باتت الانتقادات تحاصر المنظمات الدولية والإقليمية الكبرى في العالم، لعدم قدرتها على اتخاذ قرارات ومواقف حاسمة وتراجع دورها بشكل كبير في ظل الصراعات “العسكرية والسياسية والاقتصادية” المنتشرة، والتي أصبحت تهدد الأمن والسلم الدولييين، ما طرح تساؤلات حول جدوى وجود تلك المنظمات، وهل أصبح النظام العالمي على أعتاب تغيرات جديدة في النظم التي تحكمه؟.
الأمم المتحدة
منظمة الأمم المتحدة، تأسست في أكتوبر عام 1945، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدلا عن منظمة “عصبة الأمم”، من أجل إنهاء النزاعات المسلحة، وعدم تكرار الحروب التي اجتاحت العالم في تلك الفترة، لتتسع دائرة المنظمة الجديدة لتضم في عضويتها لاحقا 193 دولة، لتصبح بذلك أضخم المنظمات الدولية وأكثرها أهمية، وقفت عاجزة عن نزاعات كبرى في العالم مثل الأزمتين السورية والليبية حاليًا، وحرب أمريكا على العراق في عام 2003، رغم الاجتماعات المتعددة والقرارات التي تصدر هنا وهناك.
المنظمة الكبرى، والتي تضم 6 أجهزة أساسية، تتمثل في الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية ومحكمة العدل الدولية والأمانة العامة للأمم المتحدة، يتمتع 5 من أعضائها “الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة والصين وفرنسا وروسيا”، بحق “الفيتو” الاعتراض على أي قرار يقدم إلى مجلس الأمن دون إبداء أسباب، وفقًا لمصالحها، ما يعطل المجلس عن اتخاذ قرار حاسم في القضايا المصيرية والانتهاكات التي تقع.
الأصوات تعالت في السنوات الأخيرة، من أجل إحداث تغيير في طريقة تعامل المنظمة وذراعها الأهم “مجلس الأمن”، مع القضايا المختلفة والتمييز الممنوح لخمسة من أعضائها، خاصة في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية التي طرأت على النظام العالمي، وتغير موازين القوى.
الاتحاد الأوروبي
وعلى نفس المنوال تقريبًا، تأسس الاتحاد الأوروبي لتشكيل تكتل سياسي واقتصادي أوروبي بدأ مساره منذ عام 1951، وتحديدًا بعد الحرب العالمية ومر بعدة مراحل توسع خلالها ليشمل 28 دولة – قبيل خروج بريطانيا- واضعًا أهدافه الاستراتيجية في التأسيس لمواطنة تضمن الحقوق الأساسية، وتدعم التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وتقوي دور أوروبا في العالم.
المنظمة الإقليمية الأبرز في العالم، ساهمت كثيرا في نهضة أوروبا الحديثة، وتكوينها كتلة اقتصادية كبرى تنافس القوى العظمى في العالم، ما جعلها محط أنظار العديد من الدول في القارة العجوز والتي تسعى إلى نيل عضويتها، لكنها واجهت خلال السنوات الماضية انتقادات كثيرة بعد ضم دول كثيرة فقيرة أثرت على نهضتها الاقتصادية، علاوة على عدم قدرتها على مواجهة أزمات تهدد الدول الأعضاء، أبرزها أزمة اللاجئين، إضافة إلى خروج بريطانيا والذي هدد بتفكك الاتحاد، وطرح تساؤلات حول قدرته على التماسك مستقبلا، وعدم سعي دول أخرى إلى مغادرته.
الاتحاد الإفريقي
وفي إفريقيا، وافقت 32 دولة حققت الاستقلال في 25 مايو 1963 على تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، وفي خلال تسعينيات القرن الماضي، ناقش القادة ضرورة تعديل هياكل منظمة الوحدة الإفريقية لتعكس تحديات عالم متغير، ليتم في عام 1999، إصدار إعلان سرت الذي دعا إلى إنشاء اتحاد إفريقي جديد، حتى أصبح عدد أعضائه 55 دولة.
الاتحاد الإفريقي والذي أسس لدعم وتمكين الدول الإفريقية في الاقتصاد العالمي ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية متعددة الجوانب التي تواجه القارة، حصل على المزيد من إمكانيات اتخاذ القرار، وأصبحت قواته منتشرة في معظم مناطق الأزمات في القارة السمراء، لكنه لم يتمكن من إنهاء تلك النزاعات، أو تحقيق الترابط الاقتصادي الفاعل بين دول القرار كما هو مخطط بتوحيد العملة “الأفرو” بحلول عام 2028.
ولعل أبرز الأزمات الموجودة حاليًا في القارة، تتمثل في مشكلة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، وعلى مدار عقد من الزمان لم يتدخل الاتحاد من أجل حلها، إلا مؤخرًا بعد توجه مصر والسودان إلى مجلس الأمن، ورغم جلسات التفاوض المستمرة إلا أن الوضع ما زال متأزمًا، ولم يشهد أي تغير.
تغير بطيء
عضو مجلس النواب ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية الدكتور عماد جاد، يرى أن حدوث تغيير في المنظمات الدولية وتحديدًا الأمم المتحدة، مرتبط بحدوث تغييرات جذرية في النظام العالمي، مشيرًا إلى أن التغييرات السابقة التي حدثت في الماضي كانت بعد حربين كبيرتين، حيث إنه عقب الحرب العالمية الأولى أسست عصبة الأمم وبعد الحرب العالمية الثانية تأسس مجلس الأمن، ما يوضح أن وقوع تغيير في النظام العالمي هو ما يؤثر في وجود تلك المنظمات.
وأشار إلى أنه في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية التي حدثت في العالم خلال السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، كصعود دول واكتسابها قوة جديدة مثل ألمانيا واليابان، قد يدفع الدول الكبرى في المستقبل إلى إحداث تغيير –ولو بطيء- في المنظمة العالمية الكبرى، خاصة أنه سيكون ضد رغبة الخمسة الكبار في المجلس، والذين ليس من مصلحتهم حدوث تغيير في ظل امتلاكهم حق الفيتو.
ونوه “جاد” بأن تركيبة مجلس الأمن الحالية تعتمد على الدول الرابحة خلال الحرب العالمية الثانية، وسيبقى الوضع كذلك، فمثلًا فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن بسبب فوزها في الحرب، وألمانيا مؤقتة بسبب هزيمتها، رغم تفوق ألمانيا الاقتصادي والسياسي بشكل كبير على فرنسا حاليًا، لافتا إلى أن هناك اتجاهات بمنح دول جديدة في أوروبا وإفريقيا وآسيا عضوية دائمة، في ظل المتغيرات التي طرأت.
الديمقراطية هي الحل
ولفت عضو مجلس النواب، إلى أن الوضع في المؤسسات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي والإفريقي وجامعة الدول العربية يبدو مختلفًا بشكل كبير، في ظل نظام دورها الإقليمي، فضلا عن كونها تعد تابعة إلى منظمة أقوى وهي الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أنه في حالة فشلها في حل قضية، يتم اللجوء إلى المنظمة الأقوى لاتخاذ قرارات رادعة، ورأب الصدع.
واستبعد “جاد” هدم المنظمات الإقليمية رغم قلة تأثيرها، مستشهدًا بما حدث في الاتحاد الأوروبي – والذي يعد أقوى المنظمات الإقليمية- مؤخرًا من خروج بريطانيا، وإدانته لكونه لم يدعم الدول بشكل كاف في ظل أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، إلا أنه رغم ذلك لا يمكن حله أو الاستغناء عنه، بسبب تركيبته السياسية والاجتماعية ونظام وجوده وانتخاب أعضائه.
وبالحديث عن الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، أوضح “جاد” أن الأمر مختلف كثيرًا، لأن المنظمات الإقليمية عمومًا تحتاج إلى أنظمة ديمقراطية حتى تستطيع أداء دورها كما في الاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي، لافتًا إلى أن تركيبتهما تجعل أدائهما مختلفا وبطيئًا، إلا أن وجودهما مهم، وحيوي، كما أنهما يحتاجان إلى إصلاح أيضًا لحدوث تغيير.
قيادة جماعية
وبين الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، أن دور المنظمات الدولية والإقليمية لم يتراجع، لكن هناك تعقيدات على الساحة الدولية والإقليمية أدت إلى البطء في اتخاذ القرار، وشكل الصراع والحصول على مكاسب في هذه المنظمات بدأ يأخذ شكلا مختلفًا، عن ذي قبل.
وتابع: “في الحرب الباردة كان هناك قوتين، وقبل أن يطرح القرار كان معروفا من سيصوت لصالح القرار أو الاعتراض عليه، لكن الآن أصبح ما يمكن أن نسميه باسم القيادة الجماعية بقيادة الولايات المتحدة، حيث لم تعد العلاقات الدولية مقتصرة على أمريكا وظهرت قوى أخرى مثل الصين وروسيا”، مشيرًا إلى وجود محاولات لإصلاح نظام المؤسسة الدولية، لتواكب التغيرات التي طرأت على النظام العالمي، كضم دول جديدة مثل ألمانيا واليابان ومصر أو جنوب إفريقيا كأعضاء جدد وليس بديلًا عن بعض القوى الكبرى الموجودة.
وشدد على أهمية وجود الأمم المتحدة في المجتمع الدولي لحفظ الأمن والسلام الدولي، لأن غيابها قد يؤدي إلى حروب وكوارث، كما أنها تتمتع بمصداقية وقوة تخشاهما الدول الغاشمة.
وأضاف “رغم انتقادات أمريكا للمنظمة، لكنها عندما أرادت تمديد قرار فرض العقوبات لجأت إلى مجلس الأمن، مستندة إلى القوانين”.
مؤسسات ضرورية
وأشار إلى صعوبة ترك الدول الأوروبية الاتحاد الأوروبي والاستغناء عن مميزاته الاقتصادية والاجتماعية، لأن القيم التي أسسها الاتحاد اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا أصبحت مكتسبة، مشيرًا إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد ليس دليلًا على انهياره، لأنها لا تعتبر دولة أوروبية لكونها آخر دولة انضمت للاتحاد، وكان لديها استقلالية بعيدة عن الاتحاد ولم تغير عملتها، ولم تكن مشتركة في “الشينجن”.
وأكد أن دور منظمة الاتحاد الإفريقي يتعاظم حاليًا يومًا بعد آخر، كما أن مجلس الأمن والسلم الإفريقي يلعب دورًا كبيرًا داخل القارة، متابعا: “قد يكون هناك مشاكل أو حروب لم يستطع الاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة حلها، لكن ليس معناه انهيار النظام العالمي، أو إلغاء أو استبدال تلك المؤسسات”.