منذ الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي واغتياله في عام 2011، انقسمت ليبيا إلى جماعات سياسية ومسلحة متنافسة، فبات المشهد الليبي معقدًا للغاية، خاصة مع تداخل أطراف خارجية، وانتشار المرتزقة.
ورغم أنه لم يمر سوي أيام قليلة على إعلان الفصائل المتناحرة في الصراع الليبي على إعلان وقف إطلاق النار، غير أنه تتزايد الشكوك حول فرص نجاح المبادرة رغم موافقة المجتمع الدولي عليها.
وكان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، أصدرا بيانين، أعلنا فيه وقف إطلاق النار. وعكس البيانان التوافق على عدد من النقاط، من بينها موضوع التصرف في عائدات النفط، وجعل منطقتي سرت والجفرة منطقة منزوعة السلاح.
لكن الخلافات حول بعض التفاصيل المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، والتي كانت بؤرة التصعيد خلال الفترة الماضية قد تعرقل تنفيذ الاتفاقية.
المحلل السياسي جلال حرشاوي، الباحث المتخصص في الشؤون الليبية، تساءل عما إذا كان هذا الإعلان يمكن تحقيقه بالكامل. مرجحا أن يكون تنفيذه صعبًا، مشيرًا إلى أن هناك عدة قوى إقليمية قد تلعب دورًا مزعزعًا للاستقرار في الاتفاقية.
ومن الواضح أن هناك مخاوف بشأن التزام حكومة طرابلس (حكومة الوفاق الوطني) بوقف إطلاق النار، حيث قد تعتبره مجرد هدنة لإعطاء تركيا الوقت لإعادة ترتيب أوراقها في ليبيا، وتفتيت المنطقة الإقليمية.
شروط الجيش الليبي
من جانبه، أعلن الجيش الوطني الليبي التأهب بعد أنباء عن توجه ميليشيات تابعة لتركيا إلى سرت والجفرة. ورفع درجة الاستعداد القصوى في الخط الأحمر سرت-الجفرة، وذلك بعد وصول معلومات تحشيد للميليشيات السورية التركية للهجوم على المنطقة.
وفي سياق آخر، ذكرت قناة “العربية” أن الجيش الوطني الليبي سلم أمريكا وأوروبا شروطه لوقف إطلاق النار، تتضمن سحب الميليشيات من حدود سرت والجفرة، والإشراف على سحب المرتزقة التابعة للوفاق، وتفكيك القواعد العسكرية التركية، مشدداً على هذه النقطة قبل الموافقة على أي مبادرة. كما اشترط تجميد الاتفاقيات المبرمة بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج مع تركيا للقبول بأي مبادرة. ووضع جدول زمني لسحب المستشارين العسكريين الأتراك من ليبيا، وجدول زمني لتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها. وتأمين المناطق النفطية دون مشاركة حكومة الوفاق.
واعتبر عبد الله الرفادي، زعيم حزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، أن بيان “السراج ” لم يستشر من قبل المجلس الأعلى للدولة أو حتى المجلس الرئاسي والحكومة.
وزادت هذه المواقف من المخاوف من تفكك مبادرة وقف إطلاق النار وإجراء انتخابات في مارس المقبل وستؤدي إلى العودة إلى ساحة المعركة.
المرتزقة
ويعد ملف المرتزقة والفصائل والمليشيات في ليبيا من أعقد الملفات التي تعرقل الإعلان المتبادل لوقف إطلاق النار.
ويقول تقرير للأمم المتحدة سُرب في مايو الماضي، إن مئات المرتزقة من مجموعة فاجنر الروسية – التي يديرها يفغيني بريجوزين ، المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين – يعملون في ليبيا لدعم حفتر. وهناك تقارير تفيد بأن مجموعة فاجنر ستنسحب من البلاد، على الرغم من عدم تأكيد ذلك.
فيما دفعت تركيا بمليشيات من سوريا إلى ليبيا دعما لحكومة فايز السراج، قدرها المرصد السوري بنحو 17 ألف مجند.
وبحسب مراقبون، فإن تجارب تركيا لوقف إطلاق النار في سوريا تؤكد أن أنقرة جيدة في استخدامها للمناورة، إلى جانب ذلك، تريد اللجوء إلى هدنة مؤقتة لامتصاص الغضب الإقليمي والدولي.
وتشهد مدينة طرابلس تجمعات لمئات الليبيين الرافضين للوجود التركي في البلاد، فضلاً عن تدهور الأوضاع المعيشية وانتشار الفساد وانقطاع الكهرباء، والماء وطول الانتظار، بالإضافة الي النزاعات المسلحة منذ سنوات.
ونقلت صحيفة آراب ويكلي البريطانية عن مراقبون إن الموقف يكمن في تفاصيل تنفيذ وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية اللازمة بشأن المنطقة منزوعة السلاح، وكيفية التحضير للانتخابات النيابية والرئاسية في مارس المقبل.
وشدد “السراج” على أن “تحقيق وقف فعلي لإطلاق النار يتطلب نزع سلاح منطقتي سرت والجفرة، وأن تتفق قوات الشرطة من الجانبين على الترتيبات الأمنية داخل المنطقتين”.
لكن عقيلة صالح لم يذكر الجفرة واكتفى باقتراح أن تكون مدينة سرت المقر المؤقت للمجلس الرئاسي الجديد، بحيث يجمع كل الليبيين معًا ويقربهم، شريطة أن تقوم قوة شرطة رسمية من مختلف المناطق بتأمين المدينة، استعدادًا لتوحيد مؤسسات الدولة كمرحلة توافقية أساسية في عملية البناء، على أن يتم استكمال الترتيبات العسكرية وفقًا لمسار المفاوضات الذي ترعاه الأمم المتحدة (5 + 5)، والذي ستكون مخرجاته ملزمة بمجرد الاتفاق عليها ويعلن رسميا.”
بينما شدد عقيلة صالح على ضرورة أن تكون قوات الشرطة “قوات أمن رسمية”، أي أنه يجب أن يكون لديها أرقام شارة الشرطة الوطنية منذ ما قبل 2011، لا يستبعد المراقبون أن حكومة الوفاق الوطني لن تتردد في تقديم عناصر المليشيات الذين خضعوا مؤخرًا لبعض التدريبات على حفظ الأمن لإعدادهم لهذه المهمة بالذات وتقديمهم كقوات شرطة نظامية.
ومن غير المرجح أن يوافق الجيش، الذي لم يعلق على الاتفاق، على الانسحاب من سرت والجفرة قبل تلقي ضمانات بأن مرتزقة وميليشيات حكومة الوفاق الوطني لن يكونوا ضمن القوات التي ستؤمن المنطقة منزوعة السلاح.
حبر على ورق
فمنذ اتفاق الصخيرات في المغرب المبرم عام 2015 برعاية الأمم المتحدة، أُعلن عن مبادرات عدة لإخراج ليبيا من الأزمة إلا أنها بقيت في الواقع حبراً على ورق.
كذلك، في يوليو 2017، تعهد الأفرقاء الليبيون أثناء اجتماع في سيل سان كلو في المنطقة الباريسية، بالعمل لإخراج البلاد من الفوضى ودعوا إلى وقف إطلاق نار وتنظيم انتخابات، لكن شيئاً لم يحصل.
وفي 29 مايو 2018، اتفق كل من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، وقائد الجيش خليفة حفتر وكذلك رئيس البرلمان عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري الذين اجتمعوا في باريس، على العمل سوياً من أجل تنظيم انتخابات عامة، وفق إعلان تمت تلاوته بعد المؤتمر.
وفي نوفمبر 2018، نظمت إيطاليا القوة الاستعمارية السابقة لليبيا، مؤتمراً دولياً في باليرمو لمحاولة تحقيق تقارب جديد بين الأفرقاء، لكن المؤتمر فشل بسبب الانقسامات المستمرة بين الليبيين والتدخلات الأجنبية، لا سيما التركية.
وفي 28 فبراير 2019، أعلنت الأمم المتحدة عن اتفاق جديد أُبرم في أبوظبي أثناء لقاء بين السراج وحفتر بشأن إجراء انتخابات في ليبيا، لكن من دون تحديد جدول زمني ولم يتمّ تنفيذه.
وفي العشرين من مارس 2019، أعلنت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا “مؤتمراً وطنياً” في منتصف أبريل في غدامس (وسط) على أن يتم خلاله وضع “خارطة طريق” لإخراج البلاد من الأزمة، لكن التطورات على الأرض جرت بعكس رياح التوافق.
استهلاك إعلامي
ويرى هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث، أن وقف إطلاق النار في ليبيا، هي خطوة إيجابية بشكل كبير، ورغم الخلافات والصراعات في الأزمة الليبية، إلا أن الرأي السياسي هو الأنسب على الاطلاق.
ويضيف مدير المركز العربي للبحوث، أن هناك صراع مستتر فرنسي- إيطالي، بالإضافة إلى مواجهة غير مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا، علاوة على المصالح لكل من تركيا وقطر في ليبيا.
وبالتالي فأن هذا المشهد المعقد هو ما يجعل الوصول إلي حل سياسي صعب نوعياً ويعتبر ذلك السبب الأول في عدم تنفيذ المبادرة.
كما يعتبر السبب الثاني هو فكرة المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وغيرها من المؤسسات المعنية والناتو بشكل أساسي على اعتبار انهم تدخلوا في ليبيا ثم تركوا مساحة فارغة وكان هناك فجوة لخروجهم على اعتبار انه كان لا يوجد قوى سياسية تسد الفراغ، وترك الأمور إلى الميلشيات، فبالتالي أن للمجتمع الدولي والناتو هما المسؤولين عن الأوضاع في ليبيا.
هاني سليمان يؤكد الي أن الاتفاقيات السابقة لم يكن بها أي ضمانات، وأكبر دليل على ذلك اتفاق الصخيرات في عام2015، وكان في حينها فترة انتقالية، ومجلس رئاسي، الا أن اتفاق وقف إطلاق النار كان أحد النصوص في الاتفاقية لكن لم تلتزم بها حكومة الوفاق.
ويشير سليمان إلي أن فرص نجاح هذه المبادرة يرتبط بوجود ضمانات ومراقبة دولية، خاصة إذا كان المجتمع الدولي هو المسؤول عن مواصلة اليه الأمور، تركوا التدخل التركي بمثل هذا الشكل للدخول في ليبيا وانتهاك سيادتها والسيطرة على الموارد الليبية.
ونجاح تلك الهدنة مرتبط ايضاً بالسلوك التركي وحكومة الوفاق في الفترة القادمة، وايضاً المشير خليفة حفتر، لافتاً إلي ان ما أورده المسماري الي وجود ناقلات وصواريخ من جانب الوفاق وتركيا ووجود طائرة تركية تحمل المرتزقة هبطت في مطار الوطية الليبية، فضلاً عن التوترات في الجفرة وسرت، توحي إلي أننا إزاء إعلامي ليس أكثر، كما أن طرح المبادرة تعتبر استهلاك إعلامي وليس أكثر.