أعلنت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، ورئيس مجلس النواب الليبي، المستشار عقيلة صالح، اليوم الجمعة، في بيانين منفصلين، وقف فوري لإطلاق النار وتعليق كل العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية، مع دعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية، وسط ترحيب أممي ودولي.
أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، وقفاً شاملاً لإطلاق النار، في كافة الأراضي الليبية، موضحًا-بحسب بيان صادر عن المجلس- بأن تحقيق وقف فعلي لإطلاق النار يقتضي أن تصبح منطقتا سرت والجفرة منزوعتي السلاح، على أن تقوم الأجهزة الشرطية من الجانبين بالاتفاق على الترتيبات الأمنية داخلهما.
سرت والجفرة منزوعتي السلاح وانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة
كما دعا “السراج” إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة خلال شهر مارس المقبل، باتفاق الأطراف الليبية.
من جانبه، دعا البرلمان الليبي جميع الأطراف إلى وقف النار، نظراً إلى الظروف الاقتصادية والمعيشية وتفشي فيروس كورونا في البلاد، وأوضح في بيان، أن “وقف إطلاق النار سيخرج المرتزقة ويؤدي إلى تفكيك الميليشيات، ويوقف التدخل الأجنبي”.
وأعرب عن أمله بأن يؤدي وقف النار إلى تحويل مدينة سرت الساحلية مقرا للمجلس الرئاسي الجديد، على أن تقوم قوة أمنية من كافة المناطق بتأمينها، تمهيداً لتوحيد مؤسسات الدولة، على أن تستكمل الترتيبات العسكرية طبقا للمسار التفاوضي العسكري (5+5) برعاية البعثة الأممية.
الأمم المتحدة
عبرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا، ستيفاني وليامز، عن ترحيبها بقراري وقف إطلاق النار الصادرين في بيانين عن رئيس المجلس الرئاسي ورئيس مجلس النواب الليبي.
وقالت “وليامز” في بيان لها، إن الطرفين عبرا عن ” قرارات شجاعة ليبيا في أمس الحاجة إليها في هذا الوقت العصيب، حيث دعيا إلى وقف إطلاق النار على أمل أن يُفضي هذا الأمر إلى الإسراع في تطبيق توافقات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والبدء بترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة على الأراضي الليبية.
ودعت إلى التطبيق الفوري لدعوة الطرفين “لفك الحصار عن إنتاج وتصدير النفط وتطبيق الإرشادات المالية التي ذُكرت في البيانين”.
كما أكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا أن الاستمرار في حرمان الشعب الليبي من ثرواته النفطية يعتبر “ضربا من التعنت غير المقبول محلياً ودولياً”. وأشارت أن المبادرتين تبعثان الأمل مجدداً في إيجاد حل سياسي وسلمي للأزمة الليبية التي طال أمدها.
وبحسب مراقبين، فأن اعلان وقف إطلاق النار في ليبيا يعتبر خطوة في رفع آفاق السلام في ليبيا بعد 9 سنوات من المحاولات الفاشلة، وفق ما ذكرته مجلة “انترناشونال انتريست”، الصادرة بالإنجليزية.
ويرجح المراقبين استمرار وقف إطلاق النار وصموده، اذ تشير الديناميكيات العسكرية والسياسية إلى أن جميع القوى الأجنبية تفضل نوعًا من السلام على الأقل في المستقبل القريب، كما أثبت بأن تكلفة الحرب والصراع الليبي مرتفعة للغاية، وإذ قرر فصيل فردي شن معركة بمفرده فأنه ينتحر.
خطوة هامة
وبدوره، أعرب الرئيس عبدالفتاح السيسي عن ترحيبه بالبيانات الصادرة عن المجلسين، حيث كتب عبر حسابه الرسمي على الـ فيسبوك، “القرار خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية وطموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار في ليبيا وحفظ مقدرات شعبها”.
ورحبت وزارة الخارجية الإيطالية بقرار وقف إطلاق النار في ليبيا، حيث أعربت في بيان لها، عن أملها في أن تشهد التطورات الأخيرة الناتجة عن بياني المجلس الرئاسي ومجلس النواب بشأن استئناف إنتاج النفط في ليبيا تنفيذًا ملموسًا على أرض الواقع.
وأشارت إلى أن التطورات الأخيرة الناتجة عن بياني المجلس الرئاسي ومجلس النواب خطوة جريئة ومهمة نحو استقرار ليبيا.
ومن جانبها، أعلنت قطر، ترحيبها باتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا بين المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ورئيس مجلس النواب الليبي. وقالت الخارجية القطرية، في بيان منشور عبر حساب الوكالة القطرية للأنباء “قنا” عبر تويتر: “دولة قطر ترحب باتفاق المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ورئيس مجلس النواب الليبي على الوقف الفوري لإطلاق النار، وكل العمليات القتالية في جميع الأراضي الليبية، وتفعيل العملية السياسية”.
وأعربت الخارجية القطرية عن أمل الدوحة أن تتجاوب كافة الأطراف الليبية مع إعلان وقف إطلاق النار. وطالبت بضرورة التعجيل باستكمال العملية السياسية في ليبيا. كما طالبت الدوحة بضرورة فك الحصار عن حقول النفط، لتستأنف الإنتاج والتصدير الذي يخدم مصلحة ليبيا.
ويؤكد بشير عبد الفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والمتخصص في الشأن التركي، بأن قرار وقف إطلاق النار بليبيا يتطلب تقنينه من قبل الأمم المتحدة، وتخصيص لجان معنية للأشراف على القرار وتنفيذه على أرض الواقع، ومراقبته، موضحًا أنه إلى الآن يعتبر وقف إطلاق النار مجرد “إعلان” لا أكثر.
وبشأن معوقات قرار الوقف، يشير “عبد الفتاح” إلى أن تركيا والمرتزقة يظل العائق أمام أي قرار بوقف إطلاق النار، فهما يمثلان تهديد وجودي في ليبيا، حيث من صالح المرتزقة استمرار العمليات العسكرية، ذلك بجانب عدم التزامهم بأي قرارات أميميه او دولية.
السلطات المصرية لعبت دور هام في الملف الليبي
قوي خارجية
على جانب آخر، ذهب بعص المحللين إلى توقيت اعلان السلطتان الليبيتان المتنافستان كلاً على حدة لوقف إطلاق النار على الأراضي الليبية، إذ تداولت اخبار حول ضغوط خارجية لإنهاء الصراع العسكري في ليبيا، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وذلك رغم غياب دورها عن الصراع في الفترة الأخيرة.
ويقول الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، بأن الإدارة الأمريكية حريصة للغاية على تهدئة الأوضاع في ليبيا، لاسيما قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، كاشفًا عن ممارسة بعض الأطراف بإدارة “ترامب” ضغوطات في الأيام الماضية، على تركيا وحكومة الوفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا والالتزام بالحلول السياسية”.
وتابع: بان السلطات المصرية أيضًا بدأت لعب دور هام في الملف الليبي مؤخرًا، لاسيما بعد إعلان الرئيس السيسي مدينة سرت خط أحمر وزيارة وزير المخابرات المصرية لخليفة حفتر، كل هذه الخطوات لها دور بشكل أو بأخر بقرار وقف إطلاق النار، الذي لم يتضح أهميته إلا إذا نفذ بشكل فعلي”.
وقد ساهم غياب القيادة الأمريكية في ليبيا بتعميق المواجهة الدولية الخطيرة، حيث تثير حرب الوكالة المتصاعدة تهديدات للمصالح الاقتصادية والأمنية الأمريكية وتوفر لروسيا وتركيا منصة لتوسيع نفوذهما في البحر الأبيض المتوسط، كما وضع الصراع دول الناتو في مواجهة بعضهما البعض، بحسب المحللين.
بعد القذافي
وتغرق ليبيا منذ سنوات في صراع بين سلطتين، حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، ومقرّها طرابلس، وتدعمها تركيا، وقوات اللواء خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرقي البلاد، وجزء من جنوبها، والمدعوم من مصر والإمارات.
وقد أصبحت ليبيا في الأشهر الأخيرة، أرضًا لتنافس القوى الإقليمية والأوروبية، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لتحذير من أن النزاع دخل مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر بسبب التورط العسكري الأجنبي “غير المسبوق”، حيث ارتفع عدد الضحايا المدنيين، وزرع المقاتلون المنسحبون المتفجرات في المناطق السكنية.
وأوضح “عبد الفتاح” أن بدء الالتزام بحلول السياسية وانتهاء الصراع العسكري في ليبيا، يعتمد على وقف العلميات العسكرية وبدء مفاوضات حقيقة بين القوي المتنافسة ثم عمل انتخابات رئاسية وبرلمانية، وإعادة تشغيل المنشآت النفطية، ذلك بجانب إعادة الاعمار للبلد، كل ذلك يتطلب وقت طويل، وهو ما يدفعنا بالقول بان وقف إطلاق النار ليست بداية حقيقة لإرساء السلام بليبيا.
كما أشار إلى إعلان نزع السلاح من مديني سرت والجفرة، والذي تم ذكره في بيان الوفاق اتفاق تم اقتراحه سابقًا ويرفضه الجيش الوطني الليبي، حيث يرغب في تعميم القرار، وهو نزع السلاح من جميع المدن في ليبيا وليس مدينة أو اثنين، وهو الأمر الذي سيغير ديناميكيات الصراع في ليبيا بلا شك .