اختطاف، واغتصاب جماعي للنساء وبيعهن في أسواق الرقيق، قتل ومقابر جماعية للرجال، إنّها واحدة من أبشع جرائم الإبادة في العصري الحديث، ارتكبها مقاتلو تنظيم “داعش” بحق مئات الآلاف من أتباع الديانة الإيزيدية في العراق عام 2014.
جرائم لم تمحوها 6 سنوات مرت، بل عمقت آلامها في وجدان الناجين من أهوالها، من الفتيات اللائي تعرضن للاستعباد الجنسي، والشباب الذين كانوا لا يزالون أطفالًا عندما رأوا آبائهم يقتلون أمامهم.
قتل ومقابر جماعية
في الثالث من أغسطس من عام 2014، اجتاح تنظيم “داعش”، بلدة سنجار، بعد أيام من إعلانه دولة الخلافة في العراق، عقب انهيار الجيش العراقي في الموصل أمام مقاتلي التنظيم، لتبدأ معاناة نحو 100 ألف إيزيدي كانوا يسكنون قرى سنجار.
تنظيم داعش يبيع الأنثى بـ1000 دولار أمريكي”.. المرصد السوري
هاجم مقاتلو “داعش” سنجار في وضح النهار، جمعوا الرجال على مشارف القرى، ذبحوا المئات، وأطلقوا النيران على الباقين بشكل عشوائي، ثم دفنوا الجثث في مقابر جماعية، واحتجزوا النساء والأطفال، بينما هرب الآلاف إلى الجبال والذين ظلوا محاصرين فيها لأيام دون طعام أو شراب.
سبي وبيع النساء
قام “داعش” بسبي آلاف النساء والفتيات الإيزيديات، واللائي تعرض معظمهن للاغتصاب، وبيع منهن 1000 امرأة كسبايا في أسواق الموصل، وأرغمت مئات الإيزيديات على الزواج من مقاتلي التنظيم، وبعض المختطفات نقلن إلى معاقل تنظيم داعش في الأراضي السورية.
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، بعد نحو أسبوعين من اجتياح “داعش” لـ”سنجار”، عن العشرات من حالات بيع للنساء الإيزيديات اللواتي اختطفهن تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق.
عدد الإيزيديين في العراق قبل دخول مقاتلي داعش كان 550 ألف
وذكر المرصد قيام عناصر التنظيم ببيع تلك المختطفات بمبلغ مالي قدره 1000 دولار أمريكي للأنثى الواحدة، بعد قيل أنهن دخلن الإسلام.
وأكد المرصد حينها أن تنظيم الدولة الإسلامية: “وزع على عناصره في سوريا، خلال الأيام والأسابيع الفائتة، نحو 300 فتاة وسيدة من أتباع الديانة الإيزيدية، ممن اختطفن في العراق قبل عدة أسابيع، وذلك على أساس أنهن سبايا، من غنائم الحرب مع الكفار”.
هجرة الآلاف
عام من الحصار عاشه الإيزيديون في سنجار قبل بدء قوات البشمركة الكردية ومجموعات من “وحدات حماية الشعب” الكردية السورية، إضافة إلى مقاتلين تابعين لحزب العمال الكردستاني، عملية عسكرية لإجلاء الإيزيديين من جبال سنجار إلى أماكن أكثر أمنًا، تحت غطاء جوي كثيف من طيران التحالف الدولي بقيادة واشنطن، لكن مصير الآلاف من الإيزيديين خاصة النساء ظل مجهولًا، إذ يرجح أن معظم الرجال المختفون قد قتلوا.
تعرض 68 مزارًا دينيًا إيزيديًا للتخريب والتدمير
كان عدد الإيزيديين في العراق قبل دخول مقاتلي داعش يبلغ 550 ألف هاجر نحو 100 ألف منهم، فيما فر آخرون إلى إقليم كردستان شمالي العراق.
ناديا مراد
مئات من القصص روتها إيزيديات عن جحيم معاناتهن في أسواق رقيق تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، من بين تلك القصص كانت رواية الإيزيدية ناديا مراد، والتي حصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 2018.
“عندما هجم مقاتلو داعش على قرى سنجار، هرب الآلاف إلى الجبال”.. الإيزيدية ناديا مراد
عاشت “ناديا” شهور من الجحيم داخل معاقل “داعش” بعد اختطافها من قريتها “كوجو” بسنجار شمالي غرب العراق، في أغسطس 2014، إذ تعرضت للتعذيب والاغتصاب الجماعي، ثم بيعها عدة مرات بهدف الاستعباد الجنسي، قبل أن تتمكن من الهرب بمساعدة أسرة مسلمة بمدينة الموصل التي كانت يسيطر عليها “داعش”.
اغتصاب جماعي
روت “ناديا” عن التجربة القاسية، فقالت: عندما هجم مقاتلو داعش على قرى سنجار، هرب الآلاف إلى الجبال لكن قريتي كانت بعيدة عن الجبل فلم نستطع الهرب، جمعونا من البيوت، قتلوا أشقائي الذكور الستة مع رجال القرية، وأخذوا الفتيات إلى الموصل، وفي نفس اليوم قتلوا أمي مع 80 سيدة أخرى.
وذكرت “ناديا” أنه منذ اليوم الأول قام مقاتلو التنظيم بالتحرش بها ورفيقاتها داخل “الباص”، في طريق نقلهم للموصل، وهناك تناوبوا على اغتصابها حتى فقدت الوعي، كما كانوا يغتصبون فتيات في التاسعة من عمرهن، وكانوا يبررون هذا بأنه الإيزيديات لسن من أهل الكتاب، وهن سبايا لهم ويحل لهم معاشرتهن وبيعهن.
عُثِرَ على 80 مقبرة جماعية تحوي رفات الضحايا الإيزيديين
حكت “ناديا”، كيف كان مقاتلو “داعش” يسوقون الفتيات والنساء الإيزيديات المختطفات واللائي وصل عددهن إلى 5800 إيزيدية بالموصل، إلى المحكمة ويلتقطون لهن الصور لبيعهن؟، وكيف كن يعرضن للبيع بالأسواق؟
جرائم إبادة
تحولت “ناديا” إلى رمز لكفاح الإيزيديات، وللكفاح ضد الاستعباد الجنسي في الحروب، وتناضل ناديا مراد والتي تعيش بألمانيا من أجل تصنيف الانتهاكات التي ارتكبها “داعش” بحق الإيزيديين في عام 2014 كجرائم إبادة.
وبحسب مكتب تحرير المختطفين الإيزيديين التابع لحكومة إقليم كردستان، خطف تنظيم داعش 6 آلاف و417 إيزيديًا، بينهم نساء وأطفال، حُرِّرَ منهم حتى آخر 2019 ثلاثة آلاف و530 إيزيديًا، بينهم أكثر من ألف امرأة وألفي طفل من كلا الجنسين، فيما لا يزال ألفان و887 شخصًا في عداد المفقودين، وخلال هجمات داعش، قُتِلَ ألف و293 شخصًا من المكون الإيزيدي على يد مسلحي التنظيم.
كيف انضم الكثيرين من سكان الموصل إلى تنظيم داعش؟
وذكر كما تعرض 68 مزاراً دينيًا إيزيديًا للتخريب والتدمير، وقد عُثِرَ على 80 مقبرة جماعية تحوي رفات الضحايا الإيزيديين.
فيما لا يزال مئات الآلاف من الإيزيديين يعانون من الفقر والجوع في مخيمات النزوح، إضافة لما تعانيه الناجيات من جرائم “داعش” سواء اللاجئات في ألمانيا وبعض الدول الأوروبية أو من ظللن بالعراق، من أزمات نفسية لا زالت آثارها مستمرة منذ 6 سنوات.
ألم ومرارة
تَذكُر بعض روايات الناجيات الإيزيديات، كيف انضم الكثيرين من سكان الموصل إلى تنظيم داعش؟، وما شعرن به حينها من أن العراقيين جميعًا ربما يتحولون إلى حضن هذا الوحش؟، لقد أحسسن بالغدر كما قالت إحداهن، عندما وجدوا بعض الموصليين يشاركون في سبيهن وبيعهن وشرائهن، هذه الغصة وهذا الإحساس بالألم العالق في ذاكرتهن، هذه المرارة العالقة في حُلُوقهن طيلة 6 سنوات.
ستظل جرائم “داعش” من ذبح وسبي واغتصاب، في حق أتباع الديانة الإيزيدية، بالعراق، والتي تعود إلى 5 آلاف سنة، وصمة في تاريخ الإنسانية، سيظل ما خلفته من مرارة عالقًا بحلق الزمن لأجيال طويلة.