باتت “إهانة القضاء” إحدى التهم التي تلاحق النشطاء والمشتغلين بمجال حقوق الإنسان في مصر مؤخرًا، فليس أولها القضية التي أدين فيها اليوم الثلاثاء، بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بالسجن 15 عامًا، مع توقعات بأنها لن تكون الأخيرة.

وقضت محكمة جنايات القاهرة، بسجن “حسن”، بتهمة بث ونشر أخبار كاذبة والتحريض على العنف وإهانة السلطة القضائية عبر حساب على مواقع التواصل الاجتماعي.

إهانة القضاء

على مدار السنوات الماضية، برزت تهمة “إهانة القضاء” كإحدى التهم التي لاحقت عددًا من الشخصيات العامة والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان، كان منهم من ألقي القبض عليه بالفعل وقضى عقوبة، ومنهم من خرج بعفو صحي، وآخرين ألغيت العقوبة الصادرة بحقهم بعد صدورها.

في أكتوبر الماضي، أصدرت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار حمادة شكري، حكمها بقبول المعارضة المقدمة من منتصر الزيات والبرلمانيين السابقيين حمدى الفخراني ومحمد منيب ومحمد العمدة، على الحكم الصادر ضدهم بالحبس لمدة 3 سنوات في القضية المعروفة إعلاميًا بـ “إهانة القضاء”.

المحكمة قررت حينها تغريم كل منهم 30 ألفا، وتأدية مليون جنيه لرئيس نادي القضاة تعويضًا مدنيًا، وسقوط التهمة عن الصحفي عبد الحليم، الذي سبق وأصدر الرئيس السيسي قرارًا بالعفو عنه بوصفه “حالة مرضية”.

ليس الأول.. ولن يكون الأخير

ولم يكن الحكم الصادر بحق “حسن” هو الأول من نوعه، حيث صدر حكم غيابي عليه في 19 سبتمبر الماضي، بالحبس 3 سنوات وغرامة 20 ألف جنيه بتهمة إهانة القضاء.

وبحسب “مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” في بيان عقب الحكم، فقد ذكر أنه ربما لن يكون الأخير، “إذ يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات أدت إلى مغادرته مصر، مرورًا بقرار التحفظ على أمواله، ووضع اسمه على قوائم ترقب الوصول”، مشيرًا إلى أن الاتهام ذاته (إهانة القضاء) تكرر في القضيتين رغم تزامنهما.

استنكار وشجب

واستدعى الحكم، استنكار عدد من المنظمات الحقوقية، مشيرة إلى أن “بهي الدين حسن” يمارس نشاطًا حقوقيًا امتد لأكثر من 3 عقود، كان يدافع خلالها عن حقوق المصريين الفردية والجماعية.

وقال مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، “إنّ ذلك التطور يأتي في سياق حملة أشمل تتواصل منذ 6 سنوات تستهدف الحقوقيين المصريين بالداخل والخارج، لإثنائهم عن نشاطهم الحقوقي”.

وطالب المركز بإسقاط كافة الاتهامات الموجهة لمديره في هذه القضية وغيرها، ووضع حد لما يحدث بحق الحقوقيين المصريين والمنظمات الحقوقية المصرية.

كما دانت منظمة العفو الدولية، في بيان الحكم الصادر، ووصفت على لسان فيليب لوثر مسؤول المنظمة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، “بهي الدين حسن” بأنه “أحد مؤسسي حركة حقوق الإنسان في مصر”.

ورفضت كوميتي فور جستس، وهي جمعية مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان ومقرها في جنيف، الحكم الصادر ضد بهي الدين حسن، مطالبة بضرورة وقف ما يحدث بحق الحقوقيين

حملة تضامن واسعة

وفور صدور الحكم، حظي “بهي الدين حسن” على دعم واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث نددت عدة شخصيات عامة وإعلامية بالحكم.

ألسنة من جهنم

“إهانة القضاء”، ضمن الاتهامات التي وجهت لـ”بهي الدين حسن”، وفي حيثيات الحكم قال القاضي محمد سعيد الشربيني: “إن رؤوس الفتنة ما تركت مؤسسة من مؤسسات مصر الوطنية إلا وتناولتها بألسنة من جهنم، وهي تحاول الآن أن تنال من قضاء مصر، وتحاول أن تطعن العدالة بقصد الإخلال بالأمن العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، وما ذلك إلا وهم وسراب يحسبه الجاهل نصرا، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون”.

واستطرد قائلاً: “أفلا يعلمون أن القاضي لسان حرية الشعوب ومنشأ استقلالها، القاضي نفسه أبية، وسيف الحق بتار وملجأ أمن لأهل الله وأهل المظالم.. أيها القضاة أنكم نسيج مصر الحارس الأمين، أما أولئك الذين تركوا وطنهم مصر وراءهم وابتاعوا لأنفسهم مكانات في السفه والجهالة واتخذوا من أعداء وطنهم عضدًا، فكانوا ليس إلا مطي لمأربهم لتقويض الأمن والاستقرار في مصر، ولكن هيهات من الاستقواء بالخارج وبالكيانات المناوئة للوطن واتخاذ منصاتهم منابرهم يبثون منها أفكارهم الخبيثة وهو شكل من أشكال الخيانة العظمى”.

واختتم بقوله: لقد ابتاع هؤلاء أوطانهم بثمن بخس لهثًا وراء حفنة من المال ومجد زائف بعد أن وصموا أنفسهم بالخزي والذلة والخيانة”.

من هو بهي الدين حسن؟

و”بهي الدين حسن” أحد مؤسسي الدفاع عن حقوق الإنسان في مصر، حيث يعمل في هذا المجال منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويعمل حاليًا مديرًا لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الذي شارك في تأسيسه عام 1993، كما يعمل صحفيًا ومحاضرًا.

ويعيش بهي الدين حسن في فرنسا منذ عام 2014، حيث اضطر إلى مغادرة مصر بعد تلقيه تهديدات بالقتل.

كما ألّف القيادي الحقوقي البارز وحرر العديد من المقالات، العربية والأجنبية، والأوراق البحثية والكتب حول حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي في المنطقة العربية.

ومنذ عام 2013، قدمت الحكومة المصرية العديد من طلبات التسليم إلى دول في أوروبا وآسيا من أجل عودة بعض المطلوبين لها، وقد فشلت الطلبات في الغالب ولكن بعض الشخصيات احتجزت في السجن أو جُمدت أصولها لأشهر في دول مثل ألبانيا وأوكرانيا والهند.