يختلف التعامل مع حيض المرأة باختلاف الثقافات والأديان على مستوى العالم، الأمر قد يصل إلى عزل المرأة الحائض عن الأسرة أو منعها من القيام ببعض الأدوار المنزلية، اعتقادًا بأنها غير طاهرة، ولا بد من الابتعاد عنها حتى تتطهر.

ويقول الطب، “إن الدورة الشهرية نشاط طبيعي من دورة حياة الأنثى، تحدث على أساس شهري، تستمر من 3 – 7 أيام، وعادةً ما تبدأ أول دورة طمث للفتيات في سن الـ11 و 14 عامًا، لكن بعضَ الحالات قد تأتي بصورة مبكرة، أو متأخرة قليلاً”.

الهند.. عزل ونفي

في نوفمبر من عام 2018، حل الحزن على ولاية تاميل نادو الهندية الجنوبية، بعد مقتل فتاة في الـ14 من عمرها في إعصار “غاجا”، بعد أن أجبرتها أسرتها على النوم بعيدًا عنهم لأنها كانت “حائض”.

وفي مناطق ريفية هندية عديدة يعتبر الطمث “دنساً”، ويؤمن الكثير من القرويين أن النساءَ في فترة الحيض نجسات.

ويطلق على ممارسات عزل ونفي النساء أثناء الحيض اسم “شوبادي” وهو اسم يعني “الحيض”، لكنه يوحي -محليًا- بنجاسة المرأة عندما تنزف شهريًا، ويشمل أيضًا فترة النفاس بعد الولادة، ويعتبر هذا التقليد الهندوسي المرأة نجسة خلال فترة النزيف، ويلزمها أن تبقى خارج المنزل، في أكواخ صغيرة نائية تكون أشبه بالسراديب.

وبناءً على هذه المعتقدات، يتم منع المرأة الحائض من لمس الطعام الذي يأكله الآخرون، ولمس الرجال أو الماشية، لا سيما البقر، لاعتقادهم أن المرأة الحائض إذا لامست البقرة سيصيبها ذلك بلعنة تمنعها من إدرار اللبن لاحقًا.

المرأة في فترة الحائض

كما يحظر على النساء دخول المراحيض العامة التي يستخدمها الآخرون، ويفرض ذلك عليهن السير مسافات طويلة لقضاء حاجتهن وسط البراري بعيدًا عن أعين الناس، بجانب بقائهن في كوخ الحيض المعزول الذي لا يحتوي على أي أثاث للنوم أو الجلوس أو حتى مرحاض.

وبعد انتهاء النزيف يقمن النساء بالاستحمام في نهر صغير بعيد عن القرى، ويتطهرن باستخدام بول الأبقار حتى يتمكن لاحقًا من الاندماج مرة أخرى في قريتهن.

وفي ولاية ماهاراشترا الهندية وخلال السنوات الأخيرة، لجأت ما يقرب من 4560 امرأة بالغة لعمليات جراحية بغرض إزالة الرحم لضمان عدم خوضهن تجربة الحيض مرة أخرى، لأن غياب المرأة عن عملها يكلفها غرامة مالية، فهي تتخلص من السبب الرئيس وراء الآلام الشهرية التي تنتقص من راتبها الشهري، وفي تلك الولاية يجتمع الأطباء وأصحاب الأعمال التي تشتغل بها النساء على منهج غير قانوني دفع وزارة الصحة لفتح تحقيق كامل بشأنه.

فيما يلجأ بعض أصحاب الأعمال في الهند إلى تجنب تشغيل الإناث بسبب الأمر نفسه، حتى أدى هذا إلى انخفاض نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل بالهند من 36% بين عامي 2005 و2006 إلى 25.8% بين عامي 2015 و2016.

وفي دراسة التي أجرتها الشركة الأمريكية «نيلسون» لأبحاث التسويق وجدت أن 23% من الفتيات يتركن الدراسة بسبب الحرج الذي يتعرضن له أثناء فترة حيضهن.

كما أوضحت الدراسة أن 70% من نساء الهند لا يمكنهن شراء المنتجات الصحية للدورة الشهرية، ويستخدمن بدلًا عنه مواد تصيبهن بالمرض الجلدي، وتلطيخ الملابس، مثل: القطن، والصحف، والأوراق؛ الأمر الذي يجعل الفتاة الحائض عرضة للإذلال والتنمر حينما تلطخ الدماء ملابسها أمام زملائها، بخلفيتهم الثقافية المعتادة والتي تخبرهم أن المرأة الحائض ملوثة لا تصلح أن تطهو لك الطعام حتى وإن كانت والدتك.

 نيبال.. إخفاء عن الشمس

في نيبال والتي تقع في جبال الهملايا، بين الهند والصين، يمكن أن يتم إخفاء الفتيات في فترة الدورة الشهرية عن الشمس وعن الرجال لمدة تصل إلى 15 يومًا.

هذا ما قالته ساميكشيا كويرالا، 21 سنة، لمنظمة العفو الدولية، راويةً كيف تصرّفت عائلتها معها عندما بلغت.

تقول “ساميكشيا” إنها كانت في الـ 11 من عمرها حينما جاءتها الدورة الشهرية للمرة الأولى، وأنها مُنعت من حضور مُناسبة مهمة كانت تنتظرها في منزلها لأنها “كانت حائضاً”.

وتضيف: “عوضًا عن ذلك أخفوني في غرفة مظلمة في بيت أحد الأقارب، بعيدًا عن البيت لـ5 أيام. وبعد خروجي، لم يسمح لي بلمس أفراد العائلة الذكور طوال 11 يومًا، أو بدخول المطبخ لمدة 19 يومًا”.

ويطلق على هذه العادة اسم “تشوبادي” – وهو اسم يعني “الحيض” ويحمل بين طياته معنى يشير إلى أن المرأة تكون غير نظيفة عندما تنزف، وعندما تعزل النساء هنال، يحظر عليهن طهي الطعام أو حتى الشرب أو الاستحمام من مياه القرية. كما يمنعن من لمس النباتات أو الماشية أو الرجال.

أوغندا.. حياة متوقفة

في تقرير صدر عام 2018 عن «صندوق الأمم المتحدة»، شُرح فيه أن الخجل والوصمة المرتبطة في أذهان بعض المجتمعات من الدورة الشهرية تمثل تهديدًا خطيرًا على صحة النساء، وخص بالذكر صحة النساء الحائضات في شرق وجنوب إفريقيا.

وتتعرض المرأة في أوغندا إلى العنف والتمييز بسبب الحيض، و ما يحدث مع المرأة الهندية  هو نفسه ما يحدث مع الأوغندية، حيث توقف الحياة لها بمجرد أن تزورها دورتها الشهرية.

حيث تمنع المرأة الحائض من لمس المياه، أو الطهي، أو الاختلاط في الاحتفالات الاجتماعية والدينية، وتتعمد الفتاة الحائض التغيب عن الدراسة لتجنب سخرية زملائها في حالة اكتشافهم للأمر، وهو أمر مرجح الحدوث نظرًا لغياب الوعي الكافي باستخدام الفوط الصحية في أوغندا؛ ما يترك وصمة عار على ملابس الفتاة متمثلة في دائرة من الدم.

وتتوارث النساء في الهند وأوغندا أيضًا موروثات تتعليق بدما الحيض، حيث يعتقدن النساء أن دماء دورتهن الشهرية قد تستخدم ضدهن في السحر، إذا استخدموا الفوط الصحية وألقوها في القمامة لتكون متاحة لممارسي السحر الأسود الذي يحتاج تلك الدماء.

“نجسة”

تصف كلمة نيدا بالعبرية في اليهودية، المرأة أثناء فترة الحيض، أو المرأة أثناء دورتها الشهرية، و تعتبر المرأة فى الديانة اليهودية “نجسة” بسبب الدورة الشهرية، والتى تبدأ عند أول قطرة من دم الحيض وتستمر لمدة أسبوع بعد انتهاء الدورة الشهرية، وفى نهاية هذا الأسبوع، تخضع المرأة لحمام طقوسى متقن يعرف باسم ميكفه.

عند الانتهاء من الميكفه، تقترب المرأة من المعبد ومعها تضحية – عادة ما تكون زوجًا من الحمائم- على أمل أن يقبلها الحاخام لتعود الحائض نظيفة مرة أخرى، وخلال هذه الفترة، يعتبر كل شيء عن المرأة، بما فى ذلك أظافرها المقلمة، غير نظيف، وأى رجل يمسها يعتبر أيضاً غير نظيف، ومن الممكن أن تمنع المرأة من ممارسة الطهي أو التعامل مع أفراد العائلة، ووفقًا للتلمود البابلي، فإن عقوبة الإعدام محجوزة لأى رجل يمارس الجماع الجنسى مع امرأة “حائض”.

نظريتان

أصدر الأنبا بفنتيوس أسقف سمالوط عام 2016، كتابًا جاء بعنوان «المرأة في المسيحية.. قضايا مثيرة للجدل»، وعبر فيه عن وجهة نظره بأن المسيحية لا تعترف بنجاسة المرأة في فترة الحيض، وبالتالي يُسمح لها بالتناول.

مع نشر كتابه، واجه الأنبا بفنتيوس عاصفة من الغضب من عدد كبير من أساقفة الكنيسة، وعلى رأسهم الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة، الذي أكد في ورقة بحثية على عدم جواز تناول الحائض، مشيرًا لكون المسيحية قد توارثت التأكيد على “نجاسة المرأة” من اليهودية.

يستند رجال الكنيسة الأرثوذوكسية لآيات وردت في سفر اللاويين تنص على أنه: “إذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دمًا في لحمها فسبعة أيام تكون في طمثها وكل من مسها يكون نجسًا.. فتكون كل أيام سيلان نجاستها كما في أيام طمثها. إنها نجسة. كل فراش… وكل الأمتعة التي تجلس عليها تكون نجسة”، و”كل شئ مقدس لا تمس، وإلى المقدس لا تجيء حتى تكمل أيام تطهيرها”.

عادات مصرية

نظرًا لأن دم الحيض يعتبره البعض فاسدًا، فإن النساء المسلمات يُمنعن من ممارسة الشعائر الدينيّة، ورغم أنها رخصة للإفطار في رمضان مثلًا، إلا أن الإناث لا يستطعن البوح بإفطارهن منعًا للحرج.

وفي التسعينيات اتجه البعض لتحريم مَس المرأة الحائض للمصحف، حتى أثناء التنظيف، وأيضًا تحريم التواجد في المسجد أثناء الدورة الشهريّة.

أما الطائفة الإنجيلية فلا تُحرم أي من الشعائر الدينيّة على الحائض، فيما تحرم الطائفة الأرثوذكسيّة التناول على النساء أثناء دورتهن الشهريّة.

أما المناسبات الاجتماعية فقد حُرمت منها الحائضات، فمثلًا يمنع على المرأة الحائض زيارة امرأة نَفِسة حديثة الولادة، حتى لا تتسبب في ”كبسها“. والكبس هنا، معناه أن الأخيرة لن تحمل مرة أخرى، وكذا كان يُقال أن الحائض لا تدخل على غُسل ميّت، لأنها نَجِسة بدماء الحيض.

أفكار خاطئة

في بيان أصدره صندوق الأمم المتحدة، رأى فيه أن هناك أفكار خاطئة تقع عائقًا أمام قدرة النساء على ممارسة بعض حقوقهن الإنسانية الأساسية، وأمام مساهمتهن في مجتمعاتهن المحلية.

ويمكن لعدم المساواة بين الجنسين، والفقر المدقع، والأزمات الإنسانية، والتقاليد الضارة أن تحول الحيض إلى فترة للحرمان والوصم، وفي مثل هذه الحالات من الهشاشة، يصبح الحيض تهديدًا لصحة المرأة ورفاهها.

ووفقاً للدراسات والأبحاث العلمية فإن دم الحيض دم نقي وغير سام، وإضافة إلى خلايا الدم، فإنه يحتوي على الخط الداخلي للرحم ربما والبويضة غير الملقحة، ولا يوجد شيء سام أو غير نظيف في أي من ذلك.