دأب محل شهير للملابس بشارع 26 يوليو بوسط القاهرة، على رفع أسعار الملابس بصورة فجة في شهري يوليو ويناير من كل عام، حتى يضمن استمرار تحقيق أرباحًا جيدة قبل تخفيض الأسعار في موسمي الأوكازيون الشتوي والصيفي، والتي تصل إلى 50%.
يعرف صاحب المحل الشاب، الكثير عن نظريات التسويق النفسية حتى لو لم يدرسها، فالجمهور يبحث عن الأعلى في التخفيض دون النظر للسعر الأصلي الذي كان عليه قبلها، فحتى مع ارتفاع نسبة التخفيض، لا تزال الأسعار أعلى بكثير من سعر المنتخ ذاته في الأسواق الشعبية.
تُجبر وزارة التموين، أي تاجر يريد المشاركة في الأوكازيون بالحصول على موافقة المديرية التابع لها، وتؤكد أنها تتبع إجراءات صارمة للتأكد من جودة المنتجات المعروضة، والإعلان عن ثمن السلع المعروضة للبيع قبل وبعد الأوكازيون ليتأكد الزبون من التخفيض.
لا تعتبر المشاركة في الأوكازيون، إلزامية على أصحاب المحال التجارية، لكن الكثيرون يتكالبون على الانضمام إليه للتخلص من المخزون المتراكم قبل قدوم موسم الملابس الجديد، وتحاشيًا لتغيرات الموضة والأزياء المستمر، فلا يضمن البائع تصريف بضاعته في الفصل ذاته من العام المقبل.
يقول صاحب المحل، الذي لم يتجاوز الأربعين من عمره، إن العقوبات المفروضة على المحال التجارية “قاسية”، لكنها مرهونة بشكوى العملاء، والذين لن يعرفون أساسًا بجودة البضاعة، حتى وإن وجدوا أن أسعارها لاتزال مرتفعة، يكتفون بـ “الفُرجة” ويغادرون، ويبحثون عن محل آخر، وبالتالي لا مخاطرة في الأمر.
ويُحرر العاملين بجهاز حماية المستهلك ممن يحملون صفة الضبطية القضائية، محاضرًا للمحلات التي تُعلن عروضًا وهمية، كما يحيلونها لنيابة الشئون المالية والتجارية التي تمررها بدورها للمحكمة الاقتصادية، وتصدر أحكامًا للمخالفين على حسب نوع المخالفة، وحجمها تتراوح بين التغريم والحبس.
يشارك في الأوكازيون الصيفي العام الحالي ٢٥٨٤ محلا بعد مد فترته لمدة شهر حتى 22 سبتمبر، بناء على طلب من التجار الذين يرونه تعويضًا عن فترة الركود التي شهدتها محالهم خلال الفترة الماضية بسبب انتشار فيروس كورونا.
تقول “علياء عمر”، التي خرجت لتوها بعدد من الأكياس من محل تجاري بوسط القاهرة، إنها انتظرت الأوكازيون لاستكمال احتياجاتها من الملابس قبل زفافها منتصف الشهر المقبل، ولا يفرق معها كثيرًا الحديث عن الجودة أو الخامات، فالحسبة المالية هي العنصر الأهم.
تضيف”علياء”، أنها تأكدت من البضاعة التي اشترتها أكثر من مرة، ففي موسم التخفيضات الماضي اشريت قطعة ملابس غالية بها عيوب واضحة ورفض صاحب المحل إرجاعها، أو حتى استبدالها بواحدة أخرى بحجة عدم وجود المقاس ذاته واضطرت لشراء قطعة قديمة الطراز لأنها الوحيدة المناسبة لها في المقاس.
تبدو مشكلة العروض والتخفيضات أزلية في مصر فكثير منها تستخدمه الشركات كـ”حصتان طروادة” لمآرب أخرى، فبعضها يتخذها وسيلة لتصريف منتجات راكدة منذ سنوات تقادمت مع التحديثات الجديدة، والبعض الآخر يحمل الجمهور عبء شراء منتج لا يحتاجه بربطه بحزمة واحدة مع منتج آخر للحصول على التخفيض.
لا تزال جميع المحال التجارية والشركات بمصر، تُحدد المدة الزمنية للاستبدال بـ 14 يومًا فقط ، رغم رفعها قانونيًا إلى شهر كامل وتستغل عدم وعي الجمهور، الذي تؤكد الكثير من الجمعيات الحقوقية أنه لا يزال مصنفًا ضمن الفئة السلبية.
يقول أمير الكومي، رئيس جمعية المراقبة والجودة لحماية المستهلك، إن جهاز حماية المستهلك حاليًا يملك سيارات لديها الضبطية القضائية في العديد من المحافظات يمكنها التفاعل فورًا مع شكاوى الجمهور، لكن المشكلة أن الوعي لا يزال ضعيفًا عند الجمهور، خاصة ما إذا كانت السلعة منخفضة القيمة مثل الملابس.
يضيف أن المشكلة في أوكازيونات الملابس تتعلق بالتسعير، فمن الصعب الوصول للسعر الأصلي للملابس، والموضوع يعتبر ترويجي بحت لأصحاب المحال التجارية، لكن فيما يتعلق بالاسترجاع والاستبدال فالقانون واضح، ومن حق الزبون استرجاع أمواله بالطريقة التي دفع بها ودون إبداء أسباب.
يضع “الكومي” مجموعة من النصائح لتحاشي التعرض للخداع في موسم الأوكازيون، أولها الحصول على فاتورة شراء مختومة بالسعر المدفوع ونسبة الخصم التي أقرها المحل على المنتج، الشراء من العلامات التجارية الموثوقة والمعروفة وتجنب شراء منتجات مجهولة المصدر، وقراءة مواصفات المنتج جيدًا عند الشراء عبر الانترنت، والالتزام بمعايير الأمان عند التسوق عبر الإنترنت.
يقوم موظفو جهاز حماية المستهلك ممن يحملون صفة الضبطية القضائية بتحرير محاضر للمحلات التي تعلن عروض وهمية وإحالة الأمر لنيابة الشئون المالية والتجارية، التي تمررها بدورها للمحكمة الاقتصادية وتصدر أحكاما للمخالفين على حسب نوع المخالفة وحجمها تتراوح بين التغريم والحبس.
جهاز حماية المستهلك، يؤكد أن الأمر مرهون بالجمهور الذي لابد أن يتحرك ويحمي نفسه، وغيره لتفعيل العقوبات القانونية الرادعة التي تصل إلى 3 ملايين جنيه غرامة مع الحبس، وأن يتوقف عن الثقافة السلبية التي تقول إن الشكوى ستستغرق شهورًا ولن يتحرك فيها أحد.
باتت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة أساسية لمواجهة العروض الوهمية التي تقدمها بعض المحال التجارية المشاركة في الأوكازيون أو حتى في مبادرات الحكومية لمحاربة الغلاء، وتوصيل صوت المتضررين للأجهزة الرقابية والضغط عليها من أجل التحرك.