يبدو أن الثورة الفنية والإدارية التي قام بها رئيس نادي برشلونة الإسباني جوسيب ماريا بارتوميو في الفترة الأخيرة، لتصحيح مسار الفريق بعد السقطة المذلة أمام بايرن ميونيخ بالخسارة بثمانية أهداف مقابل هدفين والخروج من ربع نهائي دوري الأبطال، لم تقنع النجم الأول في العالم والبارسا ليونيل ميسي بالبقاء داخل الكامب نو وتثنيه عن قرار الرحيل عن البلوجرانا، بعدما أعلن للمدرب الجديد رونالد كومان في أول جلسة بينهما بقراره ذلك، والذي جاء بمثابة القنبلة على الفريق الكتالوني وكل عشاقه حول العالم.

بعد الإطاحة بالمدير الرياضي إريك أبيدال والمدير الفني السابق كيكي سيتين، لم تشفع محاولات بارتوميو تلك في إقناع البرغوث الأرجنتيني بالبقاء حتى بعد تعاقده مع مدرب كبير وأحد رموز برشلونة الكبار مثل كومان، فيبدو أن الغضب والاستياء الكبير مازال يسيطر على النجم الأعسر جراء الموسم الكارثي للبلوجرانا دون بطولات والنهاية المذلة أمام بايرن بثمانية أهداف لهدفين لم تحدث من قبل في تاريخ النادي أجمع وفي وجود سيد اللاعبين على أرضية الميدان.

توابع عديدة شهدها الكامب نو عقب قرار ميسي ذلك، منها من يؤكد أنها نتيجة غضبه الجم من النتيجة الأخيرة وأنه سرعان ما سيهدأ ويتراجع عن الأمر، ومنها من يرى بأنه عزم الرحيل نهائيًا بعدما سئم من الرئيس بارتوميو وإدارته السيئة التي أودت ببرشلونة الكبير إلى الهاوية، ورغم إعلان كومان أن ميسي سيكون ركيزة مشروعه الجديد لإعادة البارسا للواجهة مرة أخرى واستعادة مكانته المعهودة إلا أنه لم يتوقع هذا المصير لأفضل لاعبي العالم بلا منازع، فلماذا قرر ميسي ذلك القرار وتمسك برغبته في الرحيل؟ هذا ما نعرضه في النقاط الآتية.

كبرياء في الأرض

بعد خسارة بايرن المذلة وموسم برشلونة الكارثي هذا العام، وجد ميسي نفسه وفريقه المحبب والذي لطالما كان في القمة، مطروحًا أرضًا فنيًا وعلى مستوى الكبرياء والكرامة الكروية كذلك، فبات من هب ودب قادرًا على إحراج البارسا الكبير والانقاص من شأنه والسخرية منه، بعد عدة ريمونتادا تعرض لها بدوري الأبطال خلال المواسم الماضية، روما ثم يوفنتوس وأخيرًا ليفربول نهاية بإذلال بايرن بالثمانية.

هذا الشعور لم يعتاد عليه ميسي طوال مسيرته، وربما هو المسيطر عليه حاليًا وجعله متمسكًا بذلك القرار بل ويخرج علنًا للمرة الأولى ويقولها، أريد مغادرة الفريق، هذا الأمر الصادم لجماهير وإدارة برشلونة لم يكن يتخيله أحد وسيكون كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى إذا تم التفريط في أهم نجم بتاريخ النادي بهذه السهولة وفي هذا التوقيت تحديدًا، لن يرحمه أحد بارتوميو طوال التاريخ إذا ما حدثت تلك السقطة في فترة رئاسته للفريق العريق.

شعور بانتهاء العصر الذهبي

الأمر الثاني الذي جعل ميسي يفكر في قرار الرحيل، هو القائمة الحالية للاعبي الفريق، والتي تضم أشباحًا وليسوا نجومًا كما هو المعتاد بالنادي، ما أدى لعرض أكثر من 7 نجوم أساسية للبيع هذا الصيف، ورغبة كومان في إحداث ثورة داخل الفريق وبناء فريق آخر للنادي، وهو ما سيأخذ وقتًا وربما فشلاً جديدًا لن يقدر على تحمله ثانية أو البقاء رفقة الفريق وسط كل هذه الآلام.

حتى مع وعد كومان لميسي ولجماهير النادي بتغيير شامل داخل الفريق، لم ينفع ذلك في إقناعه بالبقاء، لمعرفته بتاريخه الكبير أن تلك الفترة ستأخذ على الأقل موسمين لبناء فريق قوي ثانية وربما يكونا بلا بطولات وهو ما لا يناسبه خاصة بعد هذا الموسم وسيتعرض لنكبات أكبر لن يستطيع التعامل معها ولا مواجهة جمهور النادي ثانية.

أزمات عديدة إدارية وعقده ينتهي

بالإضافة للمشاكل الفنية داخل الفريق والعمل الكبير الذي ينتظر كومان لإعادة البارسا قويًا كما كان وعدم وجود موارد مالية كبيرة لضم صفقات عديدة ولها ثقل كبير خاصة مع تداعيات فيروس كورونا على الحالة الاقتصادية للأندية وسوق الانتقالات، هناك مشاكل وأزمات إدارية كبيرة ولا حصر لها، ويرى ميسي أن بارتوميو سبب كل هذا البلاء وضعيف للغاية لقيادة النادي، حتى مع إقالة أبيدال المدير الرياضي يبقى ميسي غير راضيًا عن الرئيس ومجلس إدارته تمامًا.

كذلك وضعه في تجديد عقده الذي ينتهي بنهاية الموسم القادم في صيف 2021 المقبل، ولم يتم تنفيذ أغلب شروطه السابقة لتجديد العقد، وهي الازمة التي لا تجعله متفائلاً بالبقاء داخل أسوار الكامب نو، خاصة وأنه وصل بالعمر لـ33 عامًا وسيكون من الصعب أن يجدد عقده مرة أخرى بعد هذه المرة، ولذلك لن يتنازل عن كافة شروطه وهي التي لم توافق عليها الإدارة وبالتالي يشعر بأنه الوقت المناسب للرحيل.

خوض تجربة جديدة على غرار رونالدو

لطالما كان ميسي المنافس الأول للبرتغالي كريستيانو رونالدو نجم ريال مدريد السابق، ولكن مع رحيله قبل عامين لصفوف يوفنتوس الإيطالي افتقد ميسي كثيرًا للمنافسة بينهما وبالتالي قل شغفه مع برشلونة، وبات يتطلع لخوض تجربة وتحدٍ جديد في دوري آخر على غرار فعلة الدون البرتغالي.

مع وجود اهتمام كبير من أندية انتر ميلان ويوفنتوس في إيطاليا، ومانشستر سيتي في إنجلترا وباريس سان جيرمان في فرنسا، وكلها أندية تريد ضم ميسي بل وفاوضته في عدة مناسبات سابقة، يكون الوضع مختلفًا للبرغوث الأرجنتيني، فلما لا يخوض تجربة جديدة قبل وصوله للمرحلة الأخيرة في مسيرته وتحقيق ألقاب أخرى وإنجازات فردية مختلفة عن التي في دولابه العظيم المليء بكل الألقاب والجوائز الممكنة، والبعد عن برشلونة في التوقيت المناسب بعد حالة الانهيار التي يشهدها والتي ربما تستمر عامين آخرين؟.