكلفة أعطت وزارة التموين، 50% من التكلفة المرجوة لأصحاب المخابز، وهو ما كلف الدولة نحو مليار جنيه، معتبرًا أن زيادة التكلفة التي تتحملها الدولة في الدعم، سبب تقليص حجم رغيف الخبز.

يذكر أن إجمالي المخابز على مستوى الجمهورية، يُقدر بنحو 30 ألف مخبز، ينتجون يوميًا ما يقرب من 250 إلى  270 مليون رغيف، وتخضع جميعها لما يقرب من 6 جهات رقابية، وفقًا لما أعلنه عبد الله غراب رئيس الشعبة العامة لأصحاب المخابز في الاتحاد العام للغرف التجارية.

الموازنة الحكومية للعام المالي الجاري دعمت السلع الغذائية والخبز بـ 48.5 مليار جنيه

الخط الأحمر يهتز

وزارة التموين والتجارة الداخلية، أعلنت عدة مرات عن ملامح منظومة جديدة لرغيف الخبز، منذ ما يقرب من 3 سنوات مضت، تخلل تلك الفترة الإعلان عن تقرير رسمي أعدته الإدارة العامة للدراسات وبحوث التكاليف بالوزارة، يشير إلى تراوح مُعدلات استهلاك الخبز المُدعم بين 2.5 إلى 3.8 رغيف في اليوم، لكل مواطن، من واقع البيانات الرقمية الصادرة عن شركات تشغيل الكروت الذكية، التي يستخدمها في توقيت صدور الدراسة نحو 81 مليون مواطن في صرف حصتهم من الخبز المدعم.

وبعد مرور ما يقرب من عامين على الدراسة السابقة، أعلنت “التموين”، ملامح منظومتها الجديدة في قرار وزاري تم فيه تحديد التكلفة بنحو 283 جنيه للمخابز المستخدمة للغاز الطبيعي، وتثبيت سعر الرغيف عند 5 قروش مع تخفيض وزنه من 110 لـ 90 جرام، وزيادة عدد ارغفة الجوال وزن 100 كيلو الى 1450 رغيف.

وأضافت وزارة التموين، أن الدولة تتكفل بالتأمين على 5 عمال لكل مخبز يستهلك 10 جوال يوميًا، بينما يتم التأمين على 10 عمال لكل مخبز يستهلك 20 جوال يوميًا.

يشار إلى أن الموازنة الحكومية للعام المالي الجاري “2020/2021″، دعمت السلع الغذائية والخبز بـ 48.5 مليار جنيه، والمنظومتين التابعتين لوزارة التموين والتجارة الداخلية يستفيد منها نحو 71 مليون مواطن مقيدين على نحو 22 مليون بطاقة تموينية.

“90% من الأسر المصرية يستهلكون الخُبز البلدي المُدعم في غذائهم بشكل عام و60% يعتمدون عليه بشكل أساسي”.. مركز دعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء

على مصليحى وزير التموين
على مصليحى وزير التموين

 تطور سعر رغيف الخبز

رغيف الخبز، هو السلعة الوحيدة التي لم تتأثر بارتفاعات الأسعار، على مدار السنوات الماضية، حيث سارت وتيرتها ببطء شديد، فالاقتراب من رغيف الخبز كان يُعامل بحذر وتردد بداية من انتفاضة 18 و19 يناير 1977، والتي عُرفت بـ”انتفاضة الخبز”، وكان سعر الرغيف وقتها “تعريفة” أو “نصف قرش”، وأثناء توجه الدولة لتحريك الأسعار، تم رفع سعر الرغيف من تعريفة إلى قرش، وهو ما تسبب في انتفاضة الشارع المصري، اضطر وقتها رئيس الجمهورية الراحل محمد أنور السادات، للتراجع عن قرار رفع الأسعار.

وجاء أول تغيير في سعر رغيف الخبز في يونيو 1980، فزاد من تعريفة إلى قرش، واستمر على هذا السعر حتى سبتمبر 1984 حينما صدر قرار برفع سعره إلى قرشين، وجاء التغيير الثالث عام 1988 ليستقر عند 5 قروش دون تغيير.

ورغم أن الفترة الأخيرة، شهدت تغيرًا كبيرًا في مختلف الأسعار، إلا أن رغيف الخُبز ظل لأكثر من 30 عامًا محافظًا على سعره باعتباره “خط أحمر”، والمساس منه يعنى المساس بمنطقة ألغام لاعتباره الغذاء الرئيسي للقطاع الأكبر والأكثر احتياجًا في الشعب المصري.

وفي تقرير صادر عن مركز دعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، فإن 90% من الأسر المصرية يستهلكون الخُبز البلدي المُدعم في غذائهم بشكل عام، و60% يعتمدون عليه بشكل أساسي، وفقًا لنتائج مرصد أحوال الأسرة المصرية، ويبلغ متوسط استهلاك المصريين للخبز البلدي نحو 4 أرغفة للفرد يوميًا، وإجمالي الاستهلاك السنوي للفرد نحو 1360 رغيف.

“باصينلنا في اللُقمة”

علق نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، على قرار تقليص حجم رغيف الخبز، متداولين عددًا من الصور لحجم رغيف الخبز الجديد، فيما نفت وزارة التموين تأثر الحجم إلى هذا الحد المُعلن عنه.

وجاءت تعليقات النُشطاء، كالتالي: “مفيش أحسن من العيش البلد، بلا عيش مخبز 90 جرام بلا 110، أقل وزن في العيش الشمسي بتاع الصعيد ربع كيلو”، “خبر تقليل حجم رغيف الخبز صادم، تحس ان في حد باصص ليك في اللقمة حرفيًا”.