وجدت الحكومة ضالتها في مشروعات تحلية المياه وتبطين الترع والمصارف كبدائل لمواجهة نقص المياه المحتمل مع بدء ملء سد النهضة، وبالتوازي مع ماراثون المفاوضات الطويل الذي تخوضه مع الجانب الإثيوبي، حول حقوق القاهرة في مياه النيل.
تواصل وزارة الري سلسلة مشروعات لتبطين الترع التي تبلغ أطوالها على مستوى الجمهورية 33 ألف كيلو متر، اختارت وزارة الري 7 آلاف كيلو منها لإعادة تأهيل وتبطين بتكلفة 20 مليار جنيه، ضمن مشروع قومي لتطوير البنية المائية التحتية لمصر.
يستهدف المشروع توفير حوالي 5 مليارات متر مكعب من المياه بتقليل الفاقد منها إلى باطن الأرض عبر التشرب وعمليات البخر خاصة المناطق التي تتسم بتربة ترتفع في مكوناتها نسبة الرمال، وتسهيل وصولها إلى نهايات الترع التي كانت تعاني من ضعف وصول المياه الصالحة لأغراض الزراعة.
أعدت الحكومة خطة لمجابهة أزمة الفقر المائي بتكلفة 900 مليار جنيه حتى عام 2037، تم إنفاق نحو 200 مليار جنيه منها على إنشاء محطات معالجة ثلاثية متطورة لإعادة استخدام المياه عدة مرات في أغراض متباينة.
لا يهدف المشروع إلى تقليل الفاقد من المياه، ولكن وصولها إلى مساحات من الأراضي تعاني مشكلات إنتاجية بسبب العطش بمساحات تصل إلى 250 ألف فدان، وتحسين الصحة العامة في الريف المصري عبر تقليل المياه الراكدة وما تحمله من انتشار للبعوض والحشرات.
يأتي مشروع تبطين الترع ضمن استراتيجية أكبر لـ”الري الحديث” تستهدف توفير أنماط بديلة للري بالغمر وتقليل استهلاك مياه الزراعية بنسبة 75%، ومع استنباط أصناف جديدة من التقاوي أقل في استهلاك في المياه، والتوسع في تجربة تغطية المصارف المائية.
تتواكب تلك الجهود مع استراتيجية لإقامة مشروعات محطات معالجة وتحلية المياه بقيمة إجمالية تبلغ ٤٣٥ مليار جنيه موزعة بين معالجة للصرف الصحي وتحلية للمياه المالحة، في ظل توقعات بارتفاع العجز المائي من 591 مترًا مكعبًاً إلى 366 مترا بحلول عام 2050.
ووفقًا لوزارة الموارد المائية والري فإن الاحتياجات المطلوبة من المياه تقدر بحوالي 80 مليار متر مكعب بينما يصل المتاح إلى 60 مليار متر مكعب لاحتياجات مياه الشرب والصناعة والزراعة.
معالجة مياه الصرف الصحي
يطالب خبراء المياه بالتوسع في محطات معالجة مياه الصرف الصحي في مصر بدلاً من تحلية البحر المالح الذي لا يمثل حاليًا سوى 2.4% من إجمالي كمية المياه المُنتجة بمصر، على اعتبار أنها تحتاج لتكلفة أكبر، خاصة في استيراد مكونات المحطات من الخارج، وعدم وجود صناعات محلية متخصصة فيها، فتكلفة إنتاج المتر بمحطات تحلية المياه المالحة تعادل 15 ألف جنيه تمثل 4 أضعاف محطة تنقية المياه العادية.
وتجري الحكومة حاليًا تنفيذ 19 محطة لتحلية مياه البحر، بطاقة إجمالية 682 ألف متر مكعب يوميًا بتكلفة 9.4 مليار جنيه، بجانب 16 أخرى بطاقة إجمالية 671 ألف متر مكعب مقرر تنفيذها حتى عام 2022، بتكلفة 13.3 مليار جنيه.
ويبلغ عدد محطات التحلية القائمة حاليًا نحو 58 محطة قائمة بطاقة 440 ألف متر مكعب في خمس محطات ليصبح إجمالي طاقة محطات التحلية المتوقع حتى عام 2022، حوالي 1.7 مليون متر مكعب يوميًا بما يمثل 6% من إجمالي الاستهلاك الحالي لمياه الشرب.
ووفقًا لوزارة الإسكان، فإنها أنهت 26 محطة معالجة لمياه الصرف الصحي من إجمالي 52 محطة، ومن المقرر استكمال العدد الباقي نهاية العام الحالي، بتكلفة إجمالية 8.1 مليار جنيه، وبقدرة إجمالية تصل إلى 418 مليون متر مكعب سنويا تكفي 8 ملايين شخص.
الظهير الصحراوي
ويقول الدكتور محمد فهيم، خبير الري والزراعة، إن القطاع الزراعي يستهلك قرابة 80% من المياه في صورة ري بالغمر للمحاصيل التقليدية، هي ذات الطريقة المتبعة منذ عهد قدماء المصريين وحتى الآن وبدأت الدولة في تغييرها، عبر تحسن ممارسات الزراعة عبر نظام المصطاطب وإضافة محسنات للتربة.
يضيف أن وزارة الزراعة اكتشفت وجود قرابة مليون فدان في الظهير الصحراوي للمحافظات يتم ريها بالغمر بالمخالفة بالقانون الذي يقضي بضرورة ريها بالتنقيطـ، ووفرت حلا للمشكلة باعتبار الزراعة ضمن المشروعات الصغيرة وتوفير قروض بنسبة 5% لأي مزارع يريد تطوير شبكة الري داخل أرضه، كما تقوم حاليا بتقديم استشارات تركيب الشبكات مجانا لتقليل التكلفة عليهم.
ويؤكد أن تطوير أنظمة الري تحسن إنتاجية الزراعة بنسبة تتراوح بين 10 و30 بالمئة، بتقليل استهلاك الأسمدة إلى النصف وتحسين استفادة جذور النباتات من المياه وتقليل إصاباتها بالآفات والأمراض.
ويعيب خبراء على الخطط الحكومية أنها لا تقترب من بعض وسائل إهدار المياه المتعلقة بقطاع الإسكان الفاخر، ومن بينها المنتجعات السكنية للشركات العقارية الكبرى التي تعتمد البحيرات الصناعية الضخمة واللاند سكيب وحال استبدالها بـ”هارد سكيب” (ديكور يعتمد على التصميمات الهندسية) توفر 70% من المياه المستهلكة في كل مشروع على حده.
ويقول الخبير الاقتصادي رشاد عبده إنه يجب إعادة النظر في استهلاك القطاعين السياحي والعقاري للمياه، فلا يعقل أن يتم استهلاك كميات ضخمة من المياه في أنشطة ترفيهية وفي الوقت ذاته نغير الخريطة الزراعية للفلاحين ونمنع عنهم محاصيل أساسية مثل الأرز لتقليل استهلاك المياه.
وتستهلك ملاعب الجولف في مصر، التي يبلغ مساحتها الإجمالية 40 ألف فدان بمصر، نحو 600 مليون متر مكعب مياه، ولا يقبل عليها سوى ألفي شخص فقط غالبيتهم من الأجانب، بجانب 3 آلاف بحيرة صناعية بمساحة 159 فداناً تستهلك سنوياً أكثر من 1.62 مليار متر مكعب من المياه.
يضيف “عبده” أن الاقتصاد المصري يجب أن يتواكب مع التغيرات الاقتصادية العالمية أو ما يعرف بالاقتصاد الأزرق المعني بالاستخدام المستدام للموارد المائية والحفاظ عليها سواء البحار والبحيرات والأنهار، والأخضر على ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية بتعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوث.