يشبهوننا في الملامح، وفي بعض الطباع أيضًا، ربما لانتمائنا لشعوب البحر المتوسط، ونحن كعرب حكمنا الأندلس يومًا ما، أهذا هو سر الانجذاب الذي يشدنا للأعمال الفنية الإسبانية؟ هل هناك اجتماع بين الثقافتين؟، أم أن الأعمال الفنية التي تحمل هذه الجنسية استطاعت أن تفرض نفسها على السوق العربية بشكل عام، والمصرية بشكل خاص، نتيجة ما تقدمه من محتوى وعوامل إخراجية وبصرية جاذبة، خلقت لنفسها جمهورًا قويًا ينتظر طرح الأعمال من الموسم إلى الآخر، ويرفع حصيلة المسلسلات من 429 مليون يورو عام 2015 بواقع 38 مسلسلًا إلى 655 مليون يورو عام 2018 بواقع 58 عملًا.
الأعمال الإسبانية والوطن العربي
كانت البداية الحديثة من مسلسل “la case de papel” الذي اقتحم العالم العربي بنسب مشاهدة مرتفعة جدًا، ثم انجذب المشاهد العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص لتلك النوعية من الأعمال الدرامية، ولكن بعد أن تم عرضها بأكثر من عام على منصتها الرسمية، وهي “نتفيلكس”، فقد بدأ هذا المسلسل الإسباني في العرض عام 2017، وذاع صيته مع عام 2019 في مصر.
ويرجع هذا التأخير إلى تأخر انتشار فكرة المنصات في مصر، واستخدامها بندرة حينها، ولكن بلغ عدد الحسابات التي شاهدت المسلسل نحو 34.3 مليون حساب في العالم، كما أنه حقق أعلى نسبة مشاهدة على المنصة لعمل غير ناطق بالإنجليزية.
ومنذ طرح الجزء الثالث من المسلسل، بدأت شهرته في الازدياد، ومع الجزء الرابع هذا العام كان حديث الساعة بعد طرحه للعرض على منصة “نتفيلكس” لمدة أيام، وكان العمل المنتظر، وحديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لما يتمتع به من إثارة تغيب عن الأعمال الدرامية المصرية.
بعد هذا العمل، شهدت الأعمال الإسبانية طفرة لدى المشاهد العربي والمصري بشكل خاص، فزادت الأعمال الإسبانية التي يتم مشاهدتها، سواء على المنصة أو خارجها، وكان هذا طبقًا لإحصائيات “نتفليكس” في الـtop 10، والأعلى مشاهدة الخاصين بها والتي كانت غالبًا من نصيب الأعمال الإسبانية، والتي كان أشهرها “locked up” الذي يروي قصة مجموعة من السجينات ومحاولة حصولهم على الحياة، ولعب السيناريو هنا نقطة هامة، وهي أنه أظهر إحدى بطلات العمل مغربية الجنسية وعاشت بمصر، وكانت تقع في حب أحد الشخصيات المصرية.
وجاء أيضًا مسلسل ““Elite الذي حمل قصة الطلبة متعددي الديانات المضطرين على التعايش مع انفتاح الدولة التي يعيشون بها، وما تربوا عليه وما هناك من خلاف مع دياناتهم.
كما حقق فيلم “365 day” “التريند” لفترة طويلة على المنصة الرقمية، بعد أيام من طرحه، لنجد أن الأعمال الإسبانية والتي قدمتها “نتفليكس” على طبق من فضة للجمهور المصري، تسير في طريقها لاكتساح نسب مشاهدة الشباب الداعم لمشاهدة الإنترنت، تعويضًا عما كان يشاهد من قبل من أعمال تركية تراجعت نسبتها بسبب التطورات السياسية أو غيرها من الأسباب، لتكون النتيجة في النهاية هي إحلال الأعمال الإسبانية محل التركية، التي كانت لا يوجد سواها على الشاشات.
ليست وليدة اللحظة
يقول الناقد الفني رامي المتولي، “إن الأعمال الإسبانية لم تنتشر خلال الفترة الأخيرة فقط، ولكن بدايتها كانت مع الفضائيات العربية التي انفتحت على الثقافات المغايرة، مثل المكسيكية والإسبانية، وكانت عدد حلقاتها كثيرة جدًا وأفكارها متشابهة، وعلى الرغم من ذلك كانت تحظى بنسب مشاهدة عالية جدًا وكانت مدبلجة باللهجة السورية واللبنانية، وكانت تلك الخطوة الأولى والتي سبقت التركية بمراحل”.
ويضيف “أن الدراما الإسبانية رسخت لدينا في الوطن العربي فكرة “الفورمات” والأخذ منها وتطبيقه مع ما يتلاءم مع العادات العربية، ووجدنا منها المصري واللبناني وما إلى ذلك، وهذا بالطبع يعد من عوامل نجاح الأعمال الإسبانية خلال الفترة الأخيرة”.
ويوضح “المتولي”، “أن الأعمال الإسبانية التي تُقدم على الفضائيات من جهة القصة نمطية جدًا ولا تقدم جديدًا، فأغلب الأعمال متشابهة وعلى البطل أن يمر بضربة سكينة أو تطلق النار عليه أو ما شابه، وتلك النوعية من الأعمال لا تتوافق بالطبع مع المنصات الإلكترونية ومشاهديها، وبالتالي تم إنتاج أعمال درامية أكثر حيوية وجرأة لكي تتلاءم مع هذا الجمهور، وبالتالي حققت النجاح الذي نراه حاليًا، وفي النهاية الفضائيات ساهمت في انتشار نوع من الأعمال الإسبانية والمنصات ساهمت في انتشار نوع آخر”.
نجاح الدراما من نجاح الأدب
أما الناقد الفني محمد عدلي فيرى، “أن نجاح الأعمال الإسبانية يرجع إلى نجاح الفن الإسباني بشكل عام من قصة وأدب وما شابه، ولكن الجديد هو استحداث وسيلة عرضه من خلال المنصات الأكثر انتشارًا لدينا، والذي جعلنا نشعر أن الأعمال الإسبانية في مرحلة زهو حاليًا”.
ويوضح “أننا إذا رجعنا بالتاريخ للخلف، سنجد أن هناك الكثير من الأعمال التي تمت ترجمتها من الإسبانية إلى العربية، وهي تُقدر بمئات الروايات، لنجد أنفسنا أمام شعب لديه تكوين مختلف في الأدب، وتكوين صورة وإخراج وشعر وفي مختلف الفنون”.
ويضيف، “أن استحداث عرض الأعمال الدرامية في نتفليكس، هو ما جعلنا نشعر أن الأعمال الإسبانية أصبحت أكثر انتشارًا، ولكنها متواجدة منذ التسعينيات على الفضائيات العربية، وكان الإقبال عليها كبيرًا”.