حين يُذكر اسم “قطاع الإنتاج” يجول في خاطرك مباشرة الأعمال التي تربى عليها الكثير وشكلت العقل الجمعي للكثير من الجمهور العربي وليس المصري فقط، وتتهافت إلى آذانك موسيقى كل مسلسل شكّل حالة خاصة من تاريخك الدرامي الذي اعتدت أن تجلس فيه أمام شاشة التلفاز في تمام الساعة السابعة لتشاهد عمل درامي خطف الأنظار واجتمع المصريين على مشاهدته، أو مسلسل تم عرضه في شهر رمضان منذ ثمانينات القرن الماضي، لا تزال تستحضر مشاهده حتى اليوم.
هذا بالفعل ما استطاع أن يخلقه قطاع الإنتاج من خلال الأعمال الدرامية التي أنتجها منذ أن اشتد ساعده في بداية الثمانينات، بعدما عرض حوالي 4 أعمال من الستينات إلى هذا التاريخ، ليعتبر أول عمل درامي يقوم بإنتاجه هو مسلسل “حتى تتفتح الزهور” عام 1984، والذي قام ببطولته سميرة أحمد ومحمود ياسين وصلاح قابيل ومن إخراج إبراهيم الشقنقيري.
أعمال خالدة في تاريخ الدراما
قدم قطاع الإنتاج 15 ألف ساعة درامية و400 فيلم روائى و600 فيلم تسجيلى، كان من أهم هذه الأعمال “ليالي الحلمية” و”رأفت الهجان” و”المال والبنون” و”هو وهي” و”الوسية” و”ضمير أبلة حكمت” و”ذئاب الجبل” و”أرابيسك” و”نصف ربيع الآخر” و”خالتي صفية والدير” و”زيزينيا” و”الحاوي” والكثير من الأعمال الأخرى لتكون أخر الأعمال التي أنتجها قطاع الإنتاج هي مسلسل “حق ميت” الذي قام ببطولته حسن الرداد عام 2015، والذي لم يحقق نجاح ملحوظ حينها، وقبل هذا العمل كان هناك عدد من الإخفاقات الدرامية الآخرى مثل مسلسل “الخفافيش” و”أشجار النار” و”أهل الهوى”، ليُكتب نهاية قطاع الإنتاج منذ ذلك الحين متوقفًا عن الإنتاج.
حاول قطاع الإنتاج لكي يصل إلى هذا العدد من الأعمال أن يضم إليه فريق عمل من الكبار سواء من الفنانين أو المؤلفين والمخرجين، لينضم إلى القطاع عام 1989 كلًا من فاتن حمامة، وشكري سرحان، ويحيى شاهين، ونور الشريف وحسين فهمي وفريد شوقي، ومحمود عبدالعزيز ويحيى الفخراني، ومخرجين ومؤلفين وهم نور الدمرداش، وحمادة عبدالوهاب، ويوسف مرزوق، ويحيى العلمي، ومحفوظ عبدالرحمن، ومحمد صفاء عامر، وأسامة أنور عكاشة.
ومع هذه السياسة التي أتبعها قطاع الإنتاج، والتي رآها البعض احتكارية أدت إلى محاذاة شركات الإنتاج الخاصة جانبًا لفترة، وانطلقت هي وحدها في الساحة الإنتاجية لتخرج بهذا الكم الهائل من الأعمال، ولكن بعد فترة من الوقت نجد أنها تشارك الشركات الخاصة في الأعمال الدرامية مثل “حديث الصباح والمساء” الذي تشارك فيه مع العدل جروب وناهد فريد شوقي.
نجاح سياسة قطاع الإنتاج جعلت مؤسسات الدولة الرسمية تلجأ له في إنتاج الأعمال المخابراتية مثل “رأفت الهجان” و” السقوط في بئر سبع” و”الحفار” وغيرها الكثير من الأعمال.
غزارة إنتاج الشركة
مع تعاقد قطاع الإنتاج مع كبار المخرجين والمؤلفين أصبح لديه من يستطيع أن يدير الأمور فنيًا، أما إداريًا فبشهادة الإعلامي عمرو الليثي، قد قال في أحد المقالات الخاصة به، أن والده ممدوح الليثي والذي تولى إدارة القطاع لسنوات طوال، أنه كأنه يشرف على الأعمال الكتابية بنفسه قبل الموافقة عليها باعتبار أنه سيناريست في الأساس.
ومما ميز القطاع أنه كان لا يشترط أن يكون عدد الحلقات المقدمة لإنتاجها 30 حلقة، فكانت هناك أعمال لا تزيد عن 15 حلقة وأخري 10 و5 حلقات، ولا يجد الجمهور مشكلة في ذلك ولم يصبه الملل يوم من هذه الأعمال وكان أشهرها الجزء الأول من “رأفت الهجان” ذات الـ15 حلقة.
سينرجي على خطى قطاع الإنتاج
بعد ارتفاع أجور الفنانين في عالم الدراما والسينما، ظهرت شركة سينرجي على الساحة الفنية بقيادة رجل الأعمال تامر مرسي، وقرر أن يأخذ خطوات كانت في البداية صعبة على كل العاملين بالوسط الفني، بالإضافة إلى أنها سببت ضيق للجمهور بسبب استئصال عدد كبير من الأعمال الدرامية الرمضانية والتي كانت تصل إلى 80 وأكثر لتتحول إلى 25، بنجوم دراما، بالإضافة إلى إقبالها على التعاقد مع كبار النجوم في مصر، مما جعل عدد من شركات الإنتاج تنسحب من السوق تمامًا مثل المنتج محمد شميس الذي أوقف نشاطه نهائيًا في مصر وعاد إلى لبنان، وغيره من الشركات التي توقفت عن العمل لمدة عام بسبب التعاقدات التي أبرمتها شركة سينرجي.
ولكن بعد العام الأول من هذه القرارات التي أعلنت من خلالها الشركة أنها قامت بها للحد من الأجور المرتفعة للفنانين والرغبة في انتقاء الأعمال الأفضل، عادت الشركات الخاصة للإنتاج مرة أخرى، وكان على رأسها العدل جروب وغيرها من الشركات التي دخلت في شركات مع سينرجي لإنتاج أعمال درامية، وهذا ما فعله قطاع الإنتاج من قبل.
قال الناقد الفني طارق الشناوي، أن شركة سينرجي تختلف عن قطاع الإنتاج كونها قطاع خاص، وكان قطاع الإنتاج تابعة للدولة، ولكن الخطوط العريضة التي تتبعها شركة سينرجي حاليًا هي محاولة لعودة المؤسسية في الدراما من خلال وجود كيان أساسي ينتج عنه الأعمال ووجود آخرين إلى جواره.
وأضاف لم تكن رؤية سينرجي في العام الأول من التجربة الخاصة بها واضحًا، ولذلك لم يتفهمه الكثير من العاملين في الوسط الفني، أو الجمهور ولكن مع الوقت اتضح الأمر ووجدنا مواسم أخرى خارج مواسم رمضان، بالإضافة إلى مسلسلات ذات الـ15 حلقة التي يتم عرضها على التليفزيون وعلى منصة واتش ات، وهذا يعد إحياء للأعمال الدرامية التي كان يقدمها قطاع الإنتاج من المسلسلات ذات الـ10 و15 حلقة والتي كانت تحقق نجاح كبير.