يتعرض أتباع المذهب الشيعي في عدد من البلدان، إلى العديد من أشكال الاضطهاد، سواء فيما يتعلق بالمنع من إقامة الشعائر أو إنشاء المراكز الدينية، وحتى سن قوانين تحظر ممارسة تلك الشعائر، أو منع الأنشطة الثقافية وطباعة الكتب الخاصة بهم، أو التهميش والتمييز في الدوائر الحكومية، والوظائف، والتمثيل السياسي، والحرمان أيضًا من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ويُلاحظ اضطهاد الشيعة في أكثر من بلد على مستوى العالم، حال مثلوا أقلية في هذه المجتمعات، ونرصد في السطور التالية نماذج لثلاث دول في تعاملها مع التواجد الشيعي على أراضيها.
السعودية.. قمع من أجل الثروة
لا يوجد تقدير رسمي عن عدد الشيعة في السعودية، إلا أن مصادر شيعية تؤكد أنهم يشكلون أكثر من 20% من إجمالي سكان المملكة، ويتركزون بشكل أكبر في محافظتي القطيف والأحساء شرقي العاصمة الرياض، واللتين تُعتبران منبع الثروة النفطية في البلاد، كما يتواجد الشيعة بنسب مختلفة في المدينة وجدة ومكة ونجران وغيرها من المناطق.
خلال السنوات الماضية تباينت الإجراءات الحكومية ما بين السماح لأتباع المذهب الشيعي في القطيف والأحساء ببناء المساجد والحسينيات، وما بين منع إقامة الشعائر الدينية، أو تشييد المراكز الدينية، حيث يمنعون في بعض المناطق من بناء مقابر خاصة بهم لأسباب طائفية، وتشترط السلطات عليهم عدم الصلاة على “التربة” التي يستخدمونها في السجود عليها في المسجد الكبير الذي استطاعوا بنائه في مدينة الدمام.
وتمنع السلطات السعودية المؤلفات الشيعية بمختلف أنواعها، كما تفرض حظرًا على دور النشر التي تطبع الكتب الدينية، كذلك قامت بحجب مئات المواقع الشيعية على شبكة الإنترنت، كما يُحظر على الشيعة إصدار الصحف والدوريات ذات الاتجاه الشيعي، كما تتعرض القيادات الشيعية للاعتقال بين وقت وآخر.
ويتعرض الشيعة للتهميش في الدوائر الحكومية، فالعديد من المؤسسات لها تاريخ طويل من التمييز ضد المواطنين الشيعة، منها شركة “أرامكو” أحد أهم أسس الاقتصاد النفطي في المملكة، والتي ظلت ترفض توظيف المواطنين الشيعة لسنوات طوال وحتى عندما سمحت بذلك ظلت الأغلبية الساحقة من موظفيها من السنة.
ويُستبعد الشيعة من الوظائف الأمنية، والمناصب العليا، فلم يصل أي مواطن شيعي إلى مجلس الوزراء، ولا المجلس الأعلى للقضاء، ونسبتهم داخل مجلس الشورى لا تتعدى 4%، وكافة رؤساء البلديات والمستشفيات ومعظم الوظائف في المناطق الشيعية يشغلها سنة، كما يتم حصر العسكريين الشيعة في نطاق الخدمات المساندة، ولا يصلون للمراكز القيادية والحساسة داخل الجيش.
ويعاني المواطنون الشيعة من سوء المعاملة والإقصاء في خدمات الصحة والتعليم، نظرًا لتكثيف الاهتمام الحكومي بالمناطق السنية، وتشكو المستشفيات والمراكز الصحية في المناطق الشيعية من نقص في الأجهزة والمعدات، كما تتوجه المملكة في بناء المدارس النموذجية إلى المدن والأحياء السنية وكذلك خدمات الطرق والبلديات ومخصصات المياه والصرف الصحي وغيرها، في تمييز اجتماعي طائفي واضح.
ظلت الأسرة المالكة في السعودية تتخوف بشدة مما سمته المد الشيعي، ودائمًا ما ربطت الشيعة السعوديين بإيران.
مع كل هبة جماهيرية في المنطقة العربية، كانت قبضة السلطات السعودية تزداد على المواطنين الشيعة وخاصة في مناطق تركزهم بالقطيف والأحساء، فهما الشريان الذي يمد الأسرة المالكة بالنفط والثروة، وأي زعزعة أو اضطراب فيهما يهدد وجودها، فاضطهاد الأسرة المالكة للشيعة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بسيطرتها على ثروات مناطق تواجدهم وضمان هذه السيطرة، بقدر ما يرتبط بالفكر الوهابي الذي يكفرهم.
البحرين.. أغلبية مضطهدة
يشكل الشيعة في البحرين أغلبية السكان البالغ عددهم نحو 700 ألف نسمة، وهم 45% فقط من عدد سكان البلاد، حيث يمثل الوافدين الأجانب 55% من مجموع السكان الحالي.
وينتمي الشيعة البحرينيين إلى فرع “الاثنا عشرية” رغم بقاء جيوب من الشيعة الإسماعيلية الأصليين، وينقسم الشيعة الاثنا عشريون إلى مجموعتين فرعيتين: الأصولية والإخبارية، والأكثر عددًا هم أتباع المدرسة الأصولية من الفقه الإسلامي الشيعي، الذين يمتثلون لتوجيهات واحد من آيات الله العظمى (مرجع شيعي) إلى جانب اعتمادهم على القرآن الكريم والحديث الشريف، بينما ينتمي عدد قليل إلى المدرسة الإخبارية التي تعتمد على القرآن الكريم والحديث الشريف والإجماع فقط، وترفض الاعتماد على “المرجع الشيعي.”
رغم الأغلبية الشيعية في البحرين إلا أنهم يواجهون اضطهادًا وتمييزًا كبيرين من قبل آل خليفة ـ الأسرة الحاكمة في البلاد ـ والتي تتبع المذهب المالكي السني، حيث تمارس الأسرة المالكة اضطهادًا ضد الأغلبية الشيعية في البحرين من خلال انتهاك حقهم في حرية التعبير والدين والثقافة، والتمييز في الوظائف والحقوق الاجتماعية، وهدم أماكن العبادة، ومحو الآثار الدالة على وجود المواطنين الشيعة في البلاد، وتهميشهم في التاريخ الرسمي، وتخوينهم والتحريض ضدهم في الإعلام.
وبحسب مؤسسة “سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان” ببلجيكا، فإن السلطات البحرينية دمرت ما لا يقل عن 38 مسجدًا شيعيًا في جميع أنحاء البحرين، ولم تنفذ التزاماتها بإعادة بناء تلك المساجد حتى اليوم، كما قامت قوات الأمن بتخريب أقدم مسجد في البلاد مخلفةً أضرارًا جسيمة وكتابات مناهضة للشيعة ورسائل كراهية على جدرانه.
كما اتهمت المنظمة، السلطات البحرينية بتحويل المساجد الشيعية إلى متاحف أو ملاعب، ونقل بعضها إلى مناطق نائية من أجل تقويض أهميتها الثقافية والدينية، إضافة لإعادة تسمية المدن والقرى الشيعية لمحو آثار تراثها، وتهميش وإلغاء تاريخ “البحارنة” والتركيز فقط على التطورات الأخيرة منذ بداية حكم آل خليفة في عام 1783.
كانت المناطق الشيعية هي المركز الذي انطلقت منه شرارة الانتفاضة البحرينية عام 2011، بعد أيام من اندلاع الثورة المصرية، ففي الرابع عشر من فبراير، انطلقت أول مظاهرة في قرية النويدرات الشيعية، طالب فيها المتظاهرون بالإفراج عن المعتقلين تلتها مظاهرة كبيرة في جزيرة سترة الشيعية، حيث خرج عدة آلاف من الرجال والنساء والأطفال إلى الشوارع.
وعقب مهاجمة الشرطة للمشاركين في جنازة أول شهيد للانتفاضة البحرينية علي مشيمع، حيث سقط شهداء آخرون أثناء الهجوم، توجه الآلاف إلى دوار اللؤلؤة للاحتجاج على قمع المظاهرات، حيث شارك متظاهرون سنة في الاحتجاجات.
بدأت الاحتجاجات بمطالب تضمنت الإصلاح الدستوري والإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، إلى إن وصلت إلى إسقاط الأسرة المالكة وتدشين الجمهورية البحرينية.
لم تنجح محاولات التهدئة التي اتبعتها السلطات من إقالة وزراء أو وعود بالإصلاح السياسي، والمساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بين السنة والشيعة، حيث اشتعلت المظاهرات لتعم البحرين، إلى إن اقتحمت الشرطة ميدان اللؤلؤة ليلًا في محاولة لفضه، وقتلت وأصابت المئات، في أحداث وصفتها المعارضة بـ”المجزرة”.
استمرت المظاهرات التي كان مركزها وكتلتها الرئيسية من الشيعة حتى استعانت السلطات البحرينية بـ”قوات درع الجزيرة” التابعة لمجلس التعاون الخليجي، والتي نجحت بمساعدة قوات الدرع في قمع الاحتجاجات واعتقال المئات وهدم ميدان اللؤلؤة رمز الانتفاضة البحرينية.
ماليزيا.. مذهب مُحَرّف
تُقدِر الإحصاءات الرسمية في ماليزيا عدد المسلمين الشيعة بـ40 ألف شخص، بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن العدد يصل إلى نحو 400 ألف، ويرى نشطاء في مجال حقوق الإنسان في ماليزيا، أن الآلاف من الشيعة في البلاد يخافون من الإعلان عن معتقدهم الديني خوفًا من الاضطهاد والتتبع من قبل السلطات الماليزية.
في عام 1996 أصدرت لجنة الفتوى للشؤون الدينية بماليزيا فتوى تعتبر الإسلام الشيعي محرف، ما ترتب عليه منع الشيعة من نشر معتقداتهم أو توزيع أي مطبوعاتتتحدث عنهم، كما أصدر مجلس سيلانجور الإسلامي الديني في ماليزيا عام 2009 رسالة حظر فيها على أعضاء الطائفة الأحمدية الإسلامية إقامة صلاة الجمعة في مسجدهم المركزي، مهددًا المخالفين بالسجن، وعُلقت لافتة خارج المسجد كتب عليها: “الأحمدية ليس دينًا إسلاميًا”.
وبالتزامن مع ذكرى عاشوراء في سبتمبر من العام الماضي 2019، ألقت الشرطة الماليزية والسلطات الدينية، القبض على ثلاثين شيعيًا، بعدما داهمت ما أسمته تجمعات سرية للشيعة، كما شهدت نفس الفترة مداهمات لعدد من المنازل والمراكز الشيعية واعتُقل العشرات والذين تعرضوا للسجن لمدد تصل إلى ثلاث سنوات بموجب قانون يُجرم ممارسة الشعائر الشيعية في البلاد، حيث يحكم ماليزيا نظام قانوني مزدوج، إذ تنظر محاكم إسلامية في بعض المسائل الدينية والأسرية للمواطنين المسلمين، والآخر علماني يستند إلى تشريعات مجلس النواب.
وتقوم الشرطة والسلطات الدينية في ماليزيا بشكل مستمر بفض تجمعات الشيعة، واعتقال مواطنين شيعة، كما أثبت تحقيق أجرته منظمة حقوقية ماليزية عام 2016 تورط الشرطة في اختطاف بعض قيادات الشيعة.
وتقول منظمات حقوقية إن منع الشيعة من ممارسة عباداتهم يتعارض مع مبدأ حرية الاعتقاد والذي ضمنه الدستور الماليزي، متهمة السلطات بالطائفية بإصرارها على أن الشيعة لهم تأثير سيء في المجتمع.
ويشكل المسلمون في ماليزيا الأغلبية بنسبة 60% من عدد السكان البالغ 33 مليون، وتوجد أقليات دينية كثيرة بعضها يمثل رقمًا مهمًا في التركيبة السكانية منها “البوذيون19.8% والمسيحيون 9.2%، والهندوس 6.3%”، وتبلغ نسبة الديانات الصينية القديمة 1.3%، إضافة إلى ديانات أخرى منها الإحيائية والدين الشعبي والسيخية والبهائية وغيرها من المعتقدات.