جاءت القرارات الجديدة التي أصدرتها وزارة التموين والتجارة الداخلية، فيما يتعلق برغيف الخبز، لتمثل عبئًا إضافيًا لعدة فئات في المجتمع، حيث عبر البعض عن أنها ستثقل كاهلهم في وقت يتدبرون فيه بالكاد أمورهم المعيشية.

الوزارة حددت سعر تكلفة إنتاج جوال الدقيق المدعم بـ 265 جنيهًا للمخابز التي تستخدم السولار، و283 جنيهًا لمخابز الغاز الطبيعي، كما ثبتت سعر الرغيف لمستحقي الدعم عند 5 قروش، مع تخفيض وزنه من 110 جرامات إلى 90 جرامًا، وزيادة عدد الأرغفة للجوال زنة 100 كيلو لـ 1450 رغيفًا.

شكاوى من القرار

بالرغم من عدم رفع سعر الخبز بشكل مباشر، إلا أن القرار عكس ارتفاعًا فعليًا على أرض الواقع، وكبد المواطن البسيط عبء هذه الزيادة، كون الخبز سلعة أساسية لجميع الطبقات، فالأسرة المكونة من 5 أفراد بعد أن كانت تستهلك 20 رغيفًا في اليوم، باتت في حاجة إلى شراء 30 رغيفًا بعد تخفيض وزنه لـ 90 جرامًا.

يقول نبيل صابر (مساعد نجار)، ويعمل بأجر يومي لدى ورشة نجارة بمنطقة حلوان، أنه يتقاضى 100 جنيه في اليوم، ويعمل دون إجازات، أي أن دخله في الشهر يصل إلى 3000 جنيه، وعلى الرغم من أنه يبدو مبلغًا كبيرًا، إلا أنه بعملية حسابية بسيطة، يتبين أنه يقع في ورطة كل شهر بسبب عدم قدرته على تلبية احتياجات أسرته.

يوضح “صابر” أنه متزوج ولديه 4 أبناء وتعيش معه والدته، كما أن زوجته (ربة منزل) ولا تعمل، أي أنه مسئول عن إطعام 7 أفراد، وتحتاج أسرته إلى نحو 30 رغيفًا في اليوم، حيث يضطر إلى شراء هذه الكميات من الخبز.

وزير التموين على مصلحي

ويضيف “أن اللحمة والفراخ بالنسبة لأسرته، زائر قلما يدخل منزلهم، ومن الممكن أن تتناوله الأسرة مرة على الأكثر كل أسبوع، أما بقية الأيام فالطعام الأساسي بطاطس مطبوخة، مكرونة، كشري، أي نوع خضروات مطبوخة دون لحمة، وبالرغم من بساطة تلك الأكلات إلا أنها تصل في مجمل تكلفتها إلى ما يقرب من 1500 جنيه شهريًا، وبقية الراتب منه 500 جنيه إيجار للمنزل، والباقي لمصروفات تعليم الأبناء ومواصلاتهم، وبالرغم من أن جميعهم بمدارس حكومية إلا أنهم يحتاجون إلى دروس تقوية ببعض المواد”، مشيرًا إلى أنه يتمكن من توفيرها لأضعفهم دراسيًا فقط، ولا يتمكن من توفيرها للجميع.

أرقام عن الفقر

حالة “نبيل” لم تكن الوحيدة، بل هي نموذج لعدد كبير من المواطنين تحت خط الفقر، فبحسب بحث أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نسبة المواطنين تحت خط الفقر ارتفعت إلى 32.5٪‏ خلال عام 2018، من 27.8%، بنسبة 4.7٪‏.

وأظهر البحث أن محافظات الوجه القبلي تتعدى خط الفقر القومي، مع الأخذ في الاعتبار أن العينة التي خضعت للبحث بلغت 26 ألف أسرة، صممت لتكون ممثلة على مستوى محافظات الجمهورية وتمت زيارتها 8 مرات خلال مدة البحث، وقد شارك فيه نحو 300 باحث ميداني، بالتعاون مع كل أجهزة الدولة.

وفي نهاية البحث تم الإعلان أن متوسط الإنفاق الاستهلاكي بلغ نحو 49 ألف جنيه عام عام 2018، مع توضيح أن متوسط الإنفاق الكلي للأسرة يصل إلى 51.4 ألف جنيه سنويا، بمتوسط 4500 جنيه شهريًا للأسرة الواحدة وهو ما يفوق دخل عدد كبير من الأسر على أرض الواقع، منها أسرة “نبيل” سالفة الذكر، وغيرها الكثير من الأسر التي ربما لا تعرف الدولة عنهم شيئًا .

صراع “الخبز واللحمة”

“ياريتهم رفعوا سعر اللحمة وسابوا وزن العيش”، الجملة تبدو استنكارية، يقولها محمد عوض (عامل في طلاء الأخشاب)، متزوج ولديه طفلان، موضحًا أن رفع سعر اللحوم لن يُغضب محدودي الدخل، لأن السلعة نفسها غير مؤثرة بالنسبة لهم، فهم قلما يقبلوا على شراءها، أما الخبز فهو الأساس لعدد كبير من المصريين، وفق قوله.

وبحسب “المركزي للإحصاء” فإنه يوجد في مصر أكثر من 100 مليون مواطن، من بينهم حوالي 15 مليون طفل أقل من 4 سنوات، (لا يأكلون الخبز بانتظام أو بكميات كبيرة)، أي أن هناك نحو 75 مليون مواطن أعمارهم أكبر من 4 سنوات، وهم الفئة التي تتناول الخبز بشكل أساسي، من بينهم 32 % مواطنين تحت خط الفقر، يصل معدل استهلاك الفرد منهم نحو 5 أرغفة في اليوم، أي أن المواطن الواحد يحتاج في المتوسط إلى استهلاك 150 رغيفًا شهريًا، وهي نسبة متوسطة تتفاوت بين الأسر وفقًا لاحتياجاتها لكنها لا تبعد كثيرًا عن هذا التقدير لتصبح الأسرة المكونة من 4 أفراد تحتاج إلى 600 رغيف شهريًا بشكل متوسط ، وفي وزنه القديم، وربما يتضاعف هذا الاحتياج بعد تقليص الوزن.

الخبز كل شيء

وبالرغم من المعادلات الإحصائية الكثيرة المتعلقة بالكمية المطلوبة لجسم كل إنسان واحتياجاته من الخبز، إلا أن هذه المعادلات تتسم بجمود بعض الشيء، فلا يمكن تطبيقها وتفعيلها على كافة فئات المجتمع، فالمعادلات كلها تشير إلى أن الخبز جزء من وجبة رئيسية، يُوضع الرغيف بجانبها على مائدة الطعام، وهو أمر لا يمكن إنكاره داخل عدد كبير من المنازل المصرية.

إلا أنه على الصعيد الآخر، فإن هناك عائلات كاملة يعد رغيف الخبز هو المكون الرئيسي لوجباتها، هو المتحكم في الشعور بالشبع.

يقول “عبد الفتاح السيد”، (عامل نظافة) بإحدى محطات مترو الأنفاق، إن صدمته في تقليص حجم رغيف الخبز لا تقل عن صدمته عندما يتلقى خبر خصومات من راتبه أو أي خبر قهري آخر يلم به وبأسرته، موضحًا أنه متزوج منذ 5 سنوات ولديه ابنان بمرحلة رياض الأطفال، وراتبه 2100 جنيه شاملة الحوافز، ويعتمد في طعامه بشكل أساسي على الخبز.

ويتذكر أنه ليستطيع التوجه إلى مصيف “جمصة” العام الماضي لمدة أسبوع، ظل هو وزوجته وأبنائه قبلها بشهر كامل لم تدخل اللحوم بأنواعها منزلهم، وكان طعامهم يتنوع ما بين الفول والطعمية والبطاطس والجبنة طوال الشهر، حتى يتسنى لهم ادخار مبلغ 1000 جنيه يساعدهم في رحلتهم.

يقول “عبد الفتاح” إنه يستهلك هو وأسرته ما لا يقل عن 500 رغيف شهريًا، وهو معدل متوسط ربما يزداد في بعض الشهور، ومتوقع أن يتضاعف بعد تقليص حجم الرغيف.

استهلاك الريف والمدن

جدير بالذكر أن استهلاك الريف للخبز يفوق المدن وفق نتائج بحث الدخل الذي كشفت عنه وزارة التموين أوائل عام 2019، حيث أوضح أن متوسط نصيب الأسرة يوميًا من استهلاك الخبز البلدي المدعم يبلغ 11.4 رغيفًا على مستوى الجمهورية.

ويبلغ هذا المتوسط 9.6 أرغفة في الحضر، مقابل 12.9 رغيفًا بالريف، وهو ما يشير إلى أن استهلاك الأسر الريفية من الخبز يفوق الأسر الحضرية، وهنا نجد أنفسنا أمام تساؤل جديد “لماذا يشتري أهل الريف الخبز أكثر من أهل المدن والحضر بعدما كانوا يصنعونه في منازلهم؟.

بالتمعن في الأمر، اتضح أن تغيرات الحياة وطبيعتها هي التي أدت إلى تغير الحياة الريفية وشكلها المتعارف عليه، وتحول عدد كبير من أهلها للعمل بالتجارة والصناعة بدلاً من الزراعة، حتى من يمتلك أرضًا يستأجرها ويخرج هو لسوق العمل بمختلف مجالاته، ما أثر على اهتمامهم بصناعة الخبز في المنزل كما كان متعارف عليه قديمًا.

كمية الخبز الصحية

من الناحية الصحية، يجب ألا يتم تجاوز كمية محددة من الخبز يوميًا، وفقاً للدكتورة سامية عبادة استشاري التغذية بكلية طب القصر العيني، موضحة أنه على الرغم من ارتفاع نسب محدودي الدخل يومًا بعد الآخر واضطرارهم للاعتماد على الخبز في وجباتهم، إلا أنهم لابد أن يضعوا في اعتبارهم أن الخبز يتم تحضيره عادة باستخدام الماء والدقيق، وهناك أسر تعتمد عليه كوجبة أساسية، وآخرون يميلون للإفراط في تناوله، وهو أمر غير صحي، فهو عبارة عن نشويات، كثرة تناولها تتسبب في أمراض عديدة، لذا فلابد من اتباع قواعد استهلاك صحيحة خلال تناوله، حتى لا يشكل خطراً على الفرد.

وتقول “عبادة” إن الخبز أنواع، أولها الخبز الأبيض وهو من أكثر الأنواع انتشارًا، ويمكن للشخص الطبيعي أن يتناول رغيفين من الخبز الأبيض في اليوم الواحد، بشرط عدم تناول أي نشويات أخرى سواء بطاطس أو معجنات بأنواعها، وفي حال تناول أي نوع من الكربوهيدرات الأخرى فلابد من خفض كمية الخبز المأكولة.

أما الخبز البلدي فمن المفضل ألا تتجاوز الكمية المأكولة منه للفرد الواحد عن رغيف ونصف في اليوم، وخفض الكمية في حال رغب الشخص في تناول أرز أو مصدر آخر من مصادر الكربوهيدرات، أما الخبز الغامق أو (السن) كما يُطلق عليه فهو الأنسب بين الجميع، ويمكن تناوله بكميات مفتوحة حتى 4 أرغفة أو أكثر حسب الرغبة، بشرط تناول كميات كبيرة من المياه حتى لا يُصاب الفرد بعسر هضم.