بينما كانت شمس حزيران تستعر فوق حقول الفاكهة الباكستانية، لتلهب نارها جباه العاملات وهن يجنين الثمار، وقعت مشادة بين المرأة الشابة “آسيا بيبي”، ورفيقاتها في العمل، حول دلو من الماء، حينما قالت النسوة، إنه لم يعد في إمكانهن لمس ماء الدلو بعد أن استخدمته آسيا، لأن عقيدتها المسيحية دنسته.
في مشادة تالية، تهكم النسوة على آسيا، وطالبوها بالتحول إلى الإسلام، وتجاذبن مع آسيا حديث حاد، فردت عليهن بكلام قالت النسوة إنّ به إساءة في حق النبي محمد.
260 مليون مسيحي مضطهد حول العالم
بعد ذلك، تعرضت آسيا للضرب في منزلها، فأقرت بـ”التجديف” بحسب روايات النساء اللائي شهدن الواقعة أو شاركن فيها، وبعد التحقيق في الواقعة تم اعتقالها من قبل الشرطة الباكستانية.
“التجديف” واضطهاد مسيحيي باكستان
قانون التجديف الذي اعتقلت “آسيا” بموجبه، هو قانون باكستاني، يضم موادًا وعقوبات تصل إلى الإعدام حال توجيه أي شخص إساءة للدين الإسلامي، أو التهكم على النبي محمد أو آيات القرآن الكريم.
“والتجديف” ليس قانونًا يجرم ازدراء الأديان، بشكل عام، كالكثير من القوانين المعمول بها في بعض الدول، الوضع في باكستان مختلف، فالقانون أحادي الجانب، يعاقب فقط أتباع الديانات الأخرى إذا ما “تهكموا” على الدين الإسلامي.
عام 2014 اختطفت جماعة بوكو حرام الإرهابية 276 طالبة
أُحيلت آسيا إلى المحاكمة في نفس عام الواقعة 2009، وفي نوفمبر من العام التالي 2010، قضت المحكمة بإعدامها بتهمة التجديف في الدين الإسلامي.
أحدثت قضية آسيا الكثير من الجدل داخل المجتمع الباكستاني، لكن الصوت الأعلى داخل الشارع كان للمتشددين، حيث سادت حالة من الترهيب لليبراليين الباكستانيين الرافضين لقانون التجديف وكل من حاول الدفاع عن “آسيا” إذ قتل السياسي سلمان تيسير، برصاص حارسه الشخصي، ممتاز قدري، بعد إعلانه دعمه لآسيا ومهاجمته قانون التجديف.
بعد 8 سنوات من الحكم بإعدام آسيا، قضت محكمة الاستئناف في نوفمبر من عام 2018، ببراءة آسيا من تهمة “التجديف” في الدين الإسلامي والإساءة للنبي محمد، والتي قالت في حيثيات البراءة: “إن القضية بُنيت على أساس أدلة واهنة، وإن آسيا اعترفت أمام حشد “يهددها بالقتل”.
حكم البراءة تسبب في احتدام الأحداثُ الطائفية، وعمت المظاهرات الرافضة لحكم البراءة ما أدى إلى توقف شبه كامل للحياة في العديد من المدن منها العاصمة “إسلام باد”، وتزعم حزب “لبيك باكستان” الإسلامي، مظاهرات مناهضة للحكم القضائي، فيما حرض أنصاره على قتل القاضي الذي أصدر الحكم، بناءً على فتوى أصدرتها الهيئة الشرعية للحزب.
قتل وتهجير المسيحيين في نيجيريا
في نيجيريا حيث النموذج الأسوأ لاضطهاد المسيحيين، الأمر أكثر تعقيدًا من أي مكان آخر في العالم، يقول “ناثان جونسون، المدير الإقليمي للمنظمة الدولية المعنية بمسيحيي منطقة إفريقيا: “إن الأعمال العدائية في نيجيريا مدفوعة بمجموعة معقَّدة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية (الرعاة ضد المزارعين) والعِرقية (قبائل الفولاني ضد الجميع فيما عدا قبائل الهوسا) والدينية (المسلمون ضد المسيحيين)”.
ازداد عدد الكنائس التي استهدفت إلى 9488 حول العالم
ويضيف جونسون، في التقرير الذي أعده معهد “جيتستون” المعني بالأبحاث المتعلقة بالسياسات الدولية: “لقد كانت البداية الحقيقة لهذه الأحداث في عام 2001 بعد اندلاع أحداث شغب بين المسلمين والمسيحيين في منطقة “بلاتو” نتج عنها مقتل أكثر من ألف شخص وتدمير العديد من الكنائس. واندلعت أحداث شغب مشابهة في عامي 2008 و2010. ومنذ ذلك الحين، يتزايد التوتُّر في البلاد”
أحداث العنف التي تشهدها نيجيريا والتي تزداد حدَّة منذ عام 2017 مختلفة عما كان يحدث في الماضي إذ تستهدف الهجمات مجتمعات المسيحيين في محاولة لتهجير المزارعين من أراضيهم واستبدالهم بالرعاة من قبائل الفولاني.
وفي عام 2014 اختطفت جماعة بوكو حرام الإرهابية 276 طالبة، أثناء تأديتهن لامتحان بالمدرسة الثانوية في “تشيبوك”، كان معظمهن من المسيحيات، أُجبرن على اعتناق الإسلام، كما أجبرن جميعهن على الزواج من المقاتلين، وطالب زعيم التنظيم “أبو بكر شيكاو” بعد ذلك بمبادلتهن بأعضاء الجماعة المعتقلين لدى السلطات النيجيرية، كما طلب فدية قدرها 40 مليون دولار لإطلاق سراحهن، بعض هؤلاء الفتيات أنجبن في الأسر بعد اغتصابهن من أعضاء الجماعة.
ويتعرض المسيحيين النيجيريين الذين يمثلون نصف سكان الولايات الشمالية الإثنى عشر، التي تُطبَق فيها أحكام الشريعة الإسلامية إلى شتى أصناف الاضطهاد من قبل قبائل الفولاني وتنظيم بوكو حرام، فهم يُذبحون ويهجرون من أراضيهم وتهدم كنائسهم وتختطف بناتهم ويسبين ويرغمن على الزواج، ويعانون من ظروف معيشية صعبة، فلا يكادوا يجدون مقومات الحياة الأساسية من طعام وملبس ومساكن تأويهم، فقد أُجبروا على هجرة مزارعهم، إلى مدن أخرى لا يملكون فيها شيء.
260 مليون مسيحي مضطهد حول العالم
وبحسب تقرير أعدته منظمة “بورت أوفريت”، تعرض نحو 260 مليون مسيحي لـ”الاضطهاد الشديد” في العالم، خلال العام 2019، من كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت ومعمدانيين وإنجيليين وسواهم، وتشمل ممارسات “الاضطهاد” كما عرفته المنظمة: “أعمال العنف التي تصل إلى حد القتل، إضافة إلى القمع اليومي الأقل عنفا”.
في مصر الوضع يبدوا أكثر استقرارًا بالنسبة للمسيحيين خلال العامين الماضيين
وأشار التقرير أن الزيادة في أعداد المضطهدين يرجع إلى تدهور وضع الحريات الدينية في الصين على المستوى الوطني وانتشار التيارات الجهادية في إفريقيا، مقدرة عدد المسيحيين الذين قتلوا عام 2019 بـ 2983، بانخفاض نسبته 31% عن 2018 وأرجعت المنظمة الانخفاض إلى العدد القليل الذي تم تسجيله من المسيحيين الذين تم قتلهم في نيجريا، رغم تسجيل 1350 قتيلًا بها خلال 2019.
استهداف الكنائس في الصين
ازداد عدد الكنائس التي استهدفت سواء بالإغلاق أو إلحاق الأضرار والحرق وغيرها، إلى 9488 حول العالم، في زيادة تصل إلى 100% في آخر 5 أعوام، وأرجعت “بورت أوفريت” هذه الزيادة إلى إجراءات النظام الصيني ضد الكنائس حيث بلغ عدد الكنائس المستهدفة في الصين إلى 5576، كما بلغ عدد المعتقلين المسيحيين في الصين بسبب تصديهم لاستهداف الكنائس إلى نحو 4000 معتقل.
ويعاني المسيحيون في الهند وبوروندي وأفريقيا الوسطى وتركيا وكوريا الشمالية، وغيرها من البلدان لأشكال من الاضطهاد تتفاوت من بلد إلى آخر، إضافة للجرائم البشعة التي ارتكبت بحقهم في سوريا والعراق على يد مجرمي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
الوضع في مصر
في مصر الوضع يبدوا أكثر استقرارًا بالنسبة للمسيحيين خلال العامين الماضيين، فانخفضت الأعمال الإرهابية من قبل المتطرفين الإسلاميين، ضد الكنائس والمنشآت المسيحية، في الوقت الذي تركزت فيه تلك الأعمال في سيناء، لكن الوضع ليس مثاليًا، فقد فشل البرلمان المصري في إصدار قانون موحد لدور العبادة، في ظل توازنات سياسية مختلفة، وهو المطلب الذي نادت به كثيرًا المنظمات الحقوقية وتيارات سياسية ليبرالية ويسارية.
كما تتسم الكثير من المناهج الدراسية خاصة الأزهرية، باحتوائها على نصوص تحض على الكراهية ضد المسيحيين، تلك المناهج التي قالت الحكومة على لسان مسؤولين، إنها تحتاج لكثير من التعديل. وهي مناهج تأُسلم نظام التعليم، وتغلق الباب أمام تنشئة أجيال تتمتع بالتسامح ونبذ العنف والتعصب.
الجلسات العرفية والتي تتم في الأغلب برعاية قيادات أمنية، خاصة في صعيد مصر، تمثل مظهرًا من مظاهر الاضطهاد ضد المسيحيين، فتلك الجلسات والتي تُعقد للفصل في خلافات بين مسلمين ومسيحيين تنتهي بإجبار المسيحيين على التصالح، وتنتهي في الأغلب بتهجير العائلة المسيحية إحدى طرفي النزاع، إلى خارج القرية التي نشب فيها المشكلة، هذه الجلسات تحرم المواطنين المسيحيين من حقهم في التقاضي ونيل حقوقهم بشكل قانوني، وترغمهم في كثير من الأحيان على تقبل شروط جائرة للصلح.