“تربية امرأة”.. تلك الكلمة التي يستخدمها البعض في المجتمع للإهانة أو التقليل من تنشئة وتربية أشخاص يختلفون معهم في الرأي، لم تكن تلك الكلمة الوحيدة التي تُستخدم بغرض الإهانة باستخدام لفظ الأم، فأغلب “الشتائم” تستخدم “الأمهات” كوسيلة لسب الأبناء.
يأتي هذا رغم أنه من المتعارف عليه في مجتمعاتنا العربية، أن تربية الأبناء تقع في الغالب على عاتق الأمهات، فهن كثيرًا ما يتحملن مسئولية أبنائهن وحدهن، رغم قوانين الأحوال الشخصية التي لازالت تنصف الرجال فيما يخص ولاية الابن أو الابنة.
وتشير أبحاث ودراسات، إلى دور “الشتيمة” في التعبير عن النفس والغضب والتنفيس، كما أن الغضب شعور مهم، وهو إيجابي وحق، مثل التعبير عن النفس والانزعاج… لكن، السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا توضع كلمة “تربية المرة” في قائمة تلك الشتائم؟، ولماذا هو تعبير عن إهانة رغم حقيقته؟.
“المجتمع والقوانين تتعامل مع الرجل على أنه المسئول الأول عن المنزل، حتى وإن كانت الحقيقة عكس ذلك”.. نيفين عبيد
موروث ثقافي
ترى الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي والتنمية، ومؤسسة “المرأة الجديدة” نيفين عبيد، أن استخدام تعبير” تربية مرأة” كإشارة لإهانة شخص ما، هو موروث ثقافي في المجتمعات العربية عمومًا، والمجتمع المصري لا ينفصل عن تلك المجتمعات التي تحمل الكثير من التناقضات فيما يخص علاقتهم بالمرأة.
وتضيف:” بالرغم من أن المرأة هي في الحقيقة من ترعى وتربي الأطفال، لكنها أيضًا أول من يُسب عند خروج الأبناء عن السياق، والأمر غير منفصل تمامًا عن النظرة النمطية والتمييزية التي ينظر بها المجتمع للنساء، خاصة أن قانون الأحوال الشخصية في مصر لازال به عدد من المواد التي بشأنها تقنين حالة التمييز ضدها، من بينها الولاية التعليمية على أقل تقدير، لدرجة أن تسليم التابلت للأطفال بالمدارس لابد أن يتم عن طريق ولي الأمر الأب وليس الأم”.
وتتابع: “أن المجتمع والقوانين تتعامل مع الرجل على أنه المسئول الأول عن المنزل، حتى وإن كانت الحقيقة عكس ذلك، أما بالنسبة لكلمة مرة فهي تتفاوت في استخدامها بين المجتمعات العربية، ما بين التحقير أحيانًا، أو كونها كملة عادية للإشارة للمرأة”.
في عام 2017 نُشر كتاب للمؤلّفة ياسمين الخطيب عنوانه “ولاد المرة”، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات الاجتماعية والنسائية، وسمي الكتاب على اسم أنجح مقال وقد كان مقال “كل الرجال ولاد مرة” والذي نشر لاحقًا أيضًا بعنوان “ولاد المرة”.
وتتحدث “الخطيب” في الكتاب عن المفردة نفسها وأصلها اللغوي، بهدف الإشارة إلى أن هناك كلمات كثيرة أصلها اللغوي لا توجد به عيوب لكنها تحولت لــ”سبة”.
“كلمة تربية المرأة في الأصل غير مهينة ولا تعبر عن الإهانة”.. الناشطة النسوية هادية عبد الفتاح
توارث الكلمات
من ناحية أخرى ترى الناشطة النسوية هادية عبد الفتاح، “أن المجتمع المصري اعتاد استخدام الأمهات في الشتائم والأمثلة وبعض الكلمات للدلالة على التحقير والإهانة مثل تربية مرأة التي توارثتها الأجيال وتتناقلها، وهذا إن دل يدل على أن الناس تتناقل تلك الكلمات دون التفكير فيها بشكل حقيقي وموضوعي”.
وتوضح “أن كلمة تربية المرأة في الأصل غير مهينة ولا تعبر عن الإهانة لأنها كلمة حقيقية تدل على من قام بالتربية والتنشئة، وفي مجتمعنا المصري من المتعارف عليه أن الأم هي من تكون مسئولة أكثر عن تربية وتنشئة الأبناء، بدليل وجود العديد من الأمهات الغارمات اللاتي يتورطن في مبالغ مالية مقابل وصولات أمانة من أجل زواج أبنائهن”.
وتشير إلى أن المرأة المصرية لازالت تعاني من الاضطهاد والتمييز، إلى جانب النظرة الدونية، وهذا لم يحدث فقط من الرجل للمرأة، فهناك اضطهاد يحدث من المرأة للمرأة أيضًا، وبالتالي نرى أن هناك الكثير من السيدات أيضًا يستخدمن كلمة تربية المرأة للتحقير والإهانة”.
“الأم في 30% من الأسر المصرية تعول بيوتها وفي الآخر الرجالة تشتم بعضها بالأم”.. الإعلامية رانيا بدوي
فخر لا سبة
الإعلامية رانيا بدوي كانت قد قدمت حلقة في برنامجها ” كلام رونووش” الذي يذاع أون لاين، بعنوان “تربية مرة”، وقالت في مقدمة الحلقة: “الستات شايلة البيوت على كتافها وأغلب الرجالة مكبرين دماغهم.. الأم في 30% من الأسر المصرية تعول بيوتها وفي الآخر الرجالة تشتم بعضها بالأم، ويقولك فلان ده تربية مرأة.. يا سادة تربية المرأة فخر لا شتيمة ولا قلة قيمة، طب ياريتك تطول تبقى ابن مرأةومن ضهر مرأة!”.
وفي تعريف ويكي جندر تعني كلمة “ابن المرة” أن الشخص ربته امرأة ويقال “ده تربية مَرَة”، أو تعوله وهي إهانة مركبة ووصم في الثقافة السائدة لأنه يعني أنه الذكر الموصوم لم يعرف طبائع الرجال وأساليبهم، وهو بذلك منقوص الرجولة وتحقير لأمه في ذات الوقت.
ويضاف في كثير من الأحيان وصف فاحش بعد كلمة “ابن المرأة”، ويذهب البعض في التفسير للقول إن “المرأة” في “شتيمة” “ابن المرأة” المقصود بها الأب وليس الأم، أي هي إهانة بأن أب المشتوم ليس “رجلا” بما فيه الكفاية بل هو امرأة، ويستخدم لفظ “ابن المرأة” في الأفلام والأغاني خاصة أغاني المهرجانات التي انتشرت مؤخرًا في المجتمع المصري.
“المجتمع لازال ينظر للمرأة على أنها الكائن الأضعف”.. الناشطة النسوية شيماء إمام
الكائن الأضعف
من جانبها ترى الناشطة النسوية شيماء إمام، أن المجتمع لازال ينظر للمرأة على أنها الكائن الأضعف، حتى بالرغم من أن هناك الكثير من السيدات اللاتي يعلن أسرهن، ونظرًا لنظرة التقليل والدونية التي لازالت تطارد المرأة المصرية من المجتمع، فإن كلمة تربية مرأة تستخدم للتقليل والإهانة.
وتضيف إمام، أن المجتمع المصري يرى أن المرأة غير جديرة بأن تقوم ببعض الأمور مثل الرجل تمامًا، وبالتالي فكرة قوامة الرجل على البيت وخاصة التربية نابعة من نظرة المجتمع للرجل الذي ينظر إلى أن كل ما يفعله صحيح، وأن وجوده في المنزل يحميه من الأمور الخاطئة، والانحراف عن المسار.