“حق المَرة مِرَبع وكِدبها مِصَدق”    

 قاعدة  للقضاء العرفي  عند بدو سيناء معناها:

 “أن الاعتداء على حق المرأة  تكون عقوبته أربع أضعاف الاعتداء على رجل , وأقوال  المرأة  وادعاءاتها صدق في كل الأحوال”.

هكذا شرحتها لي عضوة البرلمان السابقة عن دائرة العريش عندما سألتها عن كيف يمكن للمرأة البدوية الخروج لرعي الأغنام في الصحراء بمفردها وكيف يتحقق لها الأمان؟!

فقالت لي إن هذه القاعدة تحمي النساء، لأنها تضاعف العقوبة أربع مرات، ولأنها لا تكلف المرأة عبء الإثبات،  فأقوالها   وشهادتها كافية  لإثبات التهمة أمام القضاء العرفي  البدوي  الذى نعتبره ذكوريًا!.

وبهذه القاعدة الذهبية تستطيع المرأة في المجتمع البدوي أن تسير بأمان في الصحراء بمفردها بدون أي  تهديد أو خوف .

أتذكر هذا الحوار وتلك القاعدة العرفية الآن وأنا أرى  البعض يحاول الخروج من ورطته في مساندة المتحرشين واللوم على من يساند الضحايا (الناجيات) بطريقة عادل إمام في فيلم حسن ومرقص هو الدين بيقول أيه؟  لتصبح  هو القانون بيقول أيه؟!.

 و بصفته الخبير القانوني يسرد علينا القواعد القانونية -وكأننا لا نعرفها- فيقول:
1- إن المتهم برئ حتي تثبت إدانته.
2- لابد أن توجه إليه التهمة سلطة قضائية.
3—أن إفلات ألف مذنب من العقاب خير من إدانة برئ.
4- أن استخدام الإنترنت للتشهير بالأشخاص جريمة.
5- أن التحرش جريمة لابد من إثباتها بطرق الإثبات.

ليخرج بنتيجة تلوي عنق الحقيقة مؤداها:

قاتل بلا بينة سلطان”

كما قالت الخالة “آمونة” في مسرحية “ريا وسكينة.

صحيح هذه هي ضمانات المحاكمة العادلة، وهذه هي قواعد ومبادئ دستورية لحماية حقوق المتهم في (مواجهة السلطة)،  ونحن أكثر الناس إيمانًا بها، و أشد الناس بالتمسك بها (في مواجهة السلطة ).

لكن

من قال إننا عندما نتعاطف مع ضحية (ناجية)
ونصدقها..
وندعمها ..
كأفراد (ليس لهم أي سلطة) نكون ضد القانون ؟!

بل علي العكس نحن   نواجه سلطة أبوية ذكورية في المجتمع وفي كل مؤسساته .

ودعمنا  هو مجرد ترديد شهادتها ونشرها

والمطالبة بإجراء تحقيق محايد من جهات محايدة وأمينة..

والمطالبة بمحاكمة عادلة بالضمانات التي ترددونها

ومساندة ودعوة ضحايا (ناجيات) أخريات للحديث والبوح وإعلان شهاداتهم – وهى دليل الإثبات الذي تطالبون به – وهذا حق أصيل من حقوقنا في التعاطف والمساندة والدعم.

لكن استدعاء الخطاب القانوني في هذه اللحظة هو في حقيقته إفلاس ومحاولة ذكورية لادعاء أن القانون لوغاريتم أو لغة كهنوت يحتكرها الرجال فحسب ولا تفقهها النساء، ومحاولة لإخراس أي صوت يفضح جريمة متأصلة في المجتمع ضد النساء، واصطناع حصانة وهمية لمرتكبي جرائم العنف الجنسي.

وهي ازدواجية في المعايير 

فذات الشخص الذى يطالبنا بالإثبات والدليل والبينة.. إلخ

نجده في جرائم أخرى يقدم التعاطف والمساندة بدون شروط أو قيود، لكن عندما يتعلق الأمر بالنساء  والاعتداء على أجسادهن  يشهر  في  وجوهنا  خطابه القانوني الملتوي  عن قواعد  الإثبات وضمانات المحاكمة العادلة.

 يتضح ذلك عندما نقارن جرائم العنف الجنسي بجريمة مثل التعذيب، ففي الوقت الذى يطالبنا البعض بأدلة الإثبات   في جرائم العنف الجنسي لمجرد التعاطف مع الناجيات، نجد أن التعاطف لكل من يدعي أنه ضحية تعذيب هو الطبيعي و المنطقي   والأقرب إلى الواقع  حتى لو لم يقدم أي دليل.

 ذلك أنه من الطبيعي تصديق  الطرف الأضعف في مواجهة السلطة، والنساء  في جريمة التحرش هن الطرف الأضعف  المهدد في سمعته وشرفه، والمتحرش في الغالب يكون مصدر سلطة (مدير في العمل، مدرس،  أكبر سنًا …. ) علاوة على سلطة الذكور في مجتمع ذكوري. 

 نتعاطف مع ضحايا التعذيب  ونصدقهم  بالرغم من عدم  توافر أي دليل غير كونه محتجز أو  تم القبض عليه،  وهذا غير  كاف   لإثبات جريمة التعذيب،  وهذا بالظبط  ما يحدث في جريمة التحرش،  فالضحية لا تملك أدلة تثبت الجريمة، فالمتحرش دائمًا ما يتعمد ارتكاب الجريمة بلا أي دليل أو شهود.

وفي جريمة التعذيب كثيرًا ما ترفض الضحية   تقديم بلاغ خوفًا من البطش،  وهذا ما يحدث  مع النساء لخوفهن  من  الفضيحة وكلام الناس، ولأن الإنصاف والعدالة في الجريمتين  (التحرش والتعذيب) صعب تحقيقهما  والوصول إليهما .

 فالنهاية

عبء الإثبات في جرائم العنف الجنسي لابد ألا يكون ملقى على عاتق الضحية (الناجية )  وحدها، لأنها الطرف الأضعف ، والتعاطف  والمساندة في تلك الجرائم لا يحتاج إلى دليل أو إثبات في مجتمع ذكوري تعاني منه النساء، بل هو  الواجب  والتصرف الإنساني المناسب.