“تفكك، تمرد، استقالات وسقوط للأقنعة”، هذا ما تُعانيه جماعة الإخوان، في معظم الدول التي بسطت نفوذها بها يومًا ما، وكانت الآمر الحاكم، وصاحبة التهديد الأول فيها على الحكام.

الآن تواجه الجماعة الأبرز في الإسلام السياسي، مصيرًا مجهولًا، مع تزايد نبرات الهجوم عليها، واتهامها بالإرهاب، بالتزامن مع حملات استقالات بين أعضائها في عدد من الدول التي لاتزال تصارع للسيطرة عليها بعدما فقدت قوتها في دول عدة في مقدمتها مصر.

كان آخر الضربات التي تلقتها الجماعة، تقديم عدد من أعضائها في ليبيا استقالات جماعية وإعلانهم إغلاق مكتب الجماعة بمنطقة الزاوية اعتراضًا على ما تتعرض له البلاد”، وفقًا لما جاء في نص بيان الاستقالة” من تجاذبات واصطفافات وتصنيفات وحرب على الوطن والمواطن، واستجابة لنداء الكثير من المخلصين من أبناء الوطن بشأن عدم ترك فرصة لمن يتربص بالبلاد، وإقامة دولة مدنية يعيش فيها المواطن متمتعاً فيها بحق المواطنة أيّاً كان توجهه الفكري أو انتماؤه السياسي، وعليه قامت الجماعة بمراجعات منذ 2015 بهذا الخصوص وبسبب المماطلة والتأخير المستمر في تطبيق القرار، فقد قررنا نحن أبناء مدينة الزاوية الذين كنا ننتمي لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، الاستقالة الجماعية من جماعة الإخوان الليبية، وبهذا يعتبر فرع الجماعة بمدينة الزاوية منحلا من هذا التاريخ”.

مع سقوط حكم القذافي، وجد الإخوان الفرصة سانحة للعودة للمشهد من جديد والسيطرة على ليبيا التي كانت تعاني من التفكك وعدم وجود نظام سياسي محدد

إخوان ليبيا

يعتبر وضع الإخوان في ليبيا، الأضعف منذ نشأة الجماعة وتواجدها في الأراضي الليبية، أربعينيات القرن الماضي عندما توجه ثلاثة من أعضاء الجماعة، وهم جلال سعادة وعز الدين إبراهيم ومحمود شربينى، هاربين من الحكومة المصرية عقب اتهامهم بمحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري محمود النقراشي، حيث استقبلهم الأمير إدريس، ورفض تسليمهم لمصر، وهناك نجحوا في طرح أفكار الجماعة، وكونوا النواة الأولى لتواجدها في ليبيا وشكلوا هيئة الدعوة الإسلامية، وظل نشرهم لأفكار الجماعة حتى عام 1954، عندما قام الإخوان باغتيال ناظر الخاصية الملكية، وصدر قرار بمنع نشاط جماعة الإخوان على الأراضي الليبية، وعقب وصول القذافي للحكم، نشط الإخوان مرة أخرى، وسرعان ما عادوا للعمل السري، عقب إلغاء القذافي للأحزاب.

ومع سقوط حكم القذافي، وجد الإخوان الفرصة سانحة للعودة للمشهد من جديد والسيطرة على ليبيا التي كانت تعاني من التفكك وعدم وجود نظام سياسي محدد، فأسست الجماعة حزب العدالة والبناء، بقيادة محمد صوان، والذي حقق نجاحًا ملحوظًا في أول انتخابات برلمانية في ليبيا وحصل على 34 مقعد من أصل 200 مقعد، فيما نجحت الجماعة في عقد التحالفات مع السياسيين، واستبعاد سياسيي فترة القذافي من حقهم في ممارسة السياسة، واستبعادهم تماما من المشهد.

ثم ظهر النشاط المسلح للجماعة ممثلًا في “لواء الدروع” ومع انتشار أعمال العنف والحرب الأهلية تأثرت الجماعة بصورة كبيرة.

وسرعان ما تأثر الإخوان بسقوط حكمهم في مصر، وقام المؤتمر الوطني العام بتشكيل الحكومة المعترف بها حاليا، وانتقل مجلس النواب إلى طبرق، والذي كلف اللواء خليفة حفتر بمواجهة المليشيات المسلحة المساه فجر ليبيا في طرابلس، ثم شملت العمليات كافة الجماعات المسلحة.

في هذا التوقيت ظهر ما يعرف بالمؤتمر الوطني العام الجديد، والذي تشكل من عناصر خاسرة بالانتخابات البرلمانية الليبية، وأعلنوا دعمهم لمليشيات فجر ليبيا، وهو المؤتمر الذي تحالفت معه جماعة الإخوان من خلال حزب العدالة والبناء، وكتلة الوفاق لدماء الشهداء، والتي تضم تشكيلات مسلحة مدعومة من الإخوان بقيادة تركيا وقطر

ومع استمرار الحرب المعلنة ضد المليشيات المسلحة في ليبيا، فقد المسلحون الكثير من الأراضي التي يسيطرون عليها، ما نتج عنه تنصل العديد من القادة من الإخوان، الداعم الرسمي للمسلحين، وفقدت الجماعة رويدًا رويدًا سلطتها في ليبيا، واصطدمت بالعديد من الاستقالات والانشقاقات وحالات تمرد متعددة، أشهرها انسحاب خالد المشرى من الجماعة مطلع عام 2019، والتي كانت تعتبر هزة كبيرة داخل أروقة الجماعة، وتهديدات جماعة مصراته بالانسحاب أيضًا، وفقًا لما جاء على لسان محمد غميم، قيادى الجماعة بمصراته، حول استقالات جماعة الزاوية ووصفه لها بأنها قرار شجاع، داعيًا باقي عناصر الجماعة لاتخاذ نفس الموقف.

وتعتبر تلك الضربة من أقوى الضربات التي واجهت الجماعة، بعد سقوط حكمها في مصر، ذلك لأن وجود الجماعة في ليبيا له أهميته، خاصة في المرحلة الحالية، والتي تشهد صراعًا كبيرًا وتهديدات بتدخل مسلح لتركيا “الراعى الرسمي للإخوان” في الأراضي الليبية، لتمثل تلك الخطوة اعترافًا بخسارة الإخوان لأكبر معاقلها في ليبيا، وبداية انهيارها عقب تدنى شعبيتها ووصولها لأدنى مستوياتها، ما ينذر بتكرار سيناريو سقوط إخوان مصر وانهيارهم التام بدولة المنشأ . 

في تونس يواجه الإخوان عداء مباشر مع الرئيس التونسي قيس سعيد، والذي هاجم الإخوان وحلفائهم

سقوط في تونس والجزائر

كحبات العقد المنفرطة، تفقد جماعة الإخوان سطوتها داخل الدول العربية، في مشهد ربما يكلف الجماعة التي تقترب من عامها المائة الكثير.

ففي تونس يواجه الإخوان عداء مباشر مع الرئيس التونسي قيس سعيد، والذي هاجم الإخوان وحلفائهم، ورفض ما يتم في ليبيا، وهاجم حكومة الوفاق الليبية، مؤكدًا أن شرعيتها الدولية لن تدوم، وحذر خلال زيارته لفرنسا من محاولات التقسيم التي تهدد دول أخرى مثل تونس والجزائر، وأكد أنه يسعى لتوحيد الموقف التونسي الجزائر أمام تلك المحاولات.

وتعرض الرئيس التونسي لهجوم كبير من جماعة الإخوان، ومنهم العربي القاسمى، عضو مجلس شورى حركة النهضة الإخوانية التونسية، والذي قال عبر صفحته الرسمية على فيسبوك “حين يطالب قيس سعيد بإنهاء شرعية حكومة الوفاق، الجار المنتصر، واستبدالها بشرعية جديدة، فهذا يطرح عدة أسئلة: هل ناقش الرجل هذا الأمر ضمن الدبلوماسية التونسية ومع الأحزاب الكبرى في البلاد على الأقل؟ وهل تباحث في الأمر مع الجار الأكبر والشريك في المصير الشقيقة الجزائر؟ وهل قدر عواقب هذه المراهقة السياسية؟ أم هي رغبة فرنسا التي تحاصرها تركيا والجزائر، وها هي تملى علينا مواقفنا وتعتدى على سيادتنا”، أيضًا تعرض الرئيس التونسي لهجوم من محمد صوان الذي اتهمه بعدم معرفة طبيعة الأزمة في ليبيا.

وعلى أرض الواقع يجد الإخوان نفورًا كبيرًا في تونس، وتوجد محاولات عدة لاعتبارها جماعة إرهابية، وهو القرار الذي أرجأه البرلمان التونسي بعدما طالبت به كتلة الحزب الدستوري الحر.

وفى الجزائر، لا يختلف الأمر كثيرا، فعقب انتهاء حكم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، كشف القناع عن ثقل الإخوان في الجزائر والذي تهاوى كثيرًا ننتجه لسياسات القمع والإرهاب والإقصاء التي مارسها عناصر الجماعة في دول أخرى، جعلت الجزائر تدرك الدرس سريعا وتتعامل معه وتمنع الإخوان من اعتلاء عرش الحكم.

وخلال التظاهرات ضد بوتفليقة تعرض الإخوان للعديد من محاولات الاعتداء ومنهم الإخوانية عبد الله جاب الله، رئيس ما يعرف بـ”جبهة العدالة والتنمية” الإخوانية، حيث تم طرده ومنعه من المشاركة في التظاهرات، خاصة أن الجماعة كانت تدعم بقاء حكم بوتفليقة وغيرت موقفها لركوب الموجة الجديدة والاستيلاء على الحكم، الأمر الذي تعرض له أبو جرة سلطانى في تظاهرات الجزائريون في فرنسا، وخلال الحملات الانتخابية للرئاسة تعرض المرشح الإخوانى عبد القادر بن قرينة للطرد والاعتداء من معظم محافظات الجزائر.

وحاليا تسعى كل من الجزائر وتونس إلى التوحد ضد التمدد الإخوان، وألاعيب الجماعة، من خلال مواجهة تواجدها في ليبيا واتخاذ مواقف موحدة ضد الجماعة التي انهار على يدها العديد من الدول العربية وساهمت في انقسامها ونشر الدماء بين أبنائها.

الانشقاقات التي تشهدها جماعة الإخوان، ناتجة عن عدة عوامل أهمها حالة الانفصام الشخصي لدى قادة الجماعة.. صبرة القاسمي

الجماعة إلى أين؟

مع تعدد حالات الانشقاق داخل جماعة الإخوان، ولأنها تضم عدد كبير من الأعضاء داخل دول عدة باتت التكهنات حول مصير هؤلاء الأشخاص، ما بين رؤى ترجح أن الانشقاق مجرد أكذوبة للهروب من فشل الجماعة الأم، وأنهم سيتواجدون بنفس الأفكار ولكن بمسميات أخرى، ورؤى تعتقد فيهم أنهم كافرون بالجماعة عقب كشف حقيقتها الدموية، كما تردد سؤال أخر حول مصير تلك الجماعة التي تواجه الانهيار يوما بعد يوم.

وأوضح الدكتور صبرة القاسمي، مؤسس الجبهة الوسطية والباحث السياسي، “أن الانشقاقات التي تشهدها جماعة الإخوان، ناتجة عن عدة عوامل أهمها حالة الانفصام الشخصي لدى قادة الجماعة، واتباع منهج الكيل بمكيالين في التعامل مع عناصرها، فالقيادات الكبرى لهم الحق في الحصول على الجنسية مثل ما يحدث في تركيا، كما لهم الحق في الحصول على التمويل ويعيشون في بزخ وينقفون الكثير من الأموال على أسرهم وعلى أنفسهم، كما يحصلون على وظائف مهمة كما يحدث في قطر التي تولى لهم اهتمام خاص وتقدير محاط رعاية الأمير تميم وبطانته، وفى المقابل تعيش الغالبية العظمى من شباب الجماعة في فقر مضجع، ويحصلون على الوظائف المتدنية التي لا تتناسب مع وضعهم وتركيبتهم الاجتماعية أو مستواهم العلمي، فالإخوان كما كانت تفرق بين أبناءها في داخل مصر تمارس نفس الفعل خارج مصر.

يتابع القاسمي ” الأمر الأخر في تلك المسالة أن هناك عدد كبير من الإخوان بدأوا تتكشف لهم الجماعة ويمرون حاليا بخطوة جديدة للتراجع عن فكر تلك الجماعة والعودة لأوطانهم، فهم ينادون بالانشقاق عن الإخوان نتيجة للتجارب المريرة التي مروا بها داخل الجماعة.

“الإخوان كجماعة لديها 3 سيناريوهات لما تواجهه من انشقاقات”.. صبرة القاسمي

3 سيناريوهات

وكشف “القاسمي” أن الإخوان كجماعة لديها 3 سيناريوهات لما تواجهه من انشقاقات، الأول أن تتشكل مجموعات تنظيمات أشد عنفًا وشراسة من الإخوان وتنضم إلى ما يعرف بتنظيم داعش، وهذا حدث بالفعل وهناك أبناء قياديين للإخوان وعناصر تابعة لهم فعلوا ذلك وهو ما رصده الإخوان أنفسهم عام 2014 في فيلم أذاعته قناة الجزيرة وتحدثت عن وجود عناصر للإخوان المنشقون في داعش، ويعد هذا هو السيناريو الأخطر.

أما السيناريو الثاني والحديث للقاسمي فهو” انشقاق مجموعات لتشكيل تنظيمات تحمل الفكر والتوجهات والأدبيات الإخوانية، وتحاول أن توفر لنفسها ما فقدته لدى الإخوان، وهذه التنظيمات لا تختلف عن الإخوان، سوى في المسمى فقط، وهدفهم تنفيذ أجندة الإخوان بمسمى أخر وأدبيات اجتماعية واقتصادية أخرى.

السيناريو الثالث، والذي كشفته العديد من المؤشرات، أن بعض المنشقين وهم قليلوا العدد كفروا بالإخوان واكتشفوا حقيقتها، خاصة أنهم عند انخراطهم داخل الجماعة كانوا يعتقدون أنهم منتمون لجماعة سلمية، ولكن عقب سقوط القناع عن الإخوان، وارتكابهم أفعال إجرامية واستخدامهم للسلاح، أدرك هؤلاء الأشخاص أنهم سقطوا في كذبة كبرى، وسعوا للعودة إلى رشدهم وأوطانهم رافضين أن يكونوا حطبًا يشعل بلادهم نارًا لصالح الجماعة.

وأكد القاسمى، أن كل تلك الشواهد تؤكد انهيار الجماعة، وعدم قدرتها على استكمال مشوارها بالصورة المعهودة، خاصة مع خسارتها لثقلها، واتجاهها لحمل السلاح، وهو ما يبشر بانتهائها قريبا.