“لماذا الآن؟”، سؤال يلوح في الأفق عقب إعلان الإمارات العربية المتحدة التطبيع مع إسرائيل، الأيام الماضية، في خطوة أثارت جدلاً وانتقادات واسعة، وطرحت أيضًا علامات استفهام أكثر حول دلالة التوقيت والإعلان، ولكن خلف الكواليس يكمن بقايا المشهد، إذ دوافع  وأهداف إسرائيل في الكشف عن علاقاتها مع دول الخليج الآن، وكأنها زهدت السرية وتورية الأمور .

ويرى المراقبون أن التطورات السياسية والتوترات التي تشهدها منطقة الخليج العربي في الوقت الراهن وتصاعد المد الإيراني وفرض نفسه كقوة إقليمية كبرى، عوامل وأسباب أساسية ساهمت في مد جسور التواصل ليس بين أبوظبي وحدها وتل أبيب، بل بين عواصم خليجية أخرى، كما بدا أن عزلة إسرائيل الإقليمية التي فرضت منذ عام 1947، تقترب من نهايتها .

وهو ما أشارات إليه صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، نقلاً عن مسؤولين في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد”، الذين أكدوا أن اتفاقية السلام بين إسرائيل والإمارات، خطوة تستند إليها قرارات عربية قادمة من أجل توقيع اتفاقيات مماثلة مع إسرائيل، إذ أن الاتفاق الأخير أكد على تقارب ديناميكيات سياسية متغيرة في المنطقة ترى فيها الدول العربية السنية إيران عدوًا أكبر من إسرائيل.

دلالة التوقيت

وتحت عنوان: “الإمارات وإسرائيل .. مباراة صنعتها أحلام وأمنيات ترامب”، فسر معهد الدراسات الأمنية الإفريقي، في تقرير حديث له، أسباب اختيار إسرائيل الوقت الراهن للإعلان عن علاقاتها مع دول الخليج، بعد سنوات من السرية بدأت من تسعينات القرن الماضي، لافتًا إلى أن تنازل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في ظاهرة عن ضم الضفة الغربية مقابل إقامة علاقات دبلوماسية مع الإمارات هو مكسب وورقة رابحة يحتاج إليها، في وقت لا يزال يواجه فيه ضغوطًا سياسية وقضائية قد تنهى حياته السياسية النشطة.

أما بالنسبة للإسرائيليين، قد توفر اتفاقية السلام مع الإمارات إحساسًا مطمئنًا بأن عزلتهم الإقليمية تقترب من نهايتها وتتراجع في المقابل حركات المقاطعة للكيان الصهيوني، واصفًا إياها بـ”الأخبار السارة”، وسط الوضع الاقتصادي والسياسي المتدهور التي تعيشه البلاد.

وعقب مسؤول إسرائيل سابق، بأن “اتفاقية السلام بين الدولتين فكرة جيدة للغاية أبعدت إسرائيل عن خطوة غير محسوبة، يعلم “ترامب” أنها ذلك، وهي ضم الضفة الغربية، الإمارات، وإسرائيل لديهما الكثير للقيام بهما معًا، آمل أن يتبع هذه الخطوة دول آخرون”، بحسب المعهد.

ولا شك ان الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة سرعت من عملية التطبيع، إذ تساهم هذه الخطوة في تعاون دبلوماسي أكبر في المنطقة، كما أنها تمثل “طوق نجاة” لكل من ترامب ونتياهو، في وقت مصيري بالنسبة إليهم، وتعتبر أيضًا تتويجًا لسياسية ترامب وصهره جاريد كوشنر، وشهادة على التحول الاستراتيجي الذي أجراه منذ أكثر من 3 سنوات في تعامل الإدارة الأمريكية مع منطقة الشرق الأوسط، إذ لم يكن الاتفاق ممكنًا لولا قيادة الأخير وسياساته الخارجة عن المألوف.

ويرجح جمال يوسف، أستاذ علوم السياسية بجامعة القاهرة، أن من ضمن الأسباب التي دفعت إسرائيل لاتخاذ عن هذه الخطوة المتوقعة إلى حدًا ما مع الإمارات في هذه الفترة الحرجة، هو غرق دول المنطقة في صراعات خارجية وعلى أطراف حدودها، لاسيما بعد انسحاب الولايات المتحدة من صراعات منطقة الشرق الأوسط، وترك مساحة لإيران، وتصويرها بأنها “العدو الأكبر” في المنطقة.

وتابع: أن أزمة كورونا أثرت بشكل سلبي على الإدارة الأمريكية، كما أن الأوضاع في إسرائيل ليست على ما يرام أيضًا، ما يعتبر الاتفاقية وسيلة إلهاء وتلميع لصورة الحكومتين، في وقت حساس للغاية، مضيفًا أن زيادة دعم اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة أحد أهداف ترامب الرئيسية قبيل الانتخابات الرئاسية.

ويعلم “ترامب” أن اليهود بأمريكا سيصوتون في الولايات المتأرجحة التي يجب أن يفوز بها من أجل ولاية ثانية، فإذا استطاع ضمان أصوات اليهود الذين وضعوا إسرائيل أولاً على قائمة اهتماماتهم، مع العلم أن 70% من يهود أمريكا يرون ترامب مخالفًا للقيم اليهودية ويضعون إسرائيل في مرتبة متدنية من اهتماماتهم- بجانب حصوله على بضع نقاط مئوية في ولاية  فلوريدا، فسيكون ترامب قد دخل البيت الأبيض مرة أخرى من بوابة التطبيع الإسرائيلي الإماراتي.

اتفاق السلام

وحول الدور الذي لعتبه الولايات المتحدة في اتفاقية التطبيع بين الدولتين، فيمكن القول بأن فشل جهود الرئيس دونالد ترامب في الوصول لاتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين عجلت بالإعلان عن اتفاقية السلام، بحسب وكالة “بلومبرج” الأمريكية، والتي أشارت إلى أن خطوة ضم الفضة الغربية من قبل “نتنياهو” والخوف من أثارتها احتجاجات تعرض العلاقات المتنامية مع إسرائيل للخطر، بدأ المسؤولون الإماراتيون محادثات سرية مع نظرائهم الإسرائيليين، بينما لعبت إدارة ترامب دور الوسيط.

ووضعت إسرائيل إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول العربية هدفًا استراتيجيا لها منذ فترة بعيدة، إذ تطمح إلى تقبل لكيانها أكبر في الشرق الأوسط، بجانب إمكانية إقامة المزيد من العلاقات التجارية، إذ أنها في منطقة غنية ومليئة بالاستثمارات ولكنها لم تستفد إلا القليل منها.

في المقابل يمنح التطبيع الإمارات فرصة لتحسين صورتها بعد دخولها في حرب اليمن، و يعتبر فرصة للتعاون أكثر في مجالي التكنولوجيا والرعاية الصحية مع إسرائيل، الرائدة في كليهما، لاسيما في ظل أزمة كورونا الراهنة، بحسب الوكالة.

كما أن الخروج بالعلاقات العلنية مع إسرائيل للعلن قد يعني بالنسبة للدول الخليجية إمكانية الحصول على أسلحة أمريكية كانت محظورة عليهم بموجب قيود التفوق العسكري النوعي بسبب الخوف من إمكانية استخدام تكنولوجيا معينة ضد إسرائيل، وأبرزها المقاتلة ” إف 35″.

وقال إيلي كوهين، وزير المخابرات الإسرائيلي، إنها فرصة ذهبية لنتياهو، الذي يتعرض لانتقادات سياسية لاذعة بسبب تعامله مع أزمة كورونا، فضلاً عن مواجهته لقضايا فساد.

ويصف المراقبون إسرائيل بالقوة “السنية” الجديدة في المنطقة بعد أن أصبحت دول الخليج تراهن أكثر عليها وعلى إمكاناتها التكنولوجية والأمنية الكبيرة في مواجهة التطورات الإقليمية المتسارعة التي تؤثر على استقرارها، بعد أن قررت الولايات المتحدة أن تكون موردًا للسلاح فقط وألا تتورط عسكريًا في المنطقة كما حدث في حرب العراق، بحسب وكالة “فرانس براس”.

مراقبة إلكترونية

ويجدر بالإشارة، أن إسرائيل هي الدولة الأكثر تقدمًا في مجال التكنولوجيا في الشرق الأوسط، وهو ما أدى إلى وضع الملامح الرئيسية لشراكة غير رسمية بين الحكومات المحافظة في المنطقة، وبين إسرائيل في السنوات الماضية، بفضل قدراتها المخابراتية، وبعد إتمام اتفاق التطبيع، قد تنتقل الإمارات إلى مستوى جديد من الازدهار والوجاهة الدولية في نفس الوقت الذي توفر فيه المزيد من الوظائف لمواطنيها.

“هناك جانب في إعلان العلاقات يعتمد على تطور التكنولوجيا، والتي من ضمنها الأنظمة الدفاعية والمراقبة الإلكترونية والتي تحتاجها دول الخليج في حربها مع إيران واضطراباتها الداخلية”، وفقًا لـ “يوسف”.

ويقول الخبير فيتز فرانتزمان، في مقاله في صحيفة “جيروزاليم بوست”، الصادرة بالإنجليزية، إن هذا التقارب كان واضحًا منذ سنوات.

وأشارت زيارة نيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان في عام 2018، ومناقشات صفقة القرن في البحرين في عام 2019، ومؤتمر حوار المنامة، واجتماعات أخرى، إلى أن العلاقات كانت قاب قوسين أو أدنى.

بينما، ذكر كبير المستشارين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ريتشارد غولدبيرغ، أن البحرين وعمان والسعودية، وربما العراق ستمضي باتجاه السلام مع إسرائيل، بفعل وجود تهديدات جديدة منها إيران، تجعل دول المنطقة تقرر عقد سلام مع إسرائيل، وهو ما سيشكل تحولًا خطيرًا في ميزان القوى في الشرق الأوسط وخاصة ضد إيران.

أعتاب إيران

على جانب آخر، قد يؤدي الاتفاق التاريخي الذي أبرمته إسرائيل مع الإمارات إلى وضع شركات إسرائيلية في مواجهة مباشرة مع إيران، إذ تبلغ قيمة التبادل التجاري بين الإمارات وإيران مليارات الدولارات، كما يتواجد أكثر من 8 آلاف شركة إيرانية في البلاد، ولكنه من غير المتوقع أن يؤثر تقارب إسرائيل علي العلاقات الاقتصادية الإماراتية مع إيران، بحسب صحيفة “تايم أوف إسرائيل” الصادرة بالإنجليزية.

وبحسب وسائل إعلام إماراتية، يعيش حوالي ما يقارب النصف مليون إيراني في الإمارات، وترى سينزيا بيانكو، زميلة زائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الأمر سيستغرق “بعض الوقت” قبل أن يواجه الإيرانيون في الإمارات وجهًا لوجه مع الإسرائيليين، إذ معظم الإيرانيين المتواجدين يرفضون الانغماس في الأمور السياسية بل يرون التطبيع صفقة جيدة وليس تحدي.

ورغم ذلك، ستؤثر اتفاقية التطبيع بين البلدين علي شكل المنطقة أمنيًا وسياسيًا بوجه عام، إذ توفر بيئة أكثر استقرارًا ولكن هناك مخاطر في الأفق بسبب إحباط الفلسطينيين، الخاسر الأكبر من الاتفاقية، وعدم توقع ردود أفعالهم، بحسب المعهد.