تعد جائحة فيروس “كورونا”، الأزمة الصحية العالمية الأبرز في ذلك العصر، فضلاً عن أنها أكبر تحدٍ واجه العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

ومنذ ظهوره في الصين أواخر العام الماضي، لا تتوقف المساعي الرامية إلى الحصول على لقاح فعال في مواجهة الفيروس التاجي، وهذا ما لم يحدث إلى اليوم، إلا أن البعض يعقد آمالًا واسعة على تجارب “التحدي البشري” في التوصل إلى لقاح.

ما هي تجارب “التحدي البشري”؟

وتجارب “التحدي البشري” هي إخضاع أصحاء للإصابة بالفيروس عمدًا في إطار متحكم فيه، لفهم سلوك المرض ومن ثم إيجاد سبل القضاء عليه، وتميل تلك التجارب إلى محاولة فهم سلوك مرض معين وآثاره بشكل أفضل.

كما يتم اللجوء لتجارب التحدي أيضًا عندما يكون تطوير اللقاح التقليدي غير ممكن.

وكانت تجارب عدة قد أجريت في السابق فيما يتعلق بـ”التحدي البشري” من أجل تطوير اللقاحات والأدوية، وقام الباحثون بتحديات مع أمراض عديدة، يأتي على رأسها الأنفلونزا، وذلك لمحاولة تطوير لقاح أفضل وأطول أمداً.

تطوير اللقاح

حاليًا، يتسابق الباحثون في جميع أنحاء العالم، من أجل تطوير لقاح ضد كوفيد 19، مع أكثر من 170 لقاحًا مرشحًا تتابعها الآن منظمة الصحة العالمية.

وتتطلب اللقاحات عادة، سنوات من الاختبار ووقتًا إضافيًا لإنتاجها على نطاق واسع.

وتعتبر اللقاحات جزءًا من الفيروس، فهي تحمي من تحفيز جهاز المناعة على تطوير الأجسام المضادة، ويجب أن تتبع معايير أمان أعلى من الأدوية الأخرى لأنها تُعطى لملايين الأشخاص الأصحاء

كيف يتم اختبار اللقاحات؟

وفي مرحلة ما قبل السريرية من الاختبار، يعطي الباحثون اللقاح للحيوانات لمعرفة ما إذا كان يؤدي إلى استجابة مناعية.

وفي المرحلة الأولى من الاختبار السريري، يُعطى اللقاح لمجموعة صغيرة من الأشخاص لتحديد ما إذا كان آمنًا ولمعرفة المزيد عن الاستجابة المناعية التي يثيرها.

أما في المرحلة الثانية، فيُعطى لمئات الأشخاص حتى يتمكن العلماء من معرفة المزيد عن سلامته والجرعة الصحيحة.

وفي المرحلة الثالثة، يُعطى لآلاف الأشخاص لتأكيد سلامته – بما في ذلك الآثار الجانبية النادرة – وفعاليته.

وتتضمن هذه التجارب مجموعة تحكم تم إعطاؤها دواءً وهميًا، وفق صحيفة “الجارديان” البريطانية.

تجارب قائمة

ويقوم علماء أمريكيون حاليًا بتصنيع “سلالة”، قد يستخدمونها لإصابة المتطوعين الراغبين في المشاركة في تجارب التحدي للقاح.

وأثارت “تجارب التحدي” جدلًا في العالم، بسبب إصابة أصحاء بالفيروس كتجارب لسرعة اللقاح، فضلاً عن الطريقة المثيرة للجدل لدراسة ما إذا كانت اللقاحات تمنع العدوى بشكل فعال أم لا؟، كونها يمكن أن تُسرع عملية إثبات نجاح اللقاحات لكنها في الوقت نفسه، يمكن أن تؤدي إلى مخاطر صحية غير متوقعة على المتطوعين وربما حتى تهدد حياتهم.

ويصف العديد من العلماء تجارب “التحدي البشرية” لفيروس كورونا الجديد، بغير الأخلاقية، لأنه لا توجد علاجات إنقاذ لمن يمرضون.

وسيتم تطعيم المتطوعين الأصحاء ومن ثم إصابتهم بالفيروس عمدًا، ويشار إلى أن العمل على إنتاج سلالة من هو عمل أولي، ولن تحل مثل هذه التجارب محل تجارب المرحلة السريرية الثالثة واسعة النطاق، مثل تلك التي تجري الآن في الولايات المتحدة، لاختبار لقاحات “كوفيد-19” .

رئيس اللقاحات العالمية في جونسون أند جونسون، يوهان فان هوف، أوضح وفق تصريحات صحفية، أن مثل هذه التجارب ستوفر خيارًا للاختبار في حالة توقف الفيروس عن الانتشار على نطاق واسع، لكن الشركة لن تمضي قدمًا في مثل هذه التجارب إلا إذا تم حل المشكلات الأخلاقية وتوفر علاج فعال.

وتعتمد معظم تجارب اللقاح على العدوى غير المقصودة، والتي قد تستغرق وقتا حتى تحدث.

وقال بعض مصنعي الأدوية، إنهم سيفكرون في إجراء تجارب على البشر لاختبار لقاحات “كوفيد-19″، إذا لزم الأمر.

التجارب البشرية للقاح كورونا

هناك أصوات تدعو إلى إجراء تجارب “التحدي البشري” في الدول التي تعمل على إجراء التجارب السريرية لضمان طرح اللقاح للقضاء على فيروس كورونا، ومن أجل تسريع عملية صنعهم للقاح.

وتقوم المعاهد الوطنية للصحة بإبرام عقد مع شركة لخلق سلالة من الفيروس يمكن استخدامها في تجارب التحدي، وبعدها أوضحت أنها لن تجري تجارب “تحدي بشري” في الولايات المتحدة.

وفي تقرير عبر هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، أوضح أن الطريقة التي تجري بها التجارب الآن ليست تجارب التحدي البشري، ففي الوقت الحالي يقوم العديد من الدول بتجنيد بعض من البشر للدخول لتلقي حقنة، ثم يذهبون الي حياتهم الطبيعة، وربما يتفاعلون مع الفيروس وربما لا يتفاعلون.

وبحسب التقرير، فإن تجارب “التحدي” مختلفة، فقد يصبح الأمر مختلفاً تماماً، ما يتم فعله هو تطعيم شخص ما بلقاح تجريبي، ثم وضع الفيروس عن قصد عن طريق الأنف، حيث تُبين هذه الطريقة ما إذا كان اللقاح يعمل.

ويقول الدكتور أنتوني فاوتشي، أخصائي علم المناعة وكبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، إن تجارب التحدي خطة أولية، وتعتبر حالة طارئة لا يعتقد استخدامها، ولا يعتقد إجراء تجارب تحدي على الإطلاق، على الرغم من وجود ضغوطات سياسية لإجراء مثل هذه التجارب رغم خطورتها على البشر، مؤكدًا أنه تم خلق السلالة إلا أنها محفوظة في الأماكن الباردة لاحتياجها في الوقت المناسب.

معايير قانونية

ويقول الدكتور طارق فهمي الأستاذ في القانون الدولي، أن “تجارب التحدي البشري”، تحتاج إلى الفصل ما بين هو إنساني وأخلاقي، وما بين القانون، وهو الأمر الذي يحتاج إلى مراجعات.

وشدد أن هناك معايير وضوابط في القانون الدولي الإنساني، تعيد النظر في مسألة تجارب “التحدي البشري”، مشيرًا إلى أنه في جميع الأحوال، فقد يحتاج الأمر إلى ضوابط ومعايير من أجل الحد من الاتجار بالبشرية، كما أن منظمات حقوق الإنسان حول العالم ترفض ذلك الأمر، وتطالب بإجراء تلك التجارب على الحيوانات فقط.

ويشير إلى “أن التجارب البشرية ليست جديدة، فقد كان يجري العديد منها في أي من الأمراض والأوبئة البشرية، فبدون هذا التجارب لا يمكن للبشرية أن تبقى”.

ويرى “فهمي”، أن هذه التجارب تجري بموافقات قانونية دولية، وأنه يتم تصنيف الأشخاص المقرر خضوعهم لها والتي من بينها المصاب بالفعل، والمقبل على الوفاة، وغيرهما، بحسب القانون الدولي.

وتابع “أنه في إطار القانون الدولي والمعايير للقيام بهذه التجارب، فإنه سيتم بعدد من الدول وفي مراحل معينة يتم تفعيلها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ودول أخرى، وكان ذلك يتم خلال الفترات السابقة، بصورة غير قانونية تحت مسمى الاتجار بالبشر”.

ويضيف: “فقد كان هناك العديد من الظواهر المرتبطة بظاهرة الإتجار بالبشر في العديد من الدول، وهي تجارب غير إنسانية، إلا أن الأمر تغير في هذا الأمر، ويوجد قواعد حاكمة، وأصبح القانون الدولي ينظمها”.