كالعنكبوت بسطت جماعة الإخوان خيوطها داخل أوروبا، بعدما فتحت الأخيرة لها الأبواب، ظنا منها أنها ستكون أداة الضغط الأوروبي على الشرق الأوسط، لتتفاجأ أنها رعت بنفسها الوحش الذي يلتهمها في هدوء، منتظرا اللحظة المناسبة لاعتلاء العرش الأوروبي.

تعالت الأبواق الأوروبية ضد ما أطلقوا عليه “المد الإخواني” داخل أوروبا، وتزايد السطوة الإخوانية في العديد من الدول، منها ألمانيا وهولندا وبلجيكا وبريطانيا وفرنسا، التي أطلق فيها مجلس الشيوخ الفرنسي تحذيرًا من التواجد “الإخواني” وخططه في التمرد على قيم المجتمع الفرنسي، كذلك اتهام الجماعة بأنها مفتاح لنشر التطرف داخل فرنسا، وأنها باتت مقرا للاستخبارات التركية على الأراضي الفرنسية.

وأوصت لجنة تحقيق تابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي، بمنع قادة “الإخوان” وعلى رأسهم عراب الجماعة يوسف القرضاوي من دخول البلاد.

بوابة التوغل

تأثير جماعة الإخوان داخل أروقة أوروبا، وصل لدرجات غاية في الخطورة، جعلت قيادات تلك الدول تخشى المساس بالجماعة الإرهابية خوفًا من بطشها، سواء باستغلال قوتها البشرية بأوروبا، أو نشاطها الاقتصادي الذي نشط بقوة خلال أزمة فيروس كوفيد-19.

استغل الإخوان الترحيب الأوروبي بها عقب سقوط حكمها بالدول العربية التي انبثقت من رحمه أسوأ استخدام، حيث مارست نفس سيناريو السيطرة الذي نفذته في الدول العربية، واختارت في البداية الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا لتكون بوابتها للتمكن من هذا المجتمع، أولا كون أعدادها كبيرة، ثانيا إنها تحتاج لرعاية ودعم مالي حتى تكمل مشوارها سواء العلمي أو العملي بتلك الدول، وبالفعل لم تجد الجماعة أي أزمة في استقطاب تلك الجاليات، واستخدامها مفتاحا لاختراق أوروبا.

وفى دراسة أعدها مركز بروكسل الدولي للبحوث وحقوق الإنسان، أكد فيها هيمنة الإخوان على الجاليات المسلمة في بلجيكا، خاصة التركية منها، مستخدمة في ذلك الأموال القطرية، وتقديم الإخوان على أنهم يمثلون الإسلام المعتدل.

أكد المركز أن دول أوروبا كانت تقلل من خطر الإخوان ولكنها تراجعت بعد ظهور خطورتها، خاصة بعد تقديمها الخدمات للجاليات والطلبة باسم الدين، وتغليفها بأيديولوجية وفكر الإخوان.

كذلك أكد جورج ماليرونو مؤلف كتاب «أوراق قطر»، أن أعضاء الإخوان في فرنسا يقدرون بنحو ألف شخص رسميًا، ولكنهم يسيطرون على ملايين الأشخاص من الجاليات المسلمة في أوروبا، باستخدام المال القطري، ونفوذ تركيا وجاليتها الكبيرة في أوروبا، والتي تقدم دعمًا كبيرًا للإخوان بتلك الدول، ليس هذا فحسب، فالإخوان يسيطرون سيطرة كاملة على المراكز الإسلامية من خلال السيطرة على الدعاة والأئمة بها وبالمساجد وهى أحد أهم مهام الإخوان بأوروبا، وساعدهم في التغلغل في تلك المراكز، أنها لا تحصل على تمويلات خارجية، وبالتالي من خلال أموال قطر استطاع الإخوان توفير الدعم لتلك المراكز.

ألمانيا والجماعة

وفى ألمانيا تتوسع الأذرع الإخوانية بصورة باتت مرعبة للمجتمع الذي بات يدفع ثمن تلاعبه بالجماعات المتطرفة، حيث تقع عمليات إرهابية تحدث من فترة لأخرى، فيما تطلق المؤسسات الألمانية تحذيراتها من رعاية الإخوان على أراضيها، وتم رصد استهداف الجماعة للشباب بغرض استقطابهم، ونشر أفكارهم، مع تقديم الجماعة لدعم كبير للمؤسسات الإسلامية وقيامها بشراء مبانٍ وتحويلها إلى مساجد أو أماكن لعقد ملتقيات للجاليات العربية والإسلامية، وتقديم الدعم المالي للاجئين بألمانيا.

وما تحصده ألمانيا حاليًا من مخاوف، يعود لاستراتيجية التعامل مع الإخوان، والتي يعود تاريخها لما قبل الثورة الإيرانية، حيث كانت ألمانيا تترك الإخوان أحرارًا في التحرك ونشر أفكارهم، وعقب قيام الثورة الإيرانية بدأ القلق من انتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتعاونت ألمانيا مع دول الشرق الأوسط لمواجهة تلك الجماعات، وهو الأمر الذى تراجعت عنه، عقب ثورات الربيع العربي، وسيطرة الإخوان على مقاليد الحكم في العديد من الدول، حيث تعاونت مع الإخوان في العديد من المواقف، ولكن مع تزايد خطر الإرهاب وتنامى لغة التطرف في ألمانيا وسقوط حكم الإخوان، تراجع هذا التعاون، ولكنه لم ينتهى نتيجة للخيوط التي أحكمت الجماعة سيطرتها على بعض المؤسسات في ألمانيا، منها المجلس الإسلامي ببرلين، والذى يديره خضر عبد المعطى، والذى يشرف على الأئمة والوعاظ في أوروبا، والمركز الإسلامي في ميونخ والاتحاد الإسلامي التركي، ومنتدى الشباب المسلم واتحادات الشباب في أوروبا.

مجتمعات موازية

وفى دراسة أعدها المركز الأوروبي للدراسات ومكافحة الإرهاب بعنوان “مخاطر الإخوان المسلمين في بناء مجتمعات موازية في أوروبا”، كشفت سعى الإخوان للسيطرة والتغلغل داخل المجتمعات الإسلامية في أوروبا.

وقالت الدراسة، إنه في ألمانيا يستقطب الإخوان اللاجئين ويعملون على تجنيدهم، وتوظيف مناهجهم داخل بعض المؤسسات التعليمية التابعة لهم، أما في بريطانيا، فيركز الإخوان على السجون، حيث يعمل تابعيهم على استقطاب السجناء ونشر الفكر الإخواني بينهم، بالإضافة إلى زيادة حجم استثماراتهم في العديد من المجالات داخل بريطانيا، فحسب الدراسة يمتلك التنظيم الدولي للإخوان ثروة تصل إلى 15 مليار دولار.

وفي إيطاليا يسيطر الإخوان على العديد من المراكز الممولة من قطر، والتي دعمت ومولت 140 مسجدًا ومركزًا في أوروبا بما يقارب 71 مليون يورو معظمها في إيطاليا.

وذكرت الدراسة أن الإخوان يسعون لإنشاء منظمات تبدو مستقلة، ولكنها تعمل على تمرير أفكار الجماعة بين أوساط الشباب وداخل المؤسسات والمدارس والجامعات، خاصة أنها نجحت منذ انتشارها في أوروبا خلال ستينيات القرن الماضي، وشكلت كيانات موازية للضغط على صانع القرار في أوروبا.

المشروع الكبير

في تحركاتها لصد الهجوم الإخوانى، رصدت الشرطة السويسرية في فبراير 2020 وثيقة سرية بعنوان “المشروع الكبير” في فيلا يملكها يوسف ندا رئيس بنك التقوى، وأحد أباطرة الإخوان، وتضمنت الوثيقة مشروع الإخوان للسيطرة على أوروبا وأمريكا.

وفى الدراسة السابق الإشارة إليها أكدت أن هذا المشروع يسعى للتوغل بالمجتمعات الغربية، وإقامة شبكة روابط اقتصادية واجتماعية واستقطاب المهاجرين وتجنيدهم، بعد تقديم كامل الدعم لهم، واستخدام ملف حقوق الإنسان للترويج لأجنداتهم.

تستغل الجماعة سيطرتها على المراكز والمساجد واللاجئين والجاليات للضغط على الحكومات الأوروبية، فهي تسيطر على المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، ويضم 19 منظمة تشرف على 300 مسجد، كما تسيطر الجماعة على المجلس الأعلى للشباب المسلم والمجلس الإسلامي في بريطانيا والذى يشرف على أكثر من 500 هيئة إسلامية في بريطانيا، واتحاد المجتمعات الإسلامية في فرنسا، بخلاف معظم المساجد الفرنسية، وأيضًا يسيطر الإخوان على المجلس الإسلامي السويسري، والمجلس الإسلامي الدنماركي، والذى أسسته قطر بهدف تمويل تيارات متطرفة وحماية عناصر الإخوان الهاربين من الدول العربية.

أوروبا تدفع الثمن

لم يكن دعم أوروبا للإخوان، واستخدامها ورقة ضغط على الحكومات الشرقية ليمر دون دفع الثمن، فقد أكد رمضان أبو جزر، مدير مركز بروكسل للبحوث وحقوق الإنسان، أن الإخوان نقلوا مقر عملياتهم إلى أوروبا تحت رعاية تركيا وأموال قطر.

فيما كشفت تقارير إحصائية طبقت على 7 آلاف طالب ثانوي في دول فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا، وجميعها تعاني من سيطرة الإخوان، أن 20% من الطلاب يعتقدون أن القتال من العقيدة الإسلامية وهو أمر مقبول، و25% يدعمون التطرف، و31% منهم يدعمون الهجمات الانتحارية.

وفى السويد اعتقلت الشرطة عددًا من قادة مؤسسة الأزهر الإخوانية التي تدير عدة مدارس في السويد، ووجهت لأصحابها تهمة غسيل الأموال.

المؤسسات التعليمية

سيطرة الإخوان على المؤسسات التعليمية في أوروبا لم تنتهى عند هذا الحد، فقد حذرت مجلة كوزد الفرنسية من أن المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية يتبع اتحاد المنظمات الإسلامية الذى يخضع لسيطرة الإخوان.

كما أنشأ الإخوان مدرسة الزاس افروس في ألمانيا وسيطرواعلى مدرسة EIHW ، فيما أكد الباحث الأمريكي إيريك تريجر أن الإخوان يستهدفون الأطفال من التاسعة وحتى الجامعة.

وفى تقرير لها حول المنظمات التي تشكل خطرًا على الأمن الداخلي، لولاية بادن فورتمبيرج الألمانية، حذرت المخابرات الألمانية من الإخوان، مؤكدة أن عدد التابعين لها في الولاية وحدها 190 شخصًا، كما حذر تقرير تليفزيوني من وجود خلايا سرية تعمل على تسهيل عمل الجماعة وتجذب تابعين جدد لها تسمى “الأسر”، وتتكون من 4-5 أشخاص، يلتقون بصور سرية.

وفى بريطانيا حذر النائب أندرو روزينديل من استغلال الإخوان للأزمة الاقتصادية بسبب فيروس كورونا لتوسيع نفوذهم في بريطانيا.

ورغم تلك التحذيرات، فإن بعض الدول الغربية، ترفض اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، خوفًا على اقتصادها، وخوفًا من لجوء الإخوان للعمليات الإرهابية انتقامًا من تلك الدول باستخدام عناصر الجاليات واللاجئين الذين تسيطر عليهم، لذا ووفقا لدراسة المركز الأوروبي، فإن تلك الدول تكتفى بمنع انتشار الإخوان على أراضيها أكثر من ذلك.

70دولة

وأكد الدكتور صبرة القاسمى، المنسق العام للجبهة الوسطية، أن الإخوان منتشرون في 70دولة، ولديهم فروع معتمدة في أوروبا وأمريكا، فيما يكمن خطرهم الحقيقي في خروج عناصر أوروبية من عباءتهم ستكون أكثر تطرفًا وتشددا وشراسة، وهو ما شاهدناه في العمليات المسلحة التي تعرضت لها بعض الدول الأوروبية على رأسها فرنسا وألمانيا.

وأشار «القاسمى» إلى أن الإخوان يسيطرون على الإعلام والبرلمانات الأوروبية، ومراكز الدراسات والمنظمات الدولية التي تشكل القرار حول حقوق الإنسان والنزاعات الموجودة بالعالم، وقد شاهدنا كيف تحدث الإخوانى إبراهيم منير، أمام البرلمان البريطاني أكثر من مرة، بخلاف لقاءات متعددة جمعت بين قادة الإخوان والساسة والمسؤولين بفرنسا وإيطاليا وألمانيا، ومن هنا تأتي سيطرتهم على صانعي القرار في أوروبا، مؤكدا خطورة التغلغل الإخواني داخل تلك الدول على مستوى العلاقات الدولية بين الشرق والغرب.

فيما أكد الباحث خالد الزعفرانى، أن الإخوان ركزوا على الجاليات والمراكز الإسلامية واتحادات الطلاب للتمكن من المجتمع الغربي، وذلك في غفلة من المنظمات الإسلامية الرسمية.

وأشار إلى وجود محاولات في تلك الدول لمواجهة السيطرة الإخوانية، ولكن نظرًا لتشعبها، فبات الأمر يحتاج إلى تدخل حاسم من الحكومات الأوروبية، لإصدار تشريعات تواجه هذا المد الإخواني، الذي يهدد تلك الدول على كل المستويات.