ما بين رصاصة طائشة في الهواء، وأخرى تستقر في أجساد الضحايا، يعيش الإعلاميون والنشطاء في العراق، لا يزال نزيف دماء الاغتيالات مستمر، دون الإعلان عن مرتكبيه.

أعلن عددا من النشطاء والإعلاميين الذين حالفهم الحظ ولم يفلح الرصاص في اختراق أجسادهم بتلقيهم عددا من التهديدات خلال الفترة القليلة الماضية.

كانت الناشطة رهام يعقوب، طالبة الدكتوراه في كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة في جامعة البصرة، آخر الضحايا، بعدما اغتيلت في هجوم مسلح الاربعاء الماضي، لتلحق بمن سبقها من زملائها النشطاء والإعلاميين.

ووقعت حادثة الاغتيال أثناء عودتها إلى منزلها من مقر عملها، حيث تدير صالة خاصة للياقة البدنية للنساء؛ تصدى لها مسلحون وأفرغوا عياراتهم النارية في جسدها وسط مدينة البصرة، ففقدت الوعي واصطدمت سيارتها برصيف الشارع وتوفيت في المستشفى متأثرة بإصاباتها.

الناشطة العراقية رهام يعقوب

“رهام” بعمر الثلاثين، طالبة دراسات عليا في كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة، ومحاضرة في جامعة البصرة وناشطة بارزة، شاركت في المظاهرات ضد الفساد في عام ٢٠١٨. وهذه ثالث مرة يستهدف فيها مسلحون مجهولون نشطاء في البصرة خلال أسبوع، وشهدت المدينة مظاهرات غاضبة بعد مقتل المدني تحسين أسامة الشحماني، الذي اغتيل يوم 14 أغسطس.

حوادث متكررة

أثار حادث اغتيال رهام يعقوب غضب كثير من العراقيين، وشهدت مدينة الناصرية، جنوبي العراق، احتجاجات على مدار يوميين متتاليين، وهدم المحتجون مقار بعض الأحزاب الموالية لإيران بواسطة الجرافات، بحسب ما أفاد مراسل سكاي نيوز، إلى جانب احتجاجات أخرى عنيفة في مدينة البصرة.

لم تكن “رهام” الأولى ولن تكن الأخيرة في قوائم الاغتيال التي تحدث في العراق، ففي الشهر الماضي اغتيل الأكاديمي هشام الهاشمي، الذي عُرف بابتعاده عن المعارك الإعلامية. لكن تعمقه في دراسة الجماعات المسلحة، ومنها الفصائل ذات النفوذ السياسي، فتح الباب أمام تكهنات باحتمال ضلوع أطراف سياسية.

“الهاشمي” الذي قتل عن عمر 47 عاماً، من مواليد بغداد. اشتهر بتحليلاته في العديد من المواقع الإلكترونية وقنوات التلفزيون عن الوضع في العراق، خاصةً ما يتعلّق بالجماعات المسلحة. وحسب ما أكده الهاشمي نفسه قبل اغتياله على حسابه بـ “تويتر”، فهو كان عضوا في المجلس الاستشاري العراقي، وباحثا في مركز السياسة العالمية (مقره واشنطن). وللهاشمي عدة كتب منها “عالم داعش.. تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” وكتاب “تنظيم داعش من الداخل”.

الاغتيالات في أرقام

قتلت آلة الاغتيال السياسي في العراق فنانين، إعلاميين، وناشطين مدنيين، متظاهرين سلميين، وأطباء، ولازال العديد من حوادث الاغتيال مثيرة للجدل، وحتى الآن لم يتم الكشف عن ظروفها الحقيقية. وظل منحنى الاغتيالات في تصاعد مستمر في ظل الحكومات المتعاقبة بعد.

تشير الإحصاءات إلى أنَّ مجموع حوادث الاغتيال في العراق ما بين عام 2006 ولغاية 2013 بلغت 19470 حادثة، أما الشروع بالاغتيال فبلغ 3575 حادثاً.

وعلى سبيل المثال تم اغتيال 220 صحفي وإعلامي عراقي لم يتم الكشف عن الفاعلين إلى الآن، كما تم اغتيال أكثر من 67 قاضي وأيضاً لم تكتشف هذه الجرائم وسجلت ضد مجهول، كما أفادت مجلة المشاهد السياسي البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 23 مارس لعام 2013 أن عدد العلماء والأكاديميين والأطباء العراقيين الذين تم اغتيالهم بلغت 5500 عالم عراقي. فيما أشارت إحصاءات المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق بتاريخ 25 ديسمبر إلى مقتل واغتيال 489 متظاهرا في انتفاضة أكتوبر لعام 2019.

الاغتيال في العراق

تهديدات بالاغتيال

أكد الناشط ميثم مبارك تلقيه رسائل تهديدات مباشرة وغير مباشرة. ويقول “العدالة والمساواة وتفعيل القانون واحترام حقوق الإنسان وتحسين أداء الأجهزة الأمنية والرقابة على الأداء؛ هي أبرز مطالب المتظاهرين، ورغم الاستفزازات ورسائل التهديد نستمر في المطالبة”.

وأشار إلى أن دعم الحراك الشعبي لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بهدف تغيير العملية السياسية وتعديل الدستور العراقي وقانون الانتخابات، هم أحد الأسباب الرئيسية لتصاعد عمليات الاغتيال. ويضيف أن هناك دوافع سياسية أخرى وراء تصاعد الاغتيالات، متمثلة في زعزعة استقرار الوضع السياسي والأمني في البصرة، وتقف وراء ذلك أجندة خارجية تضررت مصالحها بعد إحكام سيطرة الحكومة العراقية على المنافذ الحدودية والموانئ العراقية.

أما الناشطة لوديا ريمون فقد تعرضت للكثير من التهديدات والتصفية، منذ عام 2018، الأمر الذي دفعها لترك البصرة لفترة، ومن ثم عادت لاستئناف نشاطها في حقوق الإنسان.

تقول لوديا في تصريحات صحفية “أثناء مغادرتي من منزلي للتوجه إلى مجلس عزاء الناشط تحسين الشحماني، الذي اغتيل على يد مسلحين مجهولين برفقه زميل لي، وأثناء ركوبي السيارة اعترضنا مسلحون بسيارة نوع كراون تويوتا لونها أبيض وأطلقوا علينا النار، سرعتي في ركوب السيارة هي التي أنقذتني، لكن إحدى الرصاصات أصابتني في قدمي، واستقرت أخرى في صدر زميلي”.

16 دولة تدين العنف واغتيال ناشطين

أدانت 16 دولة وبعثة الاتحاد الأوروبي لدى بغداد، أعمال العنف والاغتيالات الأخيرة التي طالت ناشطين عراقيين خلال الاحتجاجات الشعبية، داعية إلى محاكمة الجناة. جاء ذلك في بيان مشترك صادر عن سفارات دول أستراليا وبلجيكا وبلغاريا وكندا وكرواتيا، وأيضا التشيك وفنلندا وفرنسا وألمانيا والمجر وإيطاليا، وكذلك هولندا وبولندا وإسبانيا والسويد والمملكة المتحدة، إضافة إلى بعثة الاتحاد الأوروبي المعتمدة لدى العراق.

وعقب الاغتيالات، غرد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عبر حسابه على تويتر، “التواطؤ مع القتلة أو الخضوع لتهديداتهم مرفوض، وسنقوم بكل ما يلزم لتقوم أجهزة وزارة الداخلية، والأمن بمهمة حماية أمن المجتمع، من تهديدات الخارجين على القانون”.

ورحّب بيان الدول الـ 16 وبعثة الاتحاد الأوروبي بتعهد الكاظمي بإنهاء حالات الإفلات من العقاب لمرتكبي مثل هذه الجرائم. ودعا البيان قادة العراق إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان إنزال العقوبة بالمسؤولين عن هذه الأعمال بأقصى قدر يسمح به القانون.

وقال البيان، إن تلك الدول تعرب عن قلقها العميق إزاء التصعيد الأخير في حالات العنف ضد ناشطي المجتمع المدني. وأضاف أن هذه الدول تدين على وجه الخصوص الاغتيالات التي استهدفت الناشطين بمدينة البصرة وبغداد، في ظل حملة ممنهجة من التهديدات العلنية والترهيب.