شهدت العلاقات العربية – الإسرائيلية، على مدار تاريخها تغيرات كبيرة، إذ بدأت بالعداء التام مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين قبل 72 عامًا، واستمر المشهد ثابتًا حتى جاءت اللحظة الحاسمة مع توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”، لتشهد العلاقات تطورات كبيرة، انتهت إلى إعلان الإمارات تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وسط ترحيب بعض الدول العربية، ورفض دول أخرى.
عداء تام
العلاقات العربية – الإسرائيلية، اتسمت بالعداء التام، في بدايتها، وأخذت في التزايد خلال الفترة التي تلت احتلال الكيان الصهيوني للأراضي العربية في “فلسطين، ومصر، وسوريا ،والأردن، ولبنان”، خاصة مع انتشار فكرة القومية العربية، وانتشارها وسعي الأنظمة إلى دعم الفكرة التي لاقت قبولاً لدى الشعوب، وعززتها الأهمية الدينية التي تختص بها فلسطين.
الموقف العربي، مع مصر وسوريا في حرب 6 أكتوبر 1973، كان دليلًا دامغًا على رفض كافة الدول العربية وجود دولة الاحتلال، وزيادة الكراهية لها، سواء رسميًا أو شعبيًا، ليأتي إعلان مصر توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978، ثم معاهدة سلام مصرية ـ إسرائيلية 26 مارس 1979.
رد الفعل العربي، على الخطوة المصرية كان قاسيًا جدًا، ففي نوفمبر 1978، عقدت قمة عربية في بغداد، حضرها زعماء الدول العربية عدا عمان، والصومال والسودان، وتم تعليق عضوية مصر، واتخاذ قرار بنقل مقر الجامعة العربية من القاهرة، وعندما وقعت اتفاقية السلام أعلنت الدول العربية قطع العلاقات مع مصر، وأصدرت الجامعة العربية، قرارا باعتبار تونس المقر الرسمي للجامعة العربية وتعيين الشاذلي القليبي، أمينًا عامًا للجامعة الذي ظل يشغل المنصب حتى عام 1990، وهو ما كان يشير إلى الرفض العربي التام للسلام وتكوين علاقات مع إسرائيل.
علاقات سرية
وخلال السنوات اللاحقة، على توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”، بدأت العلاقات تتطور بشكل كبير، بين إسرائيل والعرب، وإن كان أغلبها “سريا”، خاصة في ظل وجود عداء مشترك بين الجانبين تمثل في رفض دول الخليج وإسرائيل لإيران ووجودها في المنطقة، ليكون عام 1991، وتحديدا في مؤتمر مدريد للسلام، بداية ظهور العلاقات مع إسرائيل إلى العلن، إذ اجتمع ممثلون من حكومات خليجية مع الاحتلال لأول مرة في تاريخ المقاطعة العربية.
وفي عام 1993، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو مع الكيان الصهيوني، والتي نصت على أن تعترف إسرائيل بالمنظمة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، مقابل اعتراف الأخيرة بالدولة العبرية على 78% من الأراضي الفلسطينية، وفي عام 1994، وقع الأردن على معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية، والمعروفة إعلاميًا بمعاهدة “وادي عربة”، والتي تضمنت اعتراف كلا الطرفين بسيادة الآخر، وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، لتلحق موريتانيا بالركب في 1999، إلا أن نواكشوط قررت تعليق العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، عقب الحرب على قطاع غزة عام 2009، قبل أن تقرر قطعها نهائيًا في مارس 2010.
العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والعرب، كانت كبيرة خاصة في ظل وجود مكاتب تمثيل لهل في دول مثل “قطر وعمان”، كما أشارت دراسة الباحث في مركز الدراسات الإقليمية في جامعة القدس عزيز حيدر في عام 2012، إلى أن إسرائيل في عام 2006 امتلكت علاقات تجارية مع 11 دولة عربية، بمجمل صادرات بلغ 410 ملايين دولار، وارتفعت لـ463.5 مليون دولار في 2008.
إسرائيل هي الأخرى كانت تحاول جاهدة تكوين علاقات مع الدول العربية خاصة الخليجية منها، ففي عام 1995، أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين وزير خارجيته شيمون بيريز في زيارة رسمية إلى سلطنة عمان وقطر، وبقيت العلاقات العربية – الإسرائيلية تسير على نفس الوتيرة، لقاءات سرية وعداء في العلن.
التطبيع
وخلال السنوات الماضية، ارتفعت وتيرة التعاون العربي – الإسرائيلي، لتتوج بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان، كأول بلد عربي لا تربطه علاقات مع إسرائيل يزورها “نتنياهو”، والثالثة منذ زيارة “رابين” في 1994، وشمعون بيريز في 1996، عندما كان يشغل منصب القائم بأعمال رئيس الوزراء، ووقع الجانبان اتفاقية لفتح مكاتب تمثيلية تجارية.
ومع التحول الموجود في المنطقة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، منتصف الشهر الجاري، الاتفاق على “تطبيع كامل” للعلاقات بين الإمارات وإسرائيل، وقال “بن زايد” في تغريدة على “تويتر”: إنه “تم الاتفاق على إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية. كما اتفقت الإمارات وإسرائيل على وضع خارطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك وصولا إلى علاقات ثنائية”.
الخطوة الإماراتية جاءت مفاجئة بشكل كبير، إلا أن العديد من الدول العربية بدت متقبلة لها ومرحبة بشدة بها، فبخلاف ترحيب الرئيس عبد الفتاح السيسي، أعلنت مملكة البحرين تأييدها لـ”لخطوة التاريخية” بحسب البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الحكومية، مؤكدة أنها ستسهم في “تعزيز الاستقرار” في المنطقة.
سلطنة عمان، والتي ترتبط بعلاقات قوية بإسرائيل، أعلنت هي الأخرى تأييدها لقرار دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن العلاقات مع إسرائيل، وأعرب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية العمانية عن أمله في أن “يسهم ذلك القرار في تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في الشرق الأوسط وبما يخدم تطلعات شعوب المنطقة في استدامة دعائم الأمن والاستقرار والنهوض بأسباب التقدم والازدهار للجميع”.
المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية حيدر بدوي صادق، قال في تصريحات إعلامية إن بلاده ترغب في تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتوقيع اتفاق سلام معها، مشيرا إلى أنه تمت خلال الفترة الماضية اتصالات بين الجانبين الإسرائيلي والسوداني للتمهيد لتطبيع العلاقات، ورغم إعفائه من منصبه، ونفي صحة تصريحاته، إلا أنها جاءت في ظل لقاءات متبادلة بين قيادات السودان والاحتلال، والتي كان آخرها لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان و”نتنياهو” في أوغندا، في فبراير الماضي.
تمزيق العالم العربي
مساعد وزير الخارجية السابق السفير عبد الله الأشعل، قال في تصريحات صحفية، إنه لا ينبغي إطلاق “اتفاق السلام” على تطور العلاقات الإماراتية – الإسرائيلية مؤخرًا، وإنما يُسمى اتفاق تعاون عسكري وأمني ضد إيران، وهو من اتفاقات التطوع بخلاف اتفاق السلام الذي هو من اتفاقات المعاوضات.
وأوضح “الأشعل”، أن فكرة المقاومة ضد إسرائيل تغير موقعها من اهتمامات المنطقة العربية بسبب عاملين، الأول علاقتها بإيران، والثاني التغلغل الإسرائيلي في العالم العربي، مشيرًا إلى أن إسرائيل زُرعت في المنطقة لضمان تخريبها واستمرار تبعيتها، وأنها سعت طوال تاريخها إلى تمزيق العالم العربي.
وذكر أن إسرائيل سعت طوال تاريخها إلى تمزيق العالم العربي، وأن هدفها القضاء على الهوية العربية الإسلامية، لافتًا إلى ضرورة التمسك بالعروبة، وأنه كلما توغلت الصهيونية وتراجعت العروبة كان أكبر خطر على الأمة العربية عمومًا، ومصر خصوصًا.
غياب الرؤية العربية
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية، والمستشار المشارك في المفاوضات العربية – الإسرائيلية الدكتور طارق فهمي، أن البيئة السياسية بين الإمارات وإسرائيل ستغير من مسار العلاقات العربية – الإسرائيلية، وسيكون هناك انقسام “رأسي وأفقي” في العلاقات العربية بين دول رافضة ومؤيدة للتطبيع، مثلما حدث مع مصر والأردن في السابق.
وتابع: “القضية ليست في خطوة الإمارات، ولا في احتمالية اتخاذ السودان والبحرين والمغرب خطوة مماثلة، وإنما في غياب الرؤية العربية الكاملة لما يمكن أن يجري، بسبب عدم وجود دور واضح للنظام الإقليمي العربي، وجامعة الدول العربية تحديدًا، ما سيؤدي إلى مزيد من الانقسام العربي، والذي لن يقتصر على دولة رافضة ودولة مؤيدة”.
وأوضح أن المشهد الحالي ينبئ بأننا أمام عدة سيناريوهات أولها دخول عدة دول عربية في علاقات مع إسرائيل، ما سيؤدي إلى رفض فلسطيني وبعض الدول بشأن ما يجري ما سيؤدي إلى مزيد من الانقسام، والثاني أن تدخل السلطة الفلسطينية أو تيار منها على مستوى التفاوض فتحدث انقساما في الموقف الفلسطيني، وبالتالي هناك مخاطر من انقسام “عربي فلسطيني” كل على حدة، والثالث أن يحدث انقطاع في المشهد بحيث تقوم الإمارات ودول أخرى بعملية سلام وتبقى في نطاقها وإطارها دون أن يمتد ذلك إلى بقية الدول العربية.
وأكمل: “نحن الآن في مرحلة انتقالية، لا يمكن تصنيفها أو تقييمها، أو القول إنها ستؤدي إلى أمور هيكلية قائمة إلا بعد قليل، خاصة أن القضية مرتبطة بما سيقدم عليه الطرف الآخر –إسرائيل- من أمور”، مشيرًا إلى وجود بعض القطاعات الرافضة في إسرائيل للسلام مثل المستوطنين وبعض من قيادات المؤسسة العسكرية وهيئة الأركان.