صداع يفتك برأسها، تشعر وكأن الحياة تحولت إلى “سواد”، وأنها مقدمة على كارثة، تستريح على أقرب كرسي يقابلها، لتفكر في كيفية التخلص من الجنين داخل أحشائها، فلن يتحمل وضع زوجها الاقتصادي قدومه خلال الفترة الحالية.

“سمر.ع” في عقدها الثالث من العمر، تزوجت منذ عدة أشهر، واتفقت مع زوجها على عدم الإنجاب إلا بعد أن تتحسن أحوالهما المادية، وتستقر في عمل جديد لها، لكنها فوجئت بأنها حامل في الشهر الثاني، ما أصابها بتوتر.

فكرت في الإجهاض، وعندما حادثت طبيبة تعرفها أخبرتها بأن ذلك غير مسموح قانونيًا، وأنها قد تتعرض للسجن، إذا تم كشف ما فعلته، وأنها مجبرة على أن تحتفظ بالجنين، لذا فكرت في اللجوء إلى أحد مراكز عمليات الإجهاض.

عندما أعلنت رغبتها أمام صديقتها الطبيبة حذرتها مما سيلحق بها، لأن تلك المراكز لا يوجد بها أطباء متخصصون، وأكدت لها أنها ستتعرض لمضاعفات صحية قد تؤدي لوفاتها، لذا قررت أن ترضى بالأمر الواقع، لكنها ظلت تتساءل “لماذا لا يمكن أن أخضع لإجهاض آمن؟”.

15 سيدة من كل 1000 تتراوح أعمارهن بين 15 و44، يلجأن إلى المستشفيات نتيجة حدوث مضاعفات صحية تعرضن لها بعد الإجهاض غير الآمن وفقًا لتقرير نشرته هيئة المعونة الأمريكية عام 2017.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن النساء يلجأن إلى الإجهاض غير الآمن لأسباب اجتماعية واقتصادية وصحيّة، فضلًا عن القيود القانونية في بعض البلدان.

نسبة الإجهاض في مصر

في مصر، تصل نسب الإجهاض إلى 14.8% لكل 100 مولود، فيما تقول وزارة الصحة، إن الإجهاض تسبب في 1.9% من الوفيات المتعلقة برعاية الأمومة عام 2006، وذلك بحسب دراسة أعدها المجلس الدولي للسكان بالتعاون مع الجمعية المصرية لرعاية الخصوبة.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة “لانسيت” الطبية، فإن هناك 56 مليون حالة إجهاض على مستوى العالم سنويًا.

ووفقًا لتعريفات عالمية، فإن الإجهاض الآمن هو الذي يجري وفقًا للمعايير الطبية السليمة، وعلى يد اختصاصيين وأطباء مدربين وتستخدم فيه الأدوات والأدوية المناسبة، بالإضافة إلى توافر شروط التعقيم والنظافة، والذي يلتزم بمبادئ منظمة الصحة العالمية والطرق التي توصي بها بما يتناسب مع مدة الحمل، حيث يتلاشى خطر حدوث مضاعفات وخيمة أو وفاة من جرائه.

كما عرفت منظمة الصحة العالمية “الإجهاض غير الآمن” بأنه “إنهاء الحمل إما من قبل أفراد يفتقرون للمهارات أو المعلومات اللازمة، أو أنه يتم في بيئة لا تلبي المعايير الطبية الدنيا أو كلا الأمرين”.

ونشرت المنظمة دراسة في 2017 تؤكد أن النساء يلجأن إلى الإجهاض غير الآمن لأسباب اجتماعية واقتصادية وصحيّة، فضلًا عن القيود القانونية التي تفرضها البلدان التي تنظر للإجهاض باعتباره فعل غير قانوني حتى في حالات الاغتصاب وسفاح المحارم والمشاكل الصحيّة.

وذكرت أن ما يقرب من 25 مليون حالة إجهاض غير آمن “45% من إجمالي حالات الإجهاض” قد حدثت بين عامي 2010 و2014 وحدثت حوالي 97% أي أغلبها منها في البلدان النامية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، أصدر تقريرًا في بداية عام 2017، يشير إلى أن 12.6% من السيدات لديهن رغبة لا تلبّى في الحصول على وسائل تنظيم الأسرة، إما لأسباب شخصية أو اجتماعية أو لعدم توافرها، لكنهن في الحقيقة يرغبن في تأجيل الإنجاب ثانية أو إيقافه كلياً.

خطورة صحية

الدكتورة منى منصور، أخصائية أمراض النساء والتوليد والباحثة في مجال الصحة الإنجابية، تقول إنه من الوارد التهاب الرحم بالبكتيريا في 1 من كل 10 في عمليات الإجهاض غير الآمن، وبقاء جزء من الحمل داخل الرحم، ويحدث هذا الاختلاط في أقل من 5% من الحالات، وتبلغ نسبة استمرار الحمل أقل من 1%، ما يستدعي إعادة الإجهاض، كما يتسبب في إحداث نزيف غزير، ولعدم وجود أطباء تخدير فإن المشكلات الصحية قد تتضاعف.

“منصور”، تؤكد أن ذلك يؤثر فيما بعد على صحة المرأة، ويتسبب في أزمات صحية لها، قد تؤدي إلى عدم قدرتها على إتمام الحمل مجددًا على عكس ما يحدث عندما تجرى عملية إجهاض آمن، فضلًا عن ظهور الاكتئاب واضطرابات القلق والغضب خاصة حال إجرائه دون مخدر.

وتختتم حديثها مؤكدة على أنه هناك بعض الحالات التي يتم الموافقة على الإجهاض الآمن لها، إذا كان هناك مشاكل طبية للمرأة أو الجنين، مثل اكتشاف تشوهات في الجنين أو عيوب خلقية أو وجود مشاكل في الكلى أو الكبد والتي لا يجوز طبيًا استمرار الحمل بسببها، حيث تشكل خطرًا على حياة الأم أو ولادة طفل مشوه.

تجريم وملاحقة

صلاح بخيت، محامي بالنقض والدستورية العليا، يقول إن الإجهاض جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات الذي تم التصديق عليه عام 1937، والذي جرم كافة أشكال الإجهاض، وعاقب كل من المرأة ومن قدم لها المساعدة من أجل إنهاء الحمل بالحبس لمدة تترواح بين يوم حتى السجن المشدد وفق المواد 261 و262 و263 و264 من القانون.

وبحسب المادة 262 من قانون العقوبات، فإن الطبيب أو الصيدلي أو الجراح الذي يقوم بالإجهاض سواء بإجراء عملية جراحية أو بإعطاء المرأة أدوية تساعد على الإجهاض بدون ضرورة طبية، قد تصل عقوبته للسجن المشدد.

وقد تتحول لجناية عقوبتها الأصلية الحبس لمدة تصل إلى 3 سنوات وقد تصل إلى السجن المشدد، ويمكن للقاضي تخفيف العقاب إذا تمت الجريمة بدافع معقول، كالتخلص من طفل مصاب بمرض خطير، وإذا كان الحمل خطرًا على حياة المرأة أو هناك تشوهات بالجنين، وفي هذه الحالات لا يكون هناك عقاب يقع على المرأة.

تقنين الإجهاض

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وتحالف ريسرج النسوي لدعم الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية، أسسا حملات لتعديل القانون في مصر لضمان حق النساء في الحصول على إجهاض آمن، إذا كان استمرار الحمل مهددا لحياتهن أو صحتهن وكذلك في حالات الاغتصاب.

كما جددا الدعوة إلى المشرع المصري لتعديل مواد القانون الخاصة بالإجهاض لضمان حق النساء في الوصول إلى إجهاض آمن في حالات وجود إذا كان هناك خطر على صحة المرأة إذا استمر الحمل أو كان ناتجًا عن اغتصاب.

مبادرة “هيباتيا” كانت تطالب بالإجهاض الآمن للنساء، حيث طالبت مجلس النواب بتعديل المواد الخاصة بالإجهاض في القانون المصري، لأنه يجعل المرأة المغتصبة تربي طفل شخص اعتدى عليها دون أي مراعاة لحالتها النفسية وكذا لزنا المحارم.

كما ضمت منظمة العفو الدولية “الإجهاض الآمن” ضمن الحقوق الإنجابية والجنسية للمرأة، معتبرة أن منع النساء والفتيات من الحصول على خدمات الإجهاض القانونية لن يوقفن عما يقمن به، وأن فرض حظر على الإجهاض أو تقييده لا يساعد في تقليص أعداد عمليات الإجهاض، وإنما يجعل من يردن الإجهاض يسعين إلى إجراء عمليات تفتقر إلى شروط السلامة.

حلول

المحامي رضا الدنبوقي، مدير مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، يقول إن الإجهاض الآمن، يمنح الأم حق تقرير المصير، كذلك يحد من حالات الوفاة، مشددًا على ضرورة توفير الدولة مستشفيات آمنة، مطالبًا بتعديل القوانين التي تعيق تحقيق هذه الغاية.

ويشير إلى أنه في حال عدم قيام الدولة بهذا الأمر، فيجب عليها توفير وسائل تنظيم الأسرة لعدم تعريض النساء لمضاعفات خطيرة من الممكن أن تؤدي للموت نتيجة عمليات الإجهاض غير الآمنة في عيادات “بير السلم”.

ويؤكد أنه من حق المرأة أن تقرر الإنجاب من عدمه، لأنه عملية مرهقة نفسًيا وبدنيًا ولابد أن يقابله حق في الاختيار، مضيفًا أن عدم السماح للمرأة بالإجهاض، أمر لا علاقة له بالدين أكثر منه تحكم من السلطة الذكورية التي ترى المرأة مجرد وعاء للحمل والإنجاب.